تقع بلدية تابلاط على بعد 60 كيلومترا غربي الجزائر، على خط سهبي يتوسط الجزائر العاصمة وولاية المدية العاصمة التاريخية لبايلك التيطري.
تابلاط.. مدينة عريقة ظلت على مدار السنين عالقة بذهن كل من زارها أو مر بها، فهي المنطقة الخضراء التي توصف بكونها عروس الجزائر الصغرى، ويحوي هذا المكان الآسر ينابيع تروي أساطير 11 قرنا من الزمن الماضي.
ويؤهل الموقع الاستراتيجي الهام لتابلاط التي تعتبر منطقة زراعية هادئة وذات ثروات هائلة، لأن تكون قطبا سياحيا ضخما لاسيما مع اشتهارها بمياهها العذبة ما حوّلها إلى قبلة لكل راغب في الهدوء والتأمل .
أصل التسمية

تعني تابلاط بالأمازيغية “الحجرة” أو “الصخرة المصفحة”، ويقال إنه يعود لمنظر تابلاط من أعلى الجبال المحيطة بها، حيث تظهر كمرتفع مسطح بين وادين وسط جبال عالية محدبة. يعود أصل تسمية تابلاط إلى الرومان والأمازيغ، حيث يعد الرومان ثاني حضارة مرت بتابلاط بعد السكان الأصليين وهم الأمازيغ، حيث كانت تسمى في العهد الروماني تابلاتونسيس « Tablatensis » وتعني بالرومانية “الثكنة” أو “المعسكر الروماني”، وهناك من يقول إن معناها “المشية العسكرية” بالرومانية أيضا. الأمازيغ تحت السيطرة الرومانية استعملوا تسمية “تافلاست” (Tavlast) ثم تحولت بعدها إلى “تابلاتا” ثم إلى “تابلاط”، وهي التسمية الحالية للمدينة، ويقال كذلك إن تابلاط مشتقة من الأمازيغية وتعني الحجرة المسطحة.
تابلاط.. خزان طارق بن زياد

أثناء الفتوحات الإسلامية للأندلس، استعان القائد المسلم الأمازيغي طارق بن زياد بجنود من الجزائر، ويذكر أنه استعان بجنود من تابلاط التي كانت تسمى آنذاك تابلاتا (اسم اشتقه الأمازيغ من الاسم الروماني لتابلاط) وبعد نجاحهم في فتح الأندلس قاموا بتأسيس مدينة تابلاتا في إقليم إشبيلية جنوب الأندلس تيمنا باسم تابلاتا (تابلاط حاليا). ولا تزال قرية تابلاتا قائمة إلى يومنا هذا في إسبانيا.
وكانت نشأة مدينة تابلاتا في الأندلس مشابهة لنشأة مدينة تابلاط في الجزائر، حيث استعملت لأول مرة كمعسكر حربي لمواجهة الإسبان وهو نفس الحال بالنسبة لتابلاط التي كانت معسكرا رومانيا لمواجهة الأمازيغ وقد خرج الرومان من الجزائر وكذلك خرج المسلمون من إسبانيا، فما أشبه اليوم بالأمس.
أكثر من 60 قرية في مساحة ضيقة

تضم تابلاط لوحدها أكثر من 60 قرية عربية وأمازيغية، وتعتبر المنطقة نموذجا للتمازج الثقافي والعرقي الحاصل منذ القدم، ويقول مخضرمو المنطقة إنّ الأخيرة استقطبت منذ عقود بعيدة السكان القدامى للعاصمة وهم من كانوا يشتهرون بكنية بني مزغنة في زمن بولوغين بن الزيري بن مناد حاكم المغرب الأوسط (922 \ 984 ميلادي) الذي أعاد إعمار مدينة الجزائر وحواضر أخرى.
يسجل الجيلالي معيزي أنّ بني مزغنة ارتضوا النزوح إلى تابلاط غداة الحملة الإسبانية الشهيرة سنة 1541، وقاموا بتأسيس مزغنة جديدة تقع على بعد 6.5 كيلومترات جنوبي مدينة تابلاط، وتحمل الضاحية هذا الاسم نسبة إلى مزار مزغنة المعروف محليا بـ “القبة” إلى جانب الهجرة الثانية أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث فضّل الكثير من سكان العاصمة آنذاك الهروب نحو الجبال نظرا للتضاريس المساعدة على القتال والهروب من بطش المحتلين الذين اجتاحوا البلد بوحشية.
وليس بخافٍ، استنادا إلى مراجع تاريخية موثقة، أنّ القاطنين الحاليين لتابلاط هم السكان الأصليون للجزائر العاصمة، وتوجد منطقة في تابلاط تسمى مزغنة نسبة إلى المنطقة التي كانت تأوي العاصميين الأوائل قبل 11قرنا.
بحر من ماء يمنح عذوبة وشفاء

تتميّز تابلاط بأحواضها، فهي منطقة بلسان أبنائها تنام على بحر من ماء عذب رقراق، إلى درجة أنها انتزعت عن جدارة لقب “عاصمة الينابيع”، وتبرز مراجع محلية أنّ منطقة تابلاط تزخر بينابيع كثيرة تتدفق من أعالي الجبال.
وأنت تتجول في حاضرة تابلاط، تستوقفك الأعداد الكبيرة من قاصدي المنبع الطبيعي “الحوضان”، ويحظى الأخير بزيارات لا تنتهي يوميا، يعزوها القاصدون إلى ما تنطوي عليه مياه تابلاط من خواص تشفي المرضى من علل عديدة على غرار ترسب الحصى في الكلى، هو ما أكده مروان، الطاهر، باديس، نبيل والعيد الذين وجدناهم يستمتعون بعذوبة وجاذبية مياه الحوضين.
وتأخذ السياحة البيئية مداها في تابلاط، لذا ترافع فعاليات لصالح تفعيل هذه الواجهة الواعدة ومراودة مكان له عذريته وجاذبيته، وفي هذا الشأن، يلح د. رابح حمدي باشا على أنّ تابلاط بوسعها أن تتحول إلى قطب نفيس للسياحة البيئية، كلون غير عادي لاستثمار موارد طبيعية، وحماية المحيط البيئي بوجه عام في بلد متعدد الأوجه، يزخر بالعديد من المناظر الخلابة ومناخات متعددة ومعالم أثرية وحضارات مختلفة ومواقع فريدة بالغة الروعة.
ق. م


