جمعت بين الكثبان الرملية والجبال الصخرية

تاغيت.. عالم السكون الذي يحبس الأنفاس

تاغيت.. عالم السكون الذي يحبس الأنفاس

تاغيت.. جوهرة الصحراء وسحرها.. آسرة القلوب وساحرة الألباب.. وهي أشهر وجهة سياحية صحراوية، حيث تجلب إليها سنويا الآلاف من السياح من كل بقاع العالم، للاستمتاع بأجواء صحراء الجزائر، والتعرف على عادات سكان المنطقة، بالإضافة إلى تذوق الأطباق التقليدية المشهورة والشاي الصحراوي الأصيل.

ويعتبر فصل الشتاء أحسن موسم لزيارة تاغيت في الفترة الممتدة من شهر نوفمبر إلى غاية نهاية شهر مارس، حيث تتميز هذه الفترة من السنة بالجو المعتدل والحرارة المنخفضة، التي تسمح بالتجول واكتشاف مختلف المعالم والأماكن السياحية التي تضمها منطقة تاغيت.

 

أصل التسمية

تاغيت أو تاغيلت تعود تسميتها إلى سكانها الأوائل بني كومي، وهو مشتق من تاغونت أي الحجر باللغة المحلية أو تغليت أي الهضبة ويقول البعض ملتقى الوادين. فتاغيت غنية بالمياه؛ يوجد بها واد زوزفانة والعديد من العيون.

تقع تاغيت في الجنوب الغربي من بشار، وتبعد حوالي 1100 كيلومتر عن الجزائر العاصمة، وذاعت شهرة تاغيت عالميا رغم كونها بلدة صغيرة تتميز بالهدوء والسكينة، لكنها تختصر كل شيء، ففيها الكثبان، الواحات، المياه، القصور، الجمال، كما تحتوي تاغيت على العديد من بيوت الإيواء التقليدية لهواة المغامرة وفندق فاخر بأسعار معقولة.

 

رمال ذهبية وصحراء صخرية

أكثر ما يميز تاغيت هو التنوع في طبيعتها بين الرمال الذهبية للعرق الغربي الكبير والصحراء الصخرية “الحمادة” ويتخللها واد زوزفانة الذي تُزين الواحة أطرافه.

وما زاد من سحر الطبيعة في تاغيت هو وجود محطات للنقوش الصخرية منذ 10 آلاف سنة، والتي تؤكد وجود الانسان في المنطقة، إضافة إلى عدة قصور منها قصر بربي وقصر تاغيت.

 

تاغيت.. جولة في عالم لا يشبه عالمنا

بمجرد الوصول إلى تاغيت، يجد الزائر نفسه مشدودا لهذا العالم الذي يكتشفه لأول مرة، والذي يُزاوج بين التراث وأصالة السكان وحفاوتهم وبين الرمال والواحات والكثبان الرملية التي صارت مقصدا لآلاف السياح القادمين من الداخل والخارج ليلتحقوا بأعالي الكثبان الواقعة قبالة المدينة وواحاتها وقصرها القديم المشيد بالطين والذي يحافظ عليه أهله رغم امتلاكهم لبنايات حضرية خاصة، ويحاذيه جنوبا واحات نخيل تمتد على طول المدينة لتكون الحد الفاصل بين عالم الساكنين وبين خلوة الكثبان والتي يبدو امتدادها لا متناهٍ.

 

جولات تخترق السكون.. والسوق لمن أراد تذكارا

يخترق سكون الكثبان الرملية وهدوءها جولات السياح على صهوة الجمال أو على دراجات “الكواد”، كما يقوم زوار تاغيت بزيارة سوقها لاقتناء ما يشاؤون من الأوشحة وما يحملونه من تحف تذكرهم بالمدينة، كما تُنصب فيه خيم للأكلات التقليدية، عبر الخيم المنصوبة مع ليالي الشاي وعلى ألحان وأنغام الموسيقى الصحراوية.

 

الكثبان اللامتناهية.. ميزة تاغيت وسحرها

تمثل الكثبان الرملية الساحرة أهم عامل جذب للسياح العاشقين لخلوات تاغيت، والتي تُمثل جمالا آخر كثيرا يُفتن به عاشقو هدوء الصحراء، فهي التي ترسم أمام سائحها صورة شاسعة من الكثبان تظهر لناظرها أنها لامتناهية ويزيدها سحرا غروب الشمس هناك، حيث تلقي أشعتها على محيط المدينة ونخيلها بصورة جعلتها تكتسح قمم أجمل مناطق الغروب.

 

هضبة الصخرة تحيي ما قبل التاريخ

تمتلك محطة النقوش الصخرية بتاغيت قيمة تاريخية وثقافية هامة ليس بالنسبة للجزائر فحسب، وإنما للإنسانية جمعاء، وتعتبر هذه المحطة التاريخية الممتدة على مساحة قوامها 181.247 متر مربع، منها 200 متر مربع يمثل محيطها المحمي الذي يقع على بعد 18 كلم جنوب عاصمة نفس البلدية واحدة من أقدم مواقع النقوش الصخرية بالجنوب الغربي للوطن، وهي تتشكل من نقوش تعود إلى عصور ما قبل التاريخ من العصر الحجري، وتتميز رسوماتها بالحفر الدقيق، حيث تبرز الصخور وفضلا عن التماثيل البشرية عديد من أنواع الحيوانات التي كانت منتشرة بالمنطقة على غرار الظباء والفيلة والنعام والغزلان والإبل والزرافات، حيث عبّر عنها مبارك الميلي في كتابه، تاريخ الجزائر في القديم والحديث “عبّر المؤرخون عن قدماء إفريقية الشمالية بالبربر، لكن سبقتهم أمة العصر الحجري في المنطقة، وهي أمة غير أمة البربر، بدليل القبور الأثرية”.

 

ومكان للعلاج أيضا

إلى جانب التمتّع بجمال تاغيت، لك أيضا أن تتداوى بهذه الرمال الصحراوية، فحبات رمل المنطقة تتمتع بخصائص علاجية كبيرة لمكافحة العديد من الأمراض مثل الروماتيزم، والتهاب المفاصل، وآلام أسفل الظهر، وآلام العضلات والحساسية وغيرها.

وتتكون أحواض الرمل عن طريق حفر حفرة مقابلة لقياس حجم المريض إلى عمق لا يتجاوز عادة 20 سنتمتر، ويبقى الثقب مفتوحا لمدة نصف ساعة حتى يتم امتصاص الحرارة. بعدها يستلقي المريض بالحفرة على ظهره ومغطى بالكامل بالرمال الساخنة، باستثناء الرأس، لفترات تحدد بحسب حالة المريض الصحية، وسنه، وطبيعة مرضه، وقد تصل عند القادر على التحمل إلى 35 دقيقة، فيما لا تتجاوز 15 دقيقة بالنسبة للعجزة، تمتص خلالها الرمال كميات كبيرة من الماء الزائد في الجسم، ومباشرة بعد الانتهاء من تغطية الجسم بالرمل، تنصب خيمة أو شمسية تقي الأجزاء الظاهرة منه، لا سيما الرأس من الأشعة الحارقة، كما يزود بالماء كلما طلب، على أن يكون ببرودة معتدلة، وبعد انقضاء المدة المحددة يخرج المريض بلطف، ليغطى برداء صوفي، لضمان سلامته.

 

قصر تاغيت.. تراث معماري ساحر

بين الكثبان الرملية والجبال الصخرية، وعلى ضفاف واد صحراوي تلتف حوله مئات أشجار النخيل، يطل قصر تاغيت العتيق ببشار على زواره مزهوا بجماله ومعماره الطيني وهو المبني بإبهار فوق تلة صخرية وفق عمارة تقليدية صