من ربوع بلادي

بحيرة أولاد حدو ببلدية مصدق… المشفى الطبيعي لمرضى الدوالي بالشلف

بحيرة أولاد حدو ببلدية مصدق… المشفى الطبيعي لمرضى الدوالي بالشلف

تحولت بحيرة أولاد حدو إلى فضاء لعلاج الدوالي وبعض الأمراض المستعصية، عن طريق دودة العلق التي باتت علاجا طبيعيا بديلا عن العلاج الكيميائي، حيث وجد الكثير من المصابين بالدوالي الراحة وربما الشفاء في المكان المسمى “قلمام ولاد حدو”، الذي تكثر فيه دودة العلق، حيث يغطس المصاب رجليه في البحيرة ليعلق به هذا النوع من الديدان المائل لونه إلى الرمادي الأسود ويقوم بامتصاص الدماء الفاسدة عن طريق الأنياب المجهرية في المقدمة والمؤخرة، ويستشعر المصاب حركتها على رجليه إلى أن تستقر على المكان المناسب لعملها.

أضحت بحيرة أولاد حدو ببلدية مصدق 65 كم شمال غرب ولاية الشلف، إحدى المشافي الطبيعية لعلاج مرض الدوالي وبديلا عن العلاج الكيميائي لكثير من المرضى الذين أكّدوا شفاءهم بمجرد زيارتهم لها (البحيرة) والتي تمزج بين رونق الطبيعة والخدمات الطبية التي تقدمها دودة العلق مجانا.

وتعتبر بحيرة “قلمام” – كما تسمى محليا – مكانا خصبا لتكاثر العلقات خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث تُعرف هذه الديدان بامتصاصها للدماء الفاسدة وكذا تمييزها للمرضى المصابين بالدوالي، إذ يروي أهل المنطقة أن العلقة تقوم بدورة استكشافية في المنطقة المصابة لتقوم بعدها بغرز أنيابها المجهرية إذا استشعرت مكان الإصابة.

وحسب ما لوحظ في عين المكان يقوم المصاب بغطس رجليه في البحيرة ليعلق به مجموعة من العلقات ذات اللون الرمادي التي يتراوح طولها ما بين 3 سم إلى 15 سم، وتقوم بعملية امتصاص الدماء الفاسدة لتسقط ذاتيا بعد الانتهاء مخلفة بعض الخدوش والجروح الطفيفة التي تلتئم بسرعة حسب شهادات المصابين.

ويتداول أهل هذه المنطقة اعتقادا ببركة مياه هذه البحيرة والمنطقة التي مرّ عليها عدد من الصالحين، في حين يقول الحاج الطيب إنه اعتاد التردد على بحيرة “قلمام” منذ زهاء العشر سنوات لعلاج مرض الدوالي، مشيرا إلى أن عملية شفط الدم الفاسد قد تمتد لساعة على الأكثر ليحصل في الأخير على تجديد لطاقته وتنظيف الأوعية الدموية.

بدورها أكدّت الحاجة عائشة من غليزان أن خوفها من العلاج بالعلقات لم يمنعها من تجربة العملية، واكتشاف بحيرة أولاد حدو التي ذاع صيتها عبر الولايات المجاورة لتقوم الآن بزيارتها دوريا خاصة بعد التحسّن الملحوظ في حالتها، داعية من يعاني من مرض الدوالي إلى تجربة العلاج بعلقة بحيرة “قلمام”.

 

دعوة لإنشاء مركز علاج طبيعي بمحاذاة البحيرة

وخلال زيارة “وأج” لبحيرة “قلمام”، أعرب بعض السكان المحليين عن أملهم في إنشاء مركز علاج طبيعي، ما يجعل منه فرصة لتوظيف أبناء المنطقة وكذا هيئة مختصة تهتم بتأطير عملية العلاج بالعلق وكذا مراقبة مياه البحيرة الراكدة والتي قد تصبح موطنا لأمراض أخرى.

وفي هذا الشأن، يرى السيد جيلالي أن البحيرة أصبحت قبلة عديد المواطنين نظرا لنسب الشفاء والعلاج المسجلة بشهادة المرضى أنفسهم، وهو ما يدعو المستثمرين والسلطات الولائية إلى استغلالها وفق مقاييس عالمية على شاكلة الدول الحديثة التي أصبحت تهتم بالطب الطبيعي.

وتشهد بحيرة أولاد حدو إقبالا معتبرا لمرضى الدوالي خصوصا مع نهاية الأسبوع في الفترة ما بين العاشرة صباحا إلى الثالثة مساء، وهي فترة ارتفاع الحرارة وتكاثر العلقات، في حين يتمتع البعض الآخر بجمال المكان ومناخه الرطب مقارنة بالمناطق الأخرى بولاية الشلف.

 

التداوي بالعلق حجامة طبيعية وطب بديل

ويعتبر التداوي بالعلق من الطرق الطبيعية التي أصبحت تعتمد عليها مراكز الطب البديل، فضلا عن تفضيلها من طرف المرضى بدل العلاج الكيميائي ومضاعفاته الجانبية، في حين يصف بعض المختصين هذه العملية بالحجامة الطبيعية، إذ تقوم كل علقة باستخراج ما مقداره 3 إلى 6 غرام من الدم الفاسد.

ورغم أن التداوي بهذه الطريقة يبقى ممنوعا على مرضى فقر الدم المزمن وداء السكري والنساء الحوامل والنساء خلال فترة الرضاعة، إلا أن العلاج بالعلق، حسب الأخصائي في أمراض الأوعية الدموية، شريف بونوة يساهم في توسيع الأوعية الدموية ومفيد لأمراض الجيوب الأنفية، فضلا عن علاج الدوالي وأمراض الروماتيزم وآلام المفاصل وعديد الأمراض الجلدية على غرار الصدفية.

ويضيف السيد بونوة أن الأبحاث والدراسات الطبية أثبتت أهمية الافرازات التي تتركها ديدان العلق على بشرة الانسان وداخل الأوعية الدموية، على غرار مركبات فاستلاتوري هيرديني الاستيل كولين وهي مواد مانعة لتجلط الدم ومجددة للخلايا ومضادة للالتهابات.

كما ينبغي على المريض الإلمام بشروط وظروف استعمال تقنية التداوي بالعلق، في حين يتداول بين أبناء المنطقة بعض الروايات الغريبة باعتبار أن هذه الدودة هي مباركة بحكم ذكرها في القرآن الكريم ولا تستسيغ دم الانسان العاق لوالديه، لذا “فطيبة قلب الانسان تبقى شرطا لتعلق الديدان بجسمه وعلاجه”، حسبهم.

 

إمكانيات طبيعية هامة تبحث عن استغلالها لخلق الثروة

هذا، وتعتبر بلدية مصدق التابعة لدائرة المرسى، والتي يحدها شمالا بلدية تلعصة، وجنوبا بلدية تاوقريت، وشرقا بلدية تاجنة وغربا بلدية المرسى من بين البلديات الناجحة تنمويا بولاية الشلف، حيث أنها تتربع على مساحة قدرها 86 كلم مربع، يبلغ عدد سكانها حسب إحصائيات سنة 2008 حوالي 6309 نسمة، منهم 3195 ذكورا و3114 إناثا متكونة من عدة مجمعات سكنية أهمها أولاد إبراهيم، أولاد أحمد والزنايتية.

كما تتميز بلدية مصدق بالطابع الفلاحي بشقيه الزراعة وتربية المواشي، وهذا نظرا لموقعها الجغرافي، فهي منطقة داخلية ريفية، إذ تمثل الأراضي الفلاحية بها نسبة 80 بالمائة من المساحة الإجمالية للبلدية، وهي أراضي خصبة صالحة لمعظم المنتوجات الفلاحية كالقمح بأنواعه والأشجار المثمرة كالزيتون والتفاح، بالإضافة إلى تربية المواشي والتي يمارسها بعض الفلاحين، وتعتبر البلدية قطبا هاما يقصده الموّالون لبيع وشراء الأغنام والماعز والأبقار.

 

ثروات طبيعية هامة تنتظر الاستغلال

كما تزخر بلدية مصدق بثروات طبيعية هامة، نذكر منها الثروات الغابية كالصنوبر، الفلين، الزيتون، الكاليتوس، العرعار، البستان، الديس، الدوم، الضّرو، التين الشوكي والفطريات، هذا الغطاء النباتي الثري من شأنه أن يساعد الحيوانات على التعايش والاستقرار في المنطقة.

ككل الأسر والعائلات الجزائرية، فإن أهالي بلدية مصدق يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة، والتي، بحسبهم، تحدد معالم هويتهم، ففي الزواج مثلا معظم العائلات بمصدق تتبع عرف سيدي معمر في تزويج بناتها، فالولي الصالح سيدي معمر أوصى بتزويج الفتاة بأقل مهر، وبحسب الروايات قال الولي الصالح “لولا الخوف من كلام الناس لزوجت بناتي “بزناق دوم” أي قبضة من النخل الذي كان يستعمل في تحضير الخبز التقليدي آنذاك، كما أنه – وبحسب نفس الرواية- دعا الله على كل من يخرج عن هذا العرف بحلول مصيبة على أهله، وهذا بهدف تسهيل الزواج على الشباب وتجنب العنوسة وليس تقليلا من شأن بناته، وهي سنة حسنة لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أوصى بعدم المبالغة في المهور.

إلى جانب هذا، فبلدية مصدق دأبت كل سنة على إقامة ولائم كبيرة خاصة بأولياء الله الصالحين الذين عاشوا بالمنطقة، وهو تقليد لا يمكن التخلي عنه لأنه من أقدس العادات والتقاليد التي تركها الأجداد، كتقاليد الأولياء الصالحين سيدي عبد الهادي، سيدي البارودي، سيدي بوقوفة وسيدي عيسى بن حفصة وغيرهم، أين يتم تحضير أطباق الكسكسي بلحوم الماشية التي ذبحت خصيصا لإحياء المناسبة، بالإضافة إلى تقديم عروض الفروسية.

أما في الأعياد الدينية كعاشوراء والمولد النبوي الشريف فيتم الاحتفال بها بحضور جميع أفراد الأسرة من أبناء وأحفاد في منزل الجدين، حيث تقوم النسوة بتحضير أطباق خاصة كالبركوكس، الشرشم والكسكسي، كما تقوم العائلات بختان أبنائها الصغار في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان تبركا بهذه الأيام المباركة والتي لها مكانتها في الدين الإسلامي.

ق. م