شهدت مختلف ولايات الوطن، خلال السنوات الأخيرة، مئات الآلاف من الحركات الاحتجاجية للمواطنين للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية على غرار السكن والعمل، غير أن غياب الحلول لدى العديد من المسؤولين المحليين يدفعهم للبحث عن حلول سطحية عن طريق إطلاق وعود مستحيلة التحقيق، وهو ما يوقعهم في ورطة أخرى بعد عدم تحققها لتعود الحركات الاحتجاجية أكثر قوة وأحيانا أكثر عنفا.
“الموعد اليومي” فتحت هذا الملف الشائك بحقائق ومعلومات استقيناها من الميدان.
خلايا إصغاء غير مجدية أبقت على 299 منطقة تحت الظل
بيع الأوهام يطيح بمسؤولين محليين بالعاصمة
أطاح الغضب الشعبي الذي ولّدته الوعود الكاذبة والمتكررة للسلطات المحلية بالعاصمة، بعدد لا بأس به من المسؤولين المحليين في مقابل التضييق على الأميار الذين خلقوا بؤرا للعنف قابلة للانفجار في أي لحظة، بسبب سوء التسيير القائم على عدم التوازن في توزيع المشاريع التنموية
وتورطهم في الإبقاء على 299 منطقة تحت الظل لا تتوفر فيها حتى أساسيات العيش الكريم، في مقابل اعتمادهم على سياسة التسويف وتقديم وعود زائفة ينتهي مفعولها بمجرد انتهاء حلقات الإصغاء غير الجدية التي كانت بمثابة جبل الجليد الذي لم يكن يظهر منه إلا قمته، لكن سرعان ما بدا للعيان وهو يعصف بالجميع مؤكدا ألا جسر تواصل حقيقي يصلهم بالسلطات المحلية التي عكفت طوال السنوات الماضية على تجاهل مطالبهم الاجتماعية التي أضحت رهانا حقيقيا في تحدي الحكومة الجديدة لكسب ود المواطنين بعدما وضعت يدها على مكمن الجرح وتوصلت إلى أن التراكمات أججت فتيل الاحتجاجات، بحيث لم يعد مسموحا مستقبلا الضحك على ذقون هؤلاء المواطنين الذين لن يرضوا بغير الحقيقة وافتكاك حقوقهم كاملة من خلال عدالة توزيع المشاريع وفتح نوافذ للتواصل مع المسؤولين تكون فعالة وجدية وطي صفحة اللامبالاة وحشر المواطن دائما في آخر حلقة من حلقات اهتمام أصحاب القرار .
توصلت الحكومة الجديدة إلى تشخيص العلة التي جعلت كرات اللهب الشعبية تشتعل هنا وهناك ولا تنطفئ، رغم خطابات التهدئة وتطمينات الحكومة إزاء الإمكانيات المادية المتاحة والإرادة السياسية الموجودة لتغيير الأوضاع، وكانت العاصمة من بين أكثر المناطق التي عرفت احتجاجات متسلسلة ضد أداء السلطات المحلية التي لم تكن يوما لسان حالهم ولا تترجم معاناتهم مع سوء التسيير، بل عملت على تعقيد مشاكلهم الاجتماعية من خلال بيعهم الوهم في كل مرة يلجؤون فيها إليها، الأمر الذي عجل بقطع أواصر الثقة وتحول الطرف الآخر إلى عدو عمل على حرمانهم من حقهم في التنمية سيما منهم سكان مناطق الظل الذين عايشوا طوال عقود عدم الانصاف في توزيع أسباب التنمية. وكان لزاما على الحكومة الجديدة إعادة ترتيب الأمور، بحيث تبعث الحياة في هذه المناطق المعزولة واحتواء أولى بوادر الاحتقان قبل تطورها نحو التصعيد والفوضى من خلال إمهال المسؤولين المحليين عاما لإعادة النظر في الأخطاء المسجلة، وكانت مناطق الظل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى مغادرة البعض لمناصبهم .
تبون يتوعد المسؤولين المحليين و يطالبهم بالشفافية
فصل الرئيس عبد المجيد تبون في إشكالية الاحتجاجات التي أضحت تطبع يوميات الجزائريين الذين لم يعودوا يستجيبون لخطابات مسؤوليهم المحليين، ووجّه تعليمات صارمة في خطاب له قبل أشهر يحذر فيه السلطات المحلية من الاستمرار في سياستها القائمة على خداع المواطنين ودعاهم إلى التوقف عن تقديم الوعود الكاذبة، والحد من سياسات التبذير والإنفاق غير المُجدي للموازنات العمومية، وإنهاء ظاهرة المواكب والولائم في الزيارات الرسمية، وأقرّ بوجود مناطق تعيش ظروفاً قاسية، قائلاً إنها “لا تشرّف الجزائر ولا الجزائريين”، مشددا على ضرورة إشراك الجمعيات سيما منها الفاعلة .
وقال تبون إنه يتعين على المسؤولين والولاة ورؤساء الدوائر الكف عن الوعود الكاذبة والتزام التعهدات الممكنة وتقديم الخدمة للمواطنين، دون تقديم التزامات، لا يجري الوفاء بها للسكان، محذرا إياهم من عدم ترشيد الإنفاق العام، معبرا عن استيائه لسوء تسيير المال العام في إنجاز البنى التحتية، قائلاً إنه “يجب محاربة التبذير، حيث نرى في بعض المدن تجديداً للأرصفة كل ستة أشهر، بينما هناك مواطنون عشرات السنوات دون كهرباء وماء”، وطالب بإنهاء سياسة الولاء في التوظيف أو منح الصفقات العامة، وبإشراك الكفاءات المتخصصة في كل المجالات، والاستماع إلى المجتمع المدني وتشجيع الجمعيات الجادة ودعمها.
“مناطق الظل” عمق جزائري بقي حبيس تقاليد التسيير الجائرة
تستقر كثير من مناطق الظل في العاصمة بعيدا عن أعين المسؤولين الذين ورثوا صفة التهميش والتجاهل، فسلطوها على سكانها الذين حرموا لعقود من الزمن من أبسط الأساسيات التي تضمن لهم العيش الكريم، ورغم أن 299 حيا ينتمي إلى عاصمة البلد إلا أن ذلك لم يشفع له لينفض عنه غبار الظلم، بل بقي سكان هذه الأحياء يمتصون كل أنواع المعاناة و يغترفون الآلام من قسوة الحياة دون أن تلتفت إليهم الأعين التي لم تجد أي حرج في حرمانهم من مختلف المشاريع، في مقابل تمكين أحياء أخرى من كل شيئ في تسيير غير عادل سرعان ما تحول إلى سبب لموجات الغضب التي تشتعل هنا وهناك تنديدا بالظلم، من بينها ما وقع لمواطنين يقطنون في أحد أحواش الرويبة بمحاذاة طريق تحصد فيه الأرواح بشكل دوري، ورغم ذلك لم يستطيعوا إقناع السلطات بجدوى ترحيلهم فنظموا وقفة احتجاجية قبل أيام منتفضين فيها على زوجين آخرين راحا ضحية انحراف سيارة متجهة نحو مسكنهما .
ويجمع كثير من سكان الأحياء المقهورة أن مسؤوليهم تركوهم لمصيرهم مع النفايات وانقطاع الماء الصالح للشرب عن منازلهم، وتدهور شبكة الصرف الصحي وصعود المياه المستعملة إلى السطح، وانهيار شبكة الطرقات الحضرية، وما يترتب عنها من معاناة مع وسائل النقل، ترك عائلات تعيش في القصدير لثلاثة عقود وإقصاء أخرى بسبب أخطاء إدارية وحرمان آخرين من وسائل نقل كما هو الحال ببلدية المرسى التي لا تتوفر ومنذ خمس سنوات على خط مباشر يربط بلديتهم بالبلديات المجاورة ما أجبر سكانها على التنقل حتى برج البحري مشيا على الأقدام، مضطرين فيها إلى استعمال أزيد من حافلتين للوصول إلى بلديات مجاورة لا تبعد سوى ببضعة كيلومترات، أما في بلدية هراوة فأغلب المشاريع المبرمجة في أحيائها حبيسة الأدراج على رأسها محطة نقل تمكنهم من القضاء على العزلة التي أتعبتهم وإنهاء صور التدافع والازدحام، وفي المحمدية لا يزال سكان حي 225 مسكنا يعانون مع الاهتراء الشديد للطرقات، في مقابل استمرار تجاهل مطلب توفير أسواق جوارية بباب الزوار، في حين أن سكان عين طاية ملوا كثرة المطالب التي وجهوها للمسؤولين حول الغياب الملفت لفضاءات الترويح عن النفس، ولم تتوج الوعود الكثيرة التي أطلقها المنتخبون المحليون بالتجسيد على أرض الواقع فيما يتعلق بخلق فضاءات ترفيهية تخفف على الشباب وطأة الضغوطات الكثيرة التي يعانون منها، ولم يستطع الكثيرون الذين شاركوا في اجتماعات الأميار والولاة مع وزارة الداخلية في السنوات القليلة الأخيرة، ترجمة التوصيات التي خرجت بها اللقاءات التي انصب جل تركيزها على العمل على امتصاص الغضب الذي أضحى يتولد لدى فئة كبيرة من المجتمع بسبب غياب مجالات الترويح عن النفس الكفيلة بتخفيف مشاكلهم اليومية، لتسقط جل الوعود التي تعهدوا بها في الماء.
