يسعى القائمون على ولاية الجزائر إلى استعادة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياحية، ومحو ما بقي من ملامح أزمة العشرية السوداء التي تسببت في جعل العاصمة الجزائرية تنام ليلا والمحلات تغلق قبل غروب
الشمس، الأمر الذي جعل زوار البهجة يغادرون شوارعها الكبرى على غرار ساحة أول ماي، ساحة الشهداء، شارع ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي وغيرها قبل غروب الشمس رغم توفر وسائل النقل الحديثة من شبكة الترامواي والميترو وتمديد شركة “إيتوزا” لساعات عملها إلى غاية الساعة الحادية عشر والنصف ليلا.
في مقهى الداربي، قبالة البريد المركزي في قلب العاصمة، اعتادت مجموعة من الصحافيين والمثقفين على اللقاء كل مساء. شيئاً فشيئاً، باتت لقاءاتهم تستمر لفترة أطول، في وقت يستمر صاحب المقهى ومقاه أخرى في تقديم خدماتهم للزبائن حتى فترة ما بعد الغروب. ويبدو ذلك قليلاً بالمقارنة مع حجم وطبيعة مدينة حيوية كالعاصمة، إلا أنها جيدة إذا ما قورنت بالفترة السابقة التي كانت فيها العاصمة تنام باكراً.
على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ظلّت العاصمة، مثل المدن والبلديات الأخرى، تستسلم للنوم باكراً، غير أن العشرية السوداء التي مرت بها البلد، منذ بداية التسعينيات، فرضت تغيراً كبيراً في نمط حياة سكان العاصمة وزوارها.
هذا الوضع أدى إلى انتقال الحياة من وسط العاصمة إلى مناطق محددة من الأحياء شبه الراقية، تحوّلت إلى غيتوهات مغلقة بعد الغروب. لكن خلال السنوات الأخيرة، تحاول العاصمة تغيير هذا الواقع، من خلال انتعاش المقاهي وسط العاصمة. ومع توافد الزبائن، مساء، تضطر المقاهي إلى الاستمرار في تقديم خدماتها. كما ساهم تجار التحف والصناعات التقليديّة في الشارع الرئيسي ديدوش مراد وقرب ساحة أودان وسط العاصمة، في إضفاء مشهد جميل يوحي برغبة جامحة وطموحة لإعادة الحياة إلى المدينة ليلاً، في ظل وجود عناصر الأمن.
في عام 2007، حاولت السلطات، بالتزامن مع مهرجان الجزائر عاصمة الثقافة العربية، فرض نظام يلزم التجار وأصحاب المحال والمقاهي والمطاعم بالاستمرار في العمل وتقديم الخدمات حتى وقت متأخر، لكن ذلك لم يساهم في إحياء ليالي المدينة بسبب قلة عدد الزبائن الذين كانوا يضطرون إلى مغادرة المدينة باكراً بسبب قلة وسائل المواصلات.
ويقول صاحب مقهى في شارع ديدوش مراد، “محمد. ن”: “في تلك الفترة، حاولوا أن يفرضوا علينا العمل حتى منتصف الليل. لكن ليس لهكذا قرارات أية فعالية، لأن إبقاء مقهى مفتوحا لساعات إضافية يفرض عليّ توظيف فريق عمل ليلي، وكلفة إضافية، مقابل عدد قليل من الزبائن”.
كما قال إن مترو الأنفاق الذي يربط وسط العاصمة حتى بلدية الحراش، والترامواي الذي يصل بين منطقة رويسو وباب الزوار ودرقانة، ساهما في تشجيع المواطنين والعائلات على البقاء وسط العاصمة مساء. وتحاول مجموعة من المقاهي على مقربة من البريد المركزي وشارع العربي بن مهيدي وساحة أودان وساحة الكيتاني ومقاهي ساحة بورسعيد أن تؤدّي دوراً إيجابياً، ولو قليلاً.
وأوضح الباحث في علم الاجتماع محمد راجعي لموقع “العربي الجديد” أن “توفر وسائل النقل أمر مهم في أي مدينة. حين لا تتوفر المواصلات، تختفي الحياة التجارية والثقافية والسياحية في المدينة”، مضيفاً أن “المسألة لا تتعلق بقرار إداري، بل بعادات تكرّس كثقافة في المدينة، كتوفير الخدمات التجارية للزبائن، والجو الثقافي كالسينما والمسارح والحفلات والندوات، وفضاءات عامة للراحة تشجع العائلات والشباب على السهر”.
ويأمل رئيس بلدية الجزائر الوسطى ، عبد الحكيم بطاش، في أن تساهم بعض الأنشطة الثقافية والسينمائية التي تقام بين الحين والآخر وسط العاصمة، في إبقاء المدينة حيّة ليلاً، خصوصاً خلال فصل الصيف وشهر رمضان. جدير بالذكر أن العاصمة تتقدم ببطء نحو استعادة الحياة في الجزء الأول من الليل، على الرغم من استمرار بعض العوامل التي تعيق ذلك.