-
الجزائر تتفوق على الولايات المتحدة وروسيا وتتصدر قائمة أكبر مصدّري الغاز إلى إسبانيا
تعَد الجزائر شريكا طاقويا موثوقا لأوروبا، بفضل بنيتها التحتية المتطورة واتفاقيات الإمداد طويلة الأجل.
وفي النصف الأول من عام 2025، عززت الجزائر هذا الموقع بتصدرها قائمة أكبر موردي الغاز إلى إسبانيا، مسجلةً حصة بلغت 32.5% من إجمالي الواردات الإسبانية، متفوقة على الولايات المتحدة وروسيا. يأتي ذلك في وقت شهدت فيه إسبانيا ارتفاعا في وارداتها من الغاز بنسبة 6.7% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، وفق بيانات حصرية.
ظلت الجزائر لسنوات حجر الزاوية في أمن الطاقة الأوروبي، بفضل بنيتها التحتية المتطورة واتفاقيات الإمداد المستقرة. فمن خلال خطوط الأنابيب الرئيسية مثل ميدغاز، الذي يربطها بإسبانيا عبر المغرب، بالإضافة إلى منشآت التسييل في أرزيو وسكيكدة، تمكنت من تعزيز مكانتها كمورد استراتيجي. وتعتمد إسبانيا بشكل كبير على الغاز الجزائري، حيث تمثل الجزائر المصدر الأول لها منذ عقود، مدعومة باتفاقيات طويلة الأجل مثل العقد الموقع مع سوناطراك وإيناغاز الإسبانية. هذه الشراكات ساهمت في استقرار الأسواق الأوروبية، خاصة في ظل التقلبات الجيوسياسية التي شهدتها القارة في السنوات الأخيرة. وتمتد أهمية الجزائر من الكميات المصدرة إلى موثوقية الإمدادات. فخلال النصف الأول من 2025، وفرت الجزائر 61.57 تيراواط/ساعة من الغاز لإسبانيا، منها 52.67 تيراواط/ساعة عبر الأنابيب و8.9 تيراواط/ساعة مسالا، مما يؤكد مرونتها في تلبية الطلب بطرق متعددة. كما عززت الجزائر التزامها بالمعايير البيئية، عبر استثماراتها في تقنيات تقليل الانبعاثات المصاحبة لإنتاج الغاز، وهو ما يجعلها شريكا جذابا للدول الأوروبية الساعية لتحقيق أهداف الحياد الكربوني. ويأتي هذا الأداء القوي في وقت تسعى فيه أوروبا لتنويع مصادر طاقتها، مما يبرز دور الجزائر كبديل موثوق للغاز الروسي، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية. هذه العوامل مجتمعة تجعل الجزائر لاعبا لا غنى عنه في المشهد الطاقوي الأوروبي، وهو ما تجلى بوضوح في تصدرها لقائمة الموردين لإسبانيا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025.
بالأرقام: تفوق الجزائر على الولايات المتحدة وروسيا
حققت الجزائر نصرا استراتيجيا في سوق الطاقة الأوروبية خلال النصف الأول من عام 2025، حيث تصدرت قائمة موردي الغاز إلى إسبانيا بحصة بلغت 32.5%، متجاوزة بذلك العملاقين الأمريكي والروسي. وتفصيلا، سجلت صادرات الجزائر 61.57 تيراواط/ساعة، مقارنة بـ59.25 تيراواط/ساعة للولايات المتحدة (31.2%) و26.21 تيراواط/ساعة لروسيا (13.8%)، وفق بيانات “إيناغازّ. ويُعد هذا التفوق الجزائري استمرارا لأدائها القوي في السنوات الأخيرة، وإن كان بنسب أقل. ففي الفترة ذاتها من عام 2024، سيطرت الجزائر على 37.3% من السوق الإسباني، بينما تراجعت حصتها في 2025 بسبب زيادة المنافسة الأمريكية. ومع ذلك، حافظت على الصدارة بفضل مرونتها في موازنة إمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب والمسال. أما الولايات المتحدة، فقد شهدت طفرة غير مسبوقة في صادرات الغاز المسال إلى إسبانيا، حيث قفزت حصتها من 18.6% في 2023 إلى 31.2% في 2025. ويعود هذا النمو إلى زيادة القدرات التصديرية الأمريكية وتوجه أوروبا لتعويض النقص الروسي. لكنها لم تتمكن من تجاوز الجزائر بسبب اعتمادها الكبير على الشحنات المسالة، التي تتأثر بتقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، واصلت روسيا تراجعها الحاد في السوق الإسبانية، حيث انخفضت حصتها من 23% في 2023 إلى 13.8% في 2025. وجاء كل إمدادها في شكل غاز مسال، بعد توقف خطوط الأنابيب التقليدية بسبب العقوبات الأوروبية. وتبقى المفارقة الأبرز أن الجزائر، رغم تراجع حصتها قليلا، تمكنت من الصمود أمام المنافسة الأمريكية الشرسة والاضطرابات الروسية، مما يؤكد قوة بنيتها التحتية وثقة الشركاء الأوروبيين في إمداداتها. هذه الأرقام تعكس تحولات في خريطة الطاقة العالمية، وتبرز أيضا كيف تحولت الجزائر إلى “شريك لا يمكن الاستغناء عنه” لأوروبا في مجال الغاز.
العمود الفقري لإمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب
وفي خضم التنافس العالمي على إمدادات الطاقة، تكشف بيانات النصف الأول من 2025 عن تحول جوهري في هيكل واردات إسبانيا من الغاز. فبينما اعتمدت البلاد بشكل رئيسي على خطوط الأنابيب في السنوات السابقة، ارتفعت نسبة الغاز المسال إلى 68.8% من إجمالي الواردات، مقابل 31.2% للغاز الطبيعي عبر الأنابيب. وتمثل الجزائر العمود الفقري لإمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، حيث وفرت 52.67 تيراواط/ساعة من أصل 59.23 تيراواط/ساعة (89%) من إجمالي هذا النوع من الواردات. هذا الاتجاه يعكس استمرار أهمية البنية التحتية الثابتة للغاز رغم التوجه العالمي المتزايد نحو الغاز المسال. من ناحية أخرى، سيطرت الولايات المتحدة على سوق الغاز المسال بحصة 53% من إجمالي الواردات المسالة، تليها روسيا بنسبة 20%. وتبرز هنا المفارقة الكبرى: بينما تعتمد الجزائر أساسا على خطوط الأنابيب، فإنها نجحت أيضا في تعزيز وجودها في سوق الغاز المسال بتصدير 8.9 تيراواط/ساعة. ويعود هذا التحول في هيكل واردات الغاز الإسباني إلى جملة من العوامل المترابطة التي شكلت معا صورة السوق الحالية. في المقدمة تأتي التطورات الكبيرة في البنية التحتية الإسبانية، حيث شهدت السنوات الأخيرة توسعا ملحوظا في قدرات محطات إعادة التغويز، مما أتاح للبلاد استقبال كميات أكبر من الغاز المسال ومعالجتها بكفاءة أعلى. هذه التطورات التقنية لم تكن لتحقق تأثيرها الكامل لولا ما يتمتع به الغاز المسال من مرونة استثنائية في التعامل مع الأزمات الجيوسياسية، حيث يمكن تحويل مسار الشحنات بسرعة وفقا للمتغيرات السياسية والاقتصادية دون الحاجة إلى بنية تحتية ثابتة. كما ساهم انخفاض تكاليف النقل البحري للغاز المسال نسبيا في تعزيز هذا الاتجاه، خاصة مع تطور تقنيات الشحن وتوسع أساطيل ناقلات الغاز الحديثة التي خفضت من تكاليف التشغيل. وقد تفاعلت هذه العوامل معا لتعطي الغاز المسال ميزة تنافسية، وإن كان ذلك لم يقضِ تماما على أهمية الغاز الطبيعي عبر الأنابيب الذي يحتفظ بمكانة خاصة نظرا لاستقرار إمداداته وانخفاض تقلبات أسعاره نسبيا. لكن الأرقام تظهر أن إسبانيا تحافظ على توازن استراتيجي بين المصادر، حيث تواصل الاعتماد على الجزائر كمصدر رئيسي للغاز عبر الأنابيب، بينما تستخدم الغاز المسال لتنويع مصادر التوريد وتعزيز الأمن الطاقوي. هذا المزيج بين الثبات (الغاز الطبيعي عبر الأنابيب) والمرونة (الغاز المسال) هو ما يفسر قدرة إسبانيا على تجاوز التحديات الطاقوية في السنوات الأخيرة، مع الحفاظ على الجزائر كشريك استراتيجي رئيسي في كلا المجالين.
صعود جزائري قوي في جوان 2025
وبينما رسمت الأرقام النصف سنوية صورة واضحة عن هيمنة جزائرية مستمرة، تكشف البيانات الشهرية عن تقلبات أكثر ديناميكية في سوق الغاز الإسباني. ففي جوان 2025، شهدت الجزائر انتعاشة قوية، حيث قفزت حصتها إلى 43.6% من إجمالي الواردات الإسبانية، بعد أن سجلت 32.5% في المتوسط خلال الأشهر الخمسة السابقة. ويمكن تفسير هذا الصعود الجزائري الملحوظ في السوق الإسبانية من خلال ثلاث دوافع رئيسية متكاملة.
أولا، شهد شهر جوان المنصرم استئنافا نشطا لشحنات الغاز المسال الجزائري بعد توقف مؤقت خلال شهر مايو، مما أعاد التوازن إلى حصة الجزائر في السوق الإسبانية. هذا الاستئناف لم يكن معزولا، بل صاحبه زيادة ملموسة بنسبة 18% في إمدادات الغاز الطبيعي عبر خط ميدغاز الحيوي، مما يعكس الجهد الجزائري المنسق لتعزيز حضورها في السوق من خلال قنوات متعددة.
ولم يكن هذا الأداء الجزائري القوي ليتحقق بالشكل نفسه لولا العامل الثالث المتمثل في التراجع الملحوظ للمنافسين الرئيسيين. ففي الوقت الذي عززت فيه الجزائر وجودها، شهدت الولايات المتحدة -أكبر منافس للجزائر- انخفاضا كبيرا في حصتها السوقية لتصل إلى 15% فقط، وهو ما خلق فراغا استطاعت الجزائر ملؤه بسرعة بفضل مرونتها التشغيلية وقدرتها على زيادة الإنتاج عندما تنخفض حصص المنافسين. هذه العوامل الثلاثة المترابطة -استعادة الشحنات المسالة، وتعزيز الإمدادات عبر الأنابيب، وتراجع المنافسين- شكلت معا وصفة النجاح للصدارة الجزائرية في جوان. ويظهر تحليل البيانات الشهرية أن إسبانيا تعتمد على الجزائر كـ”مصدر موثوق في الأوقات الصعبة”، حيث تلجأ لزيادة المشتريات الجزائرية عندما تشهد مصادر أخرى تقلبات. ففي يونيو، وهو الشهر الذي انخفضت فيه الواردات الإسبانية الإجمالية بنسبة 10%، كانت الجزائر المورد الوحيد الذي زادت صادراته لإسبانيا. وراء هذه الصورة للهيمنة الجزائرية، تكشف التحليلات الدقيقة عن تحولات عميقة في خريطة الموردين. ففي اتجاه مثير، شهدت روسيا تراجعا ملحوظا إلى 11.8% من إجمالي الواردات في جوان، بعد أن كانت تحافظ على متوسط 15% خلال الأشهر الخمسة السابقة، وهو ما يعكس استمرار تأثير العقوبات الغربية وتوجه إسبانيا لتقليل اعتمادها على المصادر المثيرة للجدل. وفي مفارقة لافتة، ظهرت بعض الدول كلاعب جديد في السوق الإسبانية، مستفيدة من اتفاقيات توريد جديدة وجودة غازها المسال. مع اختفاء مفاجئ لبعض الموردين التقليديين مثل قطر والنرويج من قائمة المصدرين، وهو ما يثير تساؤلات حول استراتيجيات التوريد الإسبانية وقدرة الموردين الجدد على تعويض هذا النقص.
