ما زال محمد معوش، عضو فريق جبهة التحرير الوطني، يحتفظ بذاكرة قوية تسمح له بالحديث عن تفاصيل الملحمة الرياضية التي أنجزها زملاؤه أيام الثورة التحريرية، حيث اتصلت به “الموعد اليومي” وطرحت عليه أسئلة تخص قضية هروب اللاعبين الجزائريين من فرنسا سنة 1958 والتحاقهم بتونس.
* مرت 58 سنة على مغامرتكم الخالدة، ماذا تقولون عندما تعود بكم الذاكرة إلى الوراء؟
** أشعر بكثير من الافتخار لأننا أدينا الواجب الوطني مثلما فعله الشعب الجزائري، بل نحن مستعدون للقيام بتضحية أخرى من أجل الوطن.
* ما هي أصعب مراحل عاشها أعضاء فريق جبهة التحرير الوطني؟
** الصعوبات التي عشناها لا تضاهي الآلام التي كان يمر بها الشعب الجزائري في الفترة الاستعمارية. كان الجميع في مواجهة عدو ظاهر وتنوعت وسائل الكفاح في تحقيق الانتصار.
* كيف كانت ظروف هروب زملائك من فرنسا للالتحاق بتونس؟
** هروب المجموعة الأولى من اللاعبين كان نوعا ما سهلا لأن الشرطة الفرنسية لم تكن في البداية تعرف أي شيء عن نوايا اللاعبين المحترفين الجزائريين، لكن الأمور تعقدت بعد أن تناول الإعلام الفرنسي القضية لأن المحترفين الجزائريين كانوا من أبرز اللاعبين في الأندية الفرنسية، وأن غيابهم كان يشكل لا محالة تساؤل الجمهور الرياضي الفرنسي، حيث بدأت الشرطة الفرنسية تراقب تحركاتنا وكان لا بد علينا من تحضير الهربة الموالية في سرية تامة. بالنسبة لي، وقعت في قبضة الأمن الفرنسي بسبب سوء تفاهم غير مقصود وقع بيني وبين مجموعة من اللاعبين، حيث أن أمورا قاهرة جعلت زملائي يتأخرون عن الالتحاق بي بمحطة لوزان بسويسرا
وكنت أجهل مصيرهم ولم يكن بوسعي التوجه إلى إيطاليا دونهم، حيث قضيت الليلة بعين المكان وعدت أدراجي في الصباح إلى فرنسا من أجل الإستفسار عما لحق بزملائي، فتم القبض علي بعد أن صدرت صورتي في صفحات الجرائد. وضعيتي تعقدت لأني كنت في مرحلة تأدية الخدمة العسكرية وكنت مهددا بالمثول أمام المحكمة العسكرية، قضيت بعض الوقت في السجن وخرجت منه بعد تدخل حازم من مسيري نادي رانس الذي كنت ألعب لصالحه، شعرت بكثير من الحزن حتى أنني مرضت بسبب فشل التحاقي بتونس، وخشيت بشكل خاص من أن يفكر زملائي أنني تعمدت العودة إلى فرنسا، لكني لم أتلق أي لوم فيما بعد. واشتدت المراقبة علي، لكن تلقيت في 1959 اتصالا من المحامي الجزائري بن عبد الله الذي أمرني بإعادة الإتصال بمجموعة من اللاعبين للإلتحاق بتونس وكانت زوجتي تعمل لدى ذات المحامي ومناضلة في جبهة التحرير الوطني، حيث قمنا الاثنين بالاتصال مع اللاعبين الذين شكلوا آخر فوج التحق بتونس في 2 نوفمير 1960 وكان عددهم: الإخوة بوشاش حسين والشريف، عمارة السعيد، بوريشة واليكان والمتحدث، مع العلم أنني اتصلت قبل إقلاعنا نحو تونس بكل من اللاعبين المحترفين جبايلي وماحي والمدرب قادر فيرود. بعد شهور من وصولنا إلى تونس، سجل فريق جبهة التحرير الوطني تدعيما آخرا من اللاعبين ستاتي وإبرير وحداد وشابري الذي هرب من السجن الذي كان يقبع فيه بالجزائر.
* على ذكر ستاتي، لم يظهر له أي أثر منذ الاستقلال؟
** ستاتي يعيش حاليا بالمغرب، فهو من أب جزائري وأم مغربية وانقطع معه الاتصال منذ عدة سنوات. حاولت الإتصال به لما انتقلت إلى المغرب في الثمانينيات لكنه لم يأت إلى الموعد الذي ضربته له.. أتذكر أن ستاتي كان انسانا مهذبا وذا أخلاق كبيرة انصهر ضمن فريق جبهة التحرير الوطني بسهولة تامة. بعد الاستقلال أصبح مدربا
وقاد المنتخب الوطني المغربي في الستينيات.
* لنرجع إلى الوراء، كيف جاءت فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني؟
** البعض يعتقد أن فيدرالية فرنسا هي التي كانت وراء هذه الفكرة، بينما الحقيقة أن المرحوم بومزراق هو من تبلورت لديه الفكرة بعد رجوعه من مهرجان الرياضة العالمي الذي أقيم في فارسوفيا سنة 1957 وجسدها في الميدان. بومزراق لعب دورا أساسيا في الإتصال باللاعبين المحترفين وكذا في تنظيم التحاقهم بتونس فضلا عن أنه كان المدرب الأول للفريق.
* لنتحدث عن وضعيتكم الحالية. لاعبو فريق جبهة التحرير لم يعد لهم وجود في الميدان. فما هو السبب؟
** كما تعرفون، لقد تقدمنا كثيرا في السن ولم يعد بمقدورنا النزول إلى الميدان من أجل العمل في الجانب الفني، وأكثر من ذلك تفادينا التدخل في شؤون الكرة الجزائرية التي خدمناها لسنوات طويلة وساهمنا بقسط كبير في تطويرها.
* وما هي أحوال لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني اليوم؟
** نحن بخير والحمد لله ونشكر الدولة التي لم تتخل عنا.
* لا شك أنكم تتحسرون لما آل إليه مستوى هذه اللعبة في الجزائر..؟
** لا أريد العودة إلى الأسباب التي أدت إلى تراجع مستواها لأن الجميع يعرفها. لكن حان الوقت للنهوض بها وأظن أن الدولة تعمل جاهدة في هذا المجال وبينته بشكل واضح، حيث دعمت الفريق الوطني بكل الوسائل الضرورية وتمكن من بلوغ ثمن نهائي المونديال الأخير.
* كيف ترى المستقبل؟
** لابد على الفاعلين في الأسرة الكروية أن يجلسوا على طاولة واحدة من أجل تقييم وضعية الرياضة الشعبية بموضوعية بعيدا عن الذاتية بحثا عن الحلول التي بإمكانها أن تعيد كرتنا إلى السكة السليمة.