الوعود الزائفة لتجاوز غياب الصلاحيات و الافتقار إلى التفكير الاقتصادي
لم تندلع الاحتجاجات في مختلف بلديات العاصمة على امتداد العقود الماضية فجأة، بل تولدت بفعل تراكمات كثيرة نتيجة عجز المجالس البلدية ومختلف السلطات المحلية عن تسيير أهم القضايا المرتبطة أساسا بحياة السكان المباشرة، على رأسها السكن، الشغل، المشاريع التنموية الأساسية، والفشل الذريع في تنظيم قفة رمضان للمحتاجين والعائلات المعوزة وغيرها من الملفات التي تم الفشل في تسييرها بشكل يرضي أصحابها .
في المقابل، تحجج المتورطون بجملة من الحجج التي منعتهم عن أداء واجبهم على أكمل وجه، وبالتالي الوقوف مبكرا في وجه موجات الغضب التي عصفت بهم قبل حتى أن تتحرك العدالة لتقتص منهم بداية بالعجز المالي الذي تعاني منها أغلب البلديات
وحرمان رؤسائها من أهم الصلاحيات التي تسمح لهم بممارسة مهامهم بأريحية و مسؤولية، ورغم ذلك، فإن العشرات من هؤلاء متابعون في قضايا الاختلاس وسوء التسيير وإبرام صفقات مخالفة للتشريع، ولأنهم يعدون أولى حلقات التواصل مع المواطنين، فإنهم الأكثر تعرضا للانتقاد.
والحقيقة أن أكثر هؤلاء يفتقرون إلى القدرة على التحليل المالي والمحاسباتي، وأغلب الولاة إداريون ولا تفكير اقتصادي لهم في مقابل غياب آليات الرقابة والمكافحة والوصاية، كما أن قانون الصفقات العمومية الذي يعمل وفقه رؤساء البلديات، يحتوي على ثغرات قانونية، ما جعل عددا منهم يفكرون في كيفية حماية أنفسهم من الوقوع في الورطة القانونية التي تحولهم بين ليلة و ضحاها إلى متهمين أكثر من حرصهم على الغوص في مشاكل الناس.
600مشروع تنموي مستعجل بالعاصمة لتدارك أخطاء الماضي
برمجت ولاية الجزائر 600 مشروع تنموي بعد إحصاء 299 منطقة ظل موزعة عبر 34 بلدية بالعاصمة، لتدارك الأخطاء المرتكبة في حق قاطنيها الذين تحملوا طوال عقود الظلم المسلط ضدهم وتتعلق أساسا بأهم الضروريات على غرار الربط بالغاز، المياه، شبكة الصرف الصحي وكذا المرافق التنموية الأساسية مع التعجيل بإطلاقها من أجل تجسيدها لتحسين واجهة هذه المناطق قبل نهاية السنة الجارية،
والبداية كانت بزيارات ميدانية قادها الولاة المنتدبون عبر المقاطعات الإدارية الـ 14، حيث أشرفت مصالح المقاطعة الإدارية لدار البيضاء مثلا على بعث ثلاثة مشاريع تخص حوش مواتسة، سعيد شعلال 4 و سعيد شعلال 1 بالرويبة، كما انطلقت أشغال التهيئة ببلدية الرغاية وهذا بحوشي تريلي وقوميلا، هذه المشاريع تضاف الى أخرى انطلقت سابقا، في انتظار إطلاق أخرى في الأيام القليلة القادمة بالبلديات التابعة لنفس المقاطعة، كما تواصل مصالح بلدية برج الكيفان أشغال إنجاز ملعب بن زرقة.
كما انطلقت الأشغال الخاصة بالربط بشبكة الصرف الصحي على مستوى حوش ميالو ببلدية سطاوالي، وتتواصل أشغال التهيئة وإنجاز مختلف المشاريع المحلية ببلديات المقاطعة الإدارية لبئر توتة على غرار تهيئة ملعب نصف أولمبي بحي الشعيبية حمور، بالإضافة إلى تعبيد الطريق بشارع الوالي مدخل بوكرت على مستوى بلدية تسالة المرجة وتعميم الإنارة العمومية بسيدي عباد، ضف إليها تهيئة مساحة للعب بحوش “اوناب”، وتهيئة أرضية ملعب كرة قدم بحي الزوين، بالإضافة إلى الربط بشبكة الغاز بحي الزوين، أما ببلدية اولاد شبل، فتم تعبيد الطريق وإنجاز الإنارة العمومية بمركز بونعاس، كما تم إنجاز مجمع مدرسي من 6 أقسام وتوفير التدفئة بمركز دربان.
كما استفادت زرالدة من 68 مشروعا خاصا بـ 20 منطقة ظل، في حين سارعت المقاطعة الإدارية للشراقة إلى إنجاز 03 مشاريع تخص تهيئة الطرقات والأرصفة بكل من حي بوكيكاز، تماريس، العربي بن مهيدي بالحمامات، كما استفادت البلدية من أربعة مشاريع لتزويد الإنارة العمومية وغيرها من المشاريع التي أطلقها الولاة المنتدبون للمقاطعات والذين أمهلوا حتى نهاية السنة الجارية لتلبية احتياجات سكان مناطق الظل.