المنافسون الجدد: تقدم أنغولا وبيرو
يشهد سوق الغاز الإسباني تحولات جذرية مع بروز لاعبين جدد يسعون لإعادة رسم خريطة التوريد الطاقوي. في هذا السياق، أظهرت أنغولا أداء لافتا، حيث قفزت صادراتها إلى إسبانيا بنسبة 66% لتصل إلى 9.28 تيراواط/ساعة خلال النصف الأول من 2025، مقارنة بـ5.6 تيراواط/ساعة في الفترة ذاتها من العام السابق. ويعود هذا النمو الملحوظ إلى استراتيجية أنغولا الذكية في التركيز على تصدير غاز مسال عالي الجودة، مدعومةً بسلسلة من الاتفاقيات الجديدة مع كبار المشغلين في السوق الإسبانية. وفي تطور موازٍ، تمكنت بيرو من اقتحام قائمة الموردين الرئيسيين لأول مرة، حيث صدّرت 4.35 تيراواط/ساعة خلال ستة أشهر فقط، متجاوزةً بذلك لاعبين راسخين مثل قطر والبرتغال. وقد أسهم في هذا الإنجاز الاستثمارات الكبيرة التي ضختها بيرو في بنيتها التحتية للغاز المسال، مما جذب انتباه المستثمرين الدوليين وفتح أمامها أبواب السوق الأوروبية. غير أن قراءة متأنية للبيانات تكشف أن تأثير هذين الموردين الجديدين يبقى محدودا في المدى المنظور. فحصتاهما المشتركتان لا تتجاوزان 7.2% من إجمالي الواردات الإسبانية، كما أن اعتمادهما الحصري تقريبا على الغاز المسال – الذي يتسم بتقلبات سعرية وتشغيلية – يجعلهما أقل جاذبية مقارنة بالمصادر التقليدية. ويظهر التباين واضحا عند المقارنة مع أداء الجزائر التي تحافظ على إمدادات ثابتة عبر خطوط الأنابيب، مما يمكنها من تقديم أسعار أكثر استقرارا وشروطا أكثر مرونة. هذه الديناميكية الجديدة في السوق الإسباني تعكس في جوهرها استراتيجية تنويع مصادر التوريد التي تنتهجها إسبانيا، لكنها في الوقت ذاته تبرز قيمة الشراكة الاستراتيجية مع موردين موثوقين كالجزائر. فبينما يظل صعود اللاعبين الجدد ظاهرة تستحق المتابعة، إلا أنها لا تشكل – على الأقل في المرحلة الراهنة – تحديا حقيقيا للهيمنة الجزائرية التي تستند إلى عقود من التعاون المثمر وروابط اقتصادية وسياسية متينة. وتبرز إشارة تحذيرية تستحق الوقوف عندها. فقد انخفضت مخزونات الغاز في إسبانيا إلى 74% في يونيو 2025، مقابل 97% في الفترة ذاتها من العام السابق، وهو ما يمثل تراجعا بنسبة 21.9% على أساس سنوي. هذا الانخفاض الكبير يطرح تساؤلات عن مدى استعداد إسبانيا لمواجهة الطلب المتزايد. وتكشف التحليلات الإحصائية عن نمط واضح: فكلما زادت ضغوط أمن الطاقة على إسبانيا، ازدادت نسبة الاعتماد على المصادر الجزائرية الموثوقة. هذا الارتباط العكسي بين مخزونات الغاز الإسبانية والحصة السوقية الجزائرية يجد تفسيره في عدة عوامل، أبرزها القدرة الجزائرية الفريدة على زيادة الصادرات في فترات الذروة، والعلاقات التعاقدية طويلة الأمد التي توفرها مع الشركاء الإسبان، مقارنةً بتقلبات السوق الفورية التي يعاني منها الموردون الآخرون. غير أن هذا المشهد الاستراتيجي لا يخلو من تحديات مستقبلية. فمع استمرار تراكم الضغوط على مخزونات الغاز الإسبانية، وتصاعد المنافسة الأمريكية في سوق الغاز المسال، وتقلص الحضور الروسي، تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون الجزائري-الإسباني. خاصة مع اقتراب مواسم الشتاء التي تشهد ذروة في الاستهلاك، حيث يصبح دور الجزائر أكثر حيوية في منع أي اختناقات طاقوية. هذه المعطيات مجتمعة ترسم صورة واضحة: الجزائر شريك استراتيجي تدور حوله سياسات أمن الطاقة الإسبانية. فاستقرار السوق الإسباني ومرونته في مواجهة الأزمات باتا مرهونين إلى حد كبير بقدرة الجزائر على الحفاظ على تدفقاتها التصديرية، وهو ما يعزز موقعها كركن أساسي في الهندسة الطاقوية الأوروبية الجديدة.
م. ع