بهدف إعادة إحياء هذا النوع من الصناعات… استحداث ورشات للفرش والمكانس للمكفوفين

بهدف إعادة إحياء هذا النوع من الصناعات… استحداث ورشات للفرش والمكانس للمكفوفين

 أزيد من 120 ألف ضرير يتقاسمون صعوبة الحياة

بادر الاتحاد الولائي للمكفوفين بوهران، باستحداث ورشة للتكوين وصناعة الفرش والمكانس مؤخرا، بهدف إعادة إحياء هذا النوع من الصناعات الخاصة بهذه الفئة، ودمجها في عالم الشغل، حسب ما علم من هذه المنظمة، ودخلت هذه الورشة التي تسمى “وميض المكفوفين” حيز الخدمة في فيفري الماضي، بتشغيل 20 عاملا مكفوفا تتراوح أعمارهم بين 18 و45 سنة، بعد أن تم تكوينهم في إطار برنامج دعم الشباب (باج).

يعد برنامج “باج” ثمرة تعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، حسب ما أبرزه رئيس هذا الاتحاد الولائي للمكفوفين، لافتا إلى أن الورشة تطمح في المستقبل القريب إلى الوصول لتوظيف 120 مكفوفا.

رغم أن البداية كانت صعبة، غير أن هذه الورشة استطاعت تحقيق نتائج إيجابية، بحيث أنها تنتج يوميا 300 وحدة من الفرش والمكانس، فضلا عن 7.500 وحدة من علقات الملابس، كما أضاف محمد لحوالي، مبرزا “أننا نعمل على الرفع من الانتاج، من خلال تحفيز العمال، أي كلما كان هناك إنتاج أكثر، كان أجره مرتفعا لاجتناب أي إجحاف في حق العمال وخلق التنافس فيما بينهم”.

من جهة أخرى، تقوم ورشة “وميض المكفوفين” التي تنشط على مستوى “حي المنور” ـ سان شارل سابقا ـ بتصنيع المادة الأولية المتمثلة في الهيكل الخارجي لمنتجات الفرش والمكانس وعلقات الملابس، مما يجعل المنتوج أكثر جودة يضاهي تلك الاصطناعية، زيادة على تخفيض تكلفة اقتناء المادة الأولية، عكس ما كان معمولا به في الوحدة السابقة “اينابروس” للفرش والمكانس، وفق نفس المصدر.

في مجال التسويق، تعتمد الورشة المذكورة التي تشغل أيضا بعض العمال المكفوفين السابقين لمؤسسة الإدماج الاجتماعي والمهني للأشخاص المعوقين “ابيح”، التي تم حلها في 2011 على التسويق الجواري لتصريف بضاعتها، أي بيع منتوج إلى غاية المنازل أو المحلات التجارية والترويج له عبر المعارض المنتظمة مؤخرا بوهران، من طرف غرفة الصناعة التقليدية ومؤسسة التظاهرات الاقتصادية والتجارية لوهران، كما أشار إليه السيد لحوالي.

كما شرع الاتحاد الولائي للمكفوفين في إجراءات تحويل ورشة “وميض المكفوفين” إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، في إطار شراكة مع شريك خاص من فئة المكفوفين، حسب ما أعلن عنه رئيس هذا الاتحاد، لافتا في السياق “إننا نأمل في أن يرى هذا المشروع النور، بحيث أن قانون الجمعيات الحالي لا يسمح للجمعيات ذات الطابع الاجتماعي بأن تكون خلاقة لمناصب العمل”.

 

أرقام غير دقيقة وعراقيل يومية

وإذا تكلمنا عن المكفوف في الجزائر فإننا نتكلم عن غياب الإنجازات بصفة عامة، الدّلالات والمعاني التي تحملها كلمة (مكفوف) أو ضرير لا ترقى في الواقع إلى تكفل نوعي من حيث القوانين والحقوق وحجم المشاركة والحضور وكذا الارتقاء بجوانب الحياة الكريمة لهذه الشريحة، وعلى الرغم من الجدل والشكوك التي تطعن من حين إلى آخر بين الجمعية الوطنية للمكفوفين وبعض الناشطين الجمعويين أو غير المنخرطين فيّ أيّ تنظيم قد يبدو عدم انسجام أو توافق وصل إلى حدّ تقديم أرقام غير دقيقة عن المكفوفين في الجزائر.

هذا الرقم الذي قد ينكمش أو يتسع بحسب الجهات، ويقول السيد عبد الرّحمان سعيد إنه يناهز الـ 120 ألف مكفوف وطنيا، ينتشرون عبر كامل الفروع التابعة للمنظمة والبالغة 48 فرعًا.

ورغم التقصير فإنه يمكن القول إن هناك اتجاها لقراءة من نوع خاص لواقع المكفوف من قبل السلطات أيضا بحكم احتكاكها الدائم بالشرائح المهمّشة والهشة والتي توفر لها إعانة شهرية في شكل مبلغ رمزي يقدّر بـ 3000 دج لا يعكس أو يلبي خصوصية الإعاقة في ظلّ غياب اتفاقية اجتماعية شاملة متعلقة بهذه الشرائح بمن فيها المكفوفون.

وأمام هذا الواقع المحبط لا يمكن الكلام عن مساواة ولا إنجازات اجتماعية حسب قول سعيد عبد الرحمان نائب رئيس الجمعية الجزائرية للمكفوفين، لأن ابن الشهيد أو أرملة الشهيد لهما امتيازات وبرامج وحظوظ، بينما المكفوف لا تجده في قوائم السكن الاجتماعي بل في قوائم المعوزين والمتسوّلين التي لا تجد الإدارة حرجًا في الحديث عنها من باب الإساءة إلى الضرير دون قصد أو من باب الحصيلة السّنوية لنشاط وزارة التضامن والأسرة!

 

بطالة مستديمة وحقوق مهضومة

تحصي الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية 2007، 62 ألف مكفوفا فضلاً عن 165 ألف بصرهم ضعيف، هذه الأرقام تفيد أنّ وضع الصحة العامة في الجزائر مستقر نسبيًا إذا اعتبرنا أن عدد المعاقين في الجزائر يتجاوز المليونين حسب بعض الجهات الجمعوية، لكن موقف وزارة التضامن والأسرة يعتبر المكفوف ضمن شريحة الأمراض المزمنة ويؤمن له منحة هزيلة وبطاقة للتكفل بالعلاج 100 %.

هذه الرؤية لا تعطي المكفوف خيارات ولا توفر له الحقوق ويطالب المعتصمون باحترام رغبة المكفوف في الحصول على وثائق تثبت وضعيته كمعاق! مع الحفاظ على منحة 3000 دج سواءً في حال البطالة أو حال توظيفهم بعقود ما قبل التشغيل كما هو معمول به في أغلب الإدارات التي تحاول أن توهم ربما الرّأي العام الوطني بأنها تسعى لإتمام مراسيم التشغيل وفق قانون 02 09 التي تضمن عملاً قارًا للكفيف، مدة عشر سنوات والمرسوم ما يزال في أجندة الإدارة، من جهة أخرى تم تصفية الوحدات الصغيرة التابعة لمؤسسة الفرش والمكانس وغلقت وحداتها الـ 31، لتفرض على 2500 عامل البطالة الحتمية وتبقى عقودها قبل التشغيل أيضا نوعًا من البطالة المقنّعة يقول نائب رئيس الجمعية الوطنية للمكفوفين، ويمثل واقع الإعاقة البصرية في الجزائرية بالنسبة المئوية (2.6 % لكلّ 1000 نسمة( إحصاء 2006، وهو رقم معتبر إلاّ أنه يثير التذمر بين المكفوفين أنفسهم إذا اعتبرنا أن الجزائر يمكن أن توفر القرنية لضعاف البصر حتى لا يلتحقون بقوافل المكفوفين، إذ يشهد كل سنة مستشفى مصطفى باشا 220 حالة وفاة يمكن أن تزوّد هذه العينات بعد الموافقة القانونية وإذن الهالك تزوّد بنك العيون بدل من استيرادها من الولايات المتحدة الأمريكية أو من بلدان أوروبية أو غيرها تفرض علينا إرهاق الخزينة العمومية وانتظار المكفوف لمتبرع قد لا يظهر.

الوزارة إذن تطالب المكفوف بالتقدم إلى المسابقات والشغل كحق دستوري (مواطن كامل الحقوق) لكن ظلم الإدارة يواجهه بتأشيرة السلامة الجسدية وسياسة الكيل بمكيالين لماذا لا يكون للمكفوف أسبوع بدل يوم أو يومين، هل يمكن أن تنقل التجربة الكندية والتي تعدّ من التجارب القليلة والرائدة من حيث إثارتها الوعي الاجتماعي العام حول الإعاقة البصرية ومتطلباتها.

 

وللمتعلمين نصيبهم من المعاناة

تعاني الفئة المثقفة من المكفوفين من تهميش، فبعد أن حرموا من نور الإبصار يواجهون قدرًا غامضا ومفارقات الحياة رغم أنهم عصاميون وكادحون لنيل العلا! مشكلة البراي وتوفير الكتاب المدرسي المخصّص لهذه الفئة وتشمل زيادة على 17 مدرسة خاصة بالمكفوفين المعاهد والجامعات والأطوار التعليمية الأخرى، ويشتكي المكفوف حسب السيد سعيد من قدم الوثائق وغياب التخصص عنها والمتوفر مجرّد ثقافة عامة تجود بها من حين إلى آخر.

ومع محاولة المدرسة النموذجية للشبان المكفوفين بدرارية التغطية على معاناة المكفوفين بطاقم بيداغوجي رفيع ومناهج استثنائية وورشات فيها من التعليم والترفيه والتكامل النفسي و البيداغوجي والمادي، الشيء الذي تفتقر إليه المراكز والمنشآت المنتشرة عبر التراب الوطني الذي تشكل الإعاقة هاجس المكفوف، رغم تطمينات مديرة المدرسة النموذجية للمكفوفين بدرارية، وتقول إن طلاب المدرسة تفوّقوا بعد 40 سنة من وجودها كان ذلك نتيجة إرادة طلابها الـ 200.

وتتحدّد الصعوبة أو المعاناة ليس فقط في إجراء التجارب والملاحظة بالنسبة للمواد العلمية لذلك يتطلب من صغار المكفوفين القدرة على التكيف وتوظيف كلّ قدراتهم على التخيّل والانتباه الحسّي، وتنمية حاسة اللمس باكرًا للتعرف على جسم الإنسان مثلا والكائنات الأخرى وصولاً إلى قراءة البراي، ورغم أن الإشراف من طرف المختصين يتطلب تفاعلاً (فعل ورد فعل) من طرف صغار المكفوفين وفي أحايين كثيرة عندما تكون الوسائل غير متاحة بالشكل الكافي يلجأ القائمون إلى إيداع وسائل لتقريب الفهم وتحسين الاستعاب، فالإعاقة حسب محمد إسلام شلالة (إبداع وطاقة) ولا مجال للمزايدة أن تكون في هذه المدرسة نخبة من ذوي الإرادة الفولاذية.

ل. ب