أنوار من جامع الجزائر

الْيَوْمِ الْعَالَمِيِّ لِلصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ – الجزء الثالث والأخير-

الْيَوْمِ الْعَالَمِيِّ لِلصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ – الجزء الثالث والأخير-

فِي الْيَوْمِ الْعَالَمِيِّ لِلصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، الْمُوَافِقِ لِلْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ أُكْتُوبَرَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، نُرْسِلُ رِسَالَةً إِلَى الْعَالَمِ لِنُؤَكِّدَ حَقِيقَةً جَوْهَرِيَّةً، مَفَادُهَا أنّ الْعَقْلَ فِي شَرِيعَتِنَا لَيْسَ مُجَرَّدَ عُضْوٍ، بَلْ هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَسِرُّ التَّكْرِيمِ الْإِلَهِيِّ لِلْإِنْسَانِ. وَرِسَالَتُنَا تَتَمَثَّلُ بيان ملامح مَنْهَجِ الْإِسْلَامِ فِي حِمَايَةِ الْعَقْلِ وَتَنْمِيَتِهِ:

  • قِيمَةُ الْيَقِينِ: إِنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ الْوَاحِدِ “التَّوْحِيدَ” يُوَفِّرُ لِلْإِنْسَانِ الْأَمَانَ الْعَقِيدِيَّ، إِذْ يُقَدِّمُ إِجَابَاتٍ وَاضِحَةً وَكَامِلَةً حَوْلَ الْغَايَةِ وَالْمَصِيرِ. هَذَا الْيَقِينُ هُوَ التِّرْيَاقُ الْأَقْوَى ضِدَّ الْقَلَقِ الْوُجُودِيِّ وَالتَّشْوِيشِ الْفِكْرِيِّ الَّذِي يُعَانِي مِنْهُ الْإِنْسَانُ الْمُعَاصِرُ.
  • مَنْهَجُ السَّكِينَةِ: إِذِ الْعِبَادَاتُ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ طُقُوسًا جَامِدَةً، بَلْ هِيَ أَدَوَاتُ صِحَّةٍ نَفْسِيَّةٍ وَذِهْنِيَّةٍ، فَالصَّلَاةُ هِيَ تَدْرِيبٌ يَوْمِيٌّ عَلَى التَّرْكِيزِ وَالْهُدُوءِ الدَّاخِلِيِّ. وَالذِّكْرُ مَلَاذٌ لِلْقَلْبِ الَّذِي يُطْرَدُ عَنْهُ الْوَسَاوِسُ وَالْهَلَاوِسُ. قَالَ تَعَالَى: “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
  • نَبْذُ الْإِفْسَادِ: إِنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَكُلِّ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ، لَيْسَ تَقْيِيدًا لَهُ، بَلْ هُوَ حِمَايَةٌ مُبَاشِرَةٌ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ الْمُقَدَّسَةِ مِنَ التَّلَفِ وَالْإِفْسَادِ، سَوَاءً كَانَ الْإِفْسَادُ مَادِيًّا أَوْ فِكْرِيًّا.
  • قُوَّةُ التَّرَاحُمِ: فَإِنَّ الْعُزْلَةَ هِيَ سِجْنُ الرُّوحِ، وَالْإِسْلَامُ يَدْعُو إِلَى التَّكَافُلِ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، مِمَّا يُوجِبُ بِنَاءَ شَبَكَةِ دَعْمٍ اجْتِمَاعِيٍّ مَتِينَةٍ هِيَ خَيْرُ وِقَايَةٍ ضِدَّ الِاكْتِئَابِ وَالْوَحْدَةِ.

اللَّهُمَّ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ سَلَامَةَ الْعَقْلِ وَطُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ، اللَّهُمَّ نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَصَلَاحًا لِعُقُولِنَا، وَسَلِّمْنَا مِنَ الْفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ آمِين. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا وَعَمَلًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ، الصَّادِقِينَ فِي نِيَّاتِهِمْ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. وَمَتِّعْنَا اللَّهُمَّ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا إِلَى النَّارِ مَصِيرَنَا. اللَّهُمَّ يَا مُؤَلِّفَ الْقُلُوبِ، وَيَا جَامِعَ الشَّتَاتِ، نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَا أَنْ تُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَنْ تَجْمَعَ شَمْلَنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِيكَ، اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُفْسِدُ الْوُدَّ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ إِذَا وَعَدَ أَوْفَى، وَإِذَا حُدِّثَ صَدَقَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّى، وَإِذَا خَاصَمَ عَدَلَ.

 

الجزء الثالث والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر