لم تعد مياه الأمطار تشكل هاجسا بالنسبة لسكان المباني الهشة فقط، بل أصبحت تمثل بالنسبة للقاطنين على ضفاف الوديان النائمة خطرا “قاتلا”. فذاكرة المواطنين لن تنسى حتما ما خلفته فيضانات باب الوادي من مئات القتلى والمشردين.
أعادت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها مؤخرا العديد من مناطق الوطن على غرار المسيلة والشلف وبني سليمان بولاية المدية، والتي خلفت خسائر في الأرواح والممتلكات، مخاوف من تكرار الفيضانات في ظل ما يعرف بـ “الوديان النائمة” التي سبّبها البناء العشوائي على ضفاف الوديان.
وكثيراً ما تحثّ السلطات المواطنين على عدم البناء قرب الأودية نظراً للأخطار المحدقة في حال حدوث فيضانات أو سيول جارفة. ويلزم القانون الجزائري 29-90 كل من يريد بناء منزل أو الاستفادة من رخصة بناء بأن يزود المصالح المحلية بمخطط البناء، ويفترض أن تكون الأرض مناسبة وبعيدة عن الوديان، إلا أن الكثير من المواطنين شيدوا سكنات على ضفاف الوديان غير آبهين بالمخاطر التي تهدد حياتهم.
في هذا السياق، يقول المهندس المعماري والعضو في جمعية تسيير وتهيئة المدن القديمة في قسنطينة عبد العالي سطمبولي إن “مواجهة هذه المخاطر تتطلب إعادة إعداد خريطة عمرانية وبيئية لمختلف المدن الجزائرية من دون استثناء”. ويتساءل عن غياب الأجهزة المحلية في البلد بوضع خريطة عمرانية وبيئية تعمل على تحديد الوديان النشطة وتلك النائمة أولاً، ومنع البناء قربها من دون توفير حماية كافية. ويشير إلى أنه “في ظل غياب هذه الأجهزة التي تتابع التوسع العمراني وتخطط لحماية المدن من الفيضانات، فإن مثل هذه الكوارث ستتكرر، وهو ما نردده منذ سنوات، وتحديداً منذ كارثة فيضانات باب الوادي في العاصمة الجزائرية قبل 18 سنة”، وتحديداً في نوفمبر عام 2001، التي خلفت أكثر من ألفي قتيل وعشرات العائلات المنكوبة.
ويقول مختصون إنّه من بين أسباب الفيضانات التي تتعرض لها المدن والبلديات الجزائرية بشكل مفاجئ على غرار ما حدث أخيراً في ولايتي المدية والمسيلة، عدم جاهزية السلطات المحلية والبلديات للقيام بعمليات التنظيف الضرورية للبالوعات وقنوات تصريف المياه، حيث يفترض أن تخضع البالوعات للمعاينة الدورية، لتهيئتها بما يسمح باستيعاب أكبر قدر ممكن من التساقطات، حيث تتجمع في الغالب الأوساخ وتسد البالوعات، الأمر الذي قد يتسبب في تجمع المياه في الطرقات والشوارع ويؤدي إلى الفيضانات.
من جهته، تحدث الخبير العمراني وليد رحماني عن ضرورة وضع آليات وخطط استباقية للوقاية من مخاطر مماثلة في لقاء خص به صحيفة “العربي الجديد” اللندنية، حيث قال إنّه “يتعين على الحكومة تفعيل مخطط النجدة للوقاية من الكوارث الطبيعية بوسائل علمية مع إجراء دراسة عمرانية لمختلف المدن الجزائرية، وخصوصاً تلك الأكثر عرضة للمخاطر، ووضع خطط استباقية للوقاية في حال حدوث فيضانات، كالحرص على عدم تجمع الأوساخ والمخلفات، وتنظيف المجاري والوديان”. يضيف أن “هذه الكوارث تخلّف الكثير من الضحايا أولاً والخسائر المادية ثانياً. وتعرضت خمس ولايات منذ بداية العام الجاري لفيضانات أدت إلى تدمير البنى التحتية”.
ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية، تراكمت في الجزائر فوضى العمران والبناء قرب الأودية، من دون أن تنجح السلطات في الحد من ذلك، بل إن بعض التقارير تشير إلى أن البلديات منحت بوسائل ملتوية رخص بناء للمواطنين، لإقامة منشآت على أراض وعقارات مسجلة في خانة “مناطق عالية الخطورة” لقربها من الوديان أو لإمكانية تعرضها لانجراف التربة، ما يفرض على الحكومة مراجعة عاجلة لمنظومة العمران وخرائط التوسع العمراني وإعادة تنظيم المدن والبلديات ووضع أجهزة أكثر صرامة في تطبيق القانون لتلافي حدوث كوارث طبيعية ككارثة بني سليمان بالمدية.
رفيق .أ/ الوكالات