انقضى أكثر من عقد من الزمن دون أن تتوّج جهود تجسيد مكتبة جوارية في كل بلدية على أرض الواقع بالعاصمة، فقد واجه البرنامج الحكومي الذي تم المباشرة فيه في 2006 جملة من العراقيل التي حالت دون
انجاحه، واصطدم التلاميذ بورشات مشاريع غير مكتملة إلى يومنا هذا أو غياب العناوين المطلوبة لتحسين التحصيل الدراسي خاصة بالنسبة لمترشحي البكالوريا، إضافة إلى نظام الدوام الذي لا يتماشى وأوقات فراغ التلاميذ، حيث برّر فيه أغلب رؤساء البلديات هذا الخلل بنقص العقار.
روبورتاج: إسراء. أ
يراوح برنامج مكتبة في كل بلدية بالعاصمة مكانه للسنة الـ 11 على التوالي، دون أن تخضع المجالس البلدية لعهدتين متتاليتين لأي مساءلة في هذا الإطار، باعتبار أن المشروع على أهميته لم ينل حقه من الاهتمام وبقي مطلبا هامشيا بالكاد يتجاوز دائرة الطلبة ومترشحي البكالوريا ممن تأثروا لغياب مثل هذه الفضاءات المعرفية على تحصيلهم العلمي وأدائهم المعرفي بالنظر إلى متطلبات المرحلة التي هم فيها مقارنة بغيرهم من الطلبة في مختلف أرجاء العالم واستمرار الهوة الفارقة في الاتساع موسما بعد موسم، ورغم أن المشروع خصصت له مبالغ طائلة على أمل خلق نخبة مثقفة خارج إطار المؤسسات التربوية تمكن جميع الفئات والشرائح من الغوص في مزاياها، فقد عرف فشلا ذريعا بين غياب تام لهذه المكتبات أو عدم توافق مواعيد دوامها وأوقات تمدرس التلاميذ أو غياب المادة الأساسية التي يبحث عنها الطلبة والباحثون وأمور أخرى كعدم اتمام انجازها وغيرها.
أموال ضُخّت لأجل هياكل دون روح
حرصت مصالح ولاية العاصمة على ضخ أموال معتبرة لضمان نجاح برنامج مكتبة في كل بلدية أتبعته بسلسلة تعليمات تتوافق والمشروع الذي يرمي إلى توفير ظروف ملائمة للمطالعة مدعمة بالمادة الأساسية لذلك، وهي الكتب، مع تعزيزها بالعناوين الثرية التي تمكن المترشحين لاجتياز شهادة البكالوريا من العثور على ضالتهم، ومعهم عشاق المطالعة وطلبة الجامعات وتعويد المجتمع شيئا فشيئا على الاقبال على مثل هذه الفضاءات كمساحات ترفيه راقية ومفيدة، لكنه وبعد أزيد من عشر سنوات ظهر جليا أن بلديات مثل الدرارية وبرج البحري والعاشور وغيرها لم تنجز فيها مكتبات وبلديات أخرى تتجاوز الـ 30 بلدية، مرافقها الثقافية لا ترقى إلى مستوى تطلعات القائمين على البرنامج الذي صرفت عليه أموال طائلة، فهي عاجزة عن مجرد تأمين الكتب المطلوبة، بحيث لا يستثنى من هذا الواقع المرير إلا عدد من المكتبات التي لا تتجاوز الأربعة على غرار عين طاية وبوزريعة التي استطاعت أن توفر بمكتبتها 100 مقعد، وهو ما مكّن فئة الطلبة ومحبي القراءة والمطالعة من استغلال هذا المرفق الذي يتوفر على كل المعايير اللازمة باعتبارها مجهزة بكل التقنيات وكذا الكتب الشاملة، كما أن مساحتها يمكن أن تتسع لمئات الطلبة شأنها في ذلك شأن مكتبة عين طاية التي وصفت بكونها نموذجية بفضل جودة تسييرها مع التحكّم المنظم لمختلف مهامها.
