يتمتع بئر الجنب الواقع ببلدية بوقادير بولاية الشلف بأسرار جيولوجية وتاريخية، فهذا البئر الذي يقارب قطره 30 مترا
وعمقا غير معروف لحد الآن. وحسب شهادات حية، فقد قام جيش الاحتلال الفرنسي برمي المجاهدين أحياء داخل هذا البئر، ويُعتقد أن رفاتهم ما زالت في الأسفل.
ويعد “بئر الجنب” من أهم الشواهد التاريخية على وحشية المستعمر وعلى التضحيات الجسام لشهداء ينحدرون من مختلف ولايات الوطن، وهو ما يحتاج إلى إجراء أبحاث وتوثيق المعلومات التاريخية الخاصة به، لإماطة اللثام عن أسرار أعماقه، وكشف مختلف الجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي به.
ووصف الباحث في تاريخ المنطقة، الأستاذ عبد العزيز صابر، “بئر الجنب ” بـ “الشاهد الصامت” على إعدام ثمانية شهداء من أبناء المنطقة سنة 1957 من بينهم إبراهيم قيجونية، جعفر عابد، عتو الطاهر، عيسى سرندي وعبد الرحمان سرندي، ولهذا يبقى هذا الشاهد التاريخي بحاجة لإنجاز دراسات معمّقة وأبحاث تاريخية حول مختلف الجرائم التي ارتكبت به، وكذا تحديد العدد الحقيقي للشهداء والثوار والمدنيين الذين لقوا حتفهم في أعماقه.
وأشار الباحث إلى أنّ هذا المكان الذي يحمل عدة تسميات كـ “بئر الشيطان” و”بئر الجن” و”غار الحمام”، هو عبارة عن ثقب في الأرض يبدو وكأنه فوهة بركان قديمة يفوق قطره 50 مترا ومحاط بمجموعة من الكهوف، مضيفا أنّه “من الناحية العلمية يعتبر بئر الجنب من فوهات الإذابة الجيولوجية التي تحدث عادة بالمناطق الكلسية”.
ويروي سكان المنطقة أن وحشية ولاإنسانية المحتل الفرنسي جعلته يأتي بالثوار والمجاهدين وحتى المدنيين العزل ليرميهم أحياء في أعماق هذا البئر الذي لا قاع له.
ويستذكر سكان المنطقة شجاعة الشهيد عبد الرحمان سرندي حتى في آخر لحظات عمره، والذي كان ينتظر دوره في الاستشهاد بعد والده الذي رمي أمامه في أعماق “بئر الجنب” ليتشبث بأحد جنود الاحتلال الفرنسي ويسقطه معه وسط دهشة بقية الجنود من قوّة وشجاعة هذا الشهيد الفذّ.
وكانت هذه المنطقة في عهد الاستعمار الفرنسي محرّمة على السكان المحليين، وكان عساكر المحتل إذا ما وجدوا أحد المدنيين بالمنطقة يرمونه أيضا داخل بئر الجنب.
وما زال المهتمون بالتاريخ يسعون إلى توثيق جميع المعلومات التاريخية التي لها صلة مع موقع بئر الجنب، من خلال زيارة أهالي المنطقة والمجاهدين وأبناء الشهداء الذين ما زالوا على قيد الحياة وجمع شهاداتهم الحيّة.