مكتبة إلكترونية في مهب الريح
بقي مشروع “بلديات إلكترونية” الواعد حبرا على ورق بعدما تغنى الكثيرون به كحلم بدا وكأنه قريب التحقق قبل أن يصطدم الجميع بحقيقة أن البلديات لم تستطع حتى التخلص من معضلة العقار التي حولت إلى شماعة لتعليق العجز، بحيث أضحى يسيرا على الأميار تبرير عدم انجاز المشاريع التنموية المطلوبة منهم بغياب العقار، محمّلين السكان المسؤولية كونهم لا يتبرعون بأراضيهم لصالح المنفعة العامة، معتبرين أن هذا المشروع الكبير لا يمكن أن يتحقق في ظل الظروف الراهنة، أما تلك التي تجاوزت مشكلة العقار فهي غارقة في معضلات أخرى جعلتها تستسلم إلى ما هو متوفر ممثلا في مجرد كتب بسيطة، ثانوية وقديمة لا تواكب لا التطورات الحديثة ولا حتى تستجيب لاحتياجات المتمدرسين الذين طعنوا في جدواها بحكم أنهم لا يعثرون بها على ضالتهم، أما الباحثون فقد طلقوها بالثلاث لكونها أبسط من أن يعثر بها على المراجع، فبالإضافة إلى عدم تهيئتها وتوفيرها للظروف المعمول بها للمطالعة والبحث المطلوبين، فهي لا تحوي كل المراجع الأساسية التي يحتاجها الطلاب في العملية التعليمية، كما أنها تفتقر لوجود الحواسيب الآلية وتنعدم بها شبكة الأنترنت، وكل الوسائط – التي أضحت مسلمات بالنسبة للجيل الحالي المواكب لثورة الاتصالات – غير متوفرة، ولا يزال الموجود في هذه المكتبات يعكس حقبة زمنية كان فيها الكتاب الورقي هو المرجع الوحيد للباحثين، ومع مرور الوقت يزداد عزوف التلاميذ عنها كونها هياكل تؤرخ لعلم قد تجاوزه الزمن.
نقص العقار، أشغال الترميم والاكتظاظ كابوس التلاميذ
اجتمعت جملة من العوامل التي حالت دون تمكن التلاميذ من الاستفادة من مكتبات البلدية على مساوئها الكثيرة، معبرين عن استيائهم لهذه الوضعية المزرية التي آلت إليها معظم المكتبات، مؤكدين أن هذه النقائص تقلل من مستوى تحصيلهم الدراسي، وطالبوا السلطات المحلية والولائية بضرورة تغطية هذا العجز على اعتبار أن المكتبة بالنسبة لهم تعتبر من ضروريات التعليم، وأشاروا في ذلك إلى العوائق التي تحول دون امكانية استفادتهم من هذه المرافق على غرار الاكتظاظ الذي يحرمهم في عدد من البلديات من ولوج المكتبات على غرار ما يقع على مستوى بلدية دار البيضاء التي لا تكفي مكتبتها لاستيعاب العدد الكبير من التلاميذ والطلبة المتوافدين إليها خاصة في فترة الامتحانات، حيث يواجهون مشكل الاكتظاظ، إضافة إلى عدم توفر الموظفين المختصين في مجال علم المكتبات والأرشيف، كما اشتكوا من التصدعات الناتجة عن العوامل الطبيعية في عدد من المكتبات الأخرى، خاصة تلك التي لم تستفد من عمليات الترميم وهو ما يجعل حياة التلاميذ محفوفة بالمخاطر، منددين باضطرار بعض رؤساء البلديات إلى غلق مكتبات بسبب أشغال الترميم ما أثار حفيظتهم لكونهم بحاجة إليها في تحصيلهم الدراسي، حيث أكدوا أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوى والنداءات للسلطات المحلية لمطالبتها بإيجاد حلول عاجلة لهم من تخصيص عمال ذوي كفاءة وخبرة في مجال الترميم، وإيجاد العقار الذي حال فعلا دون انجاز الكثير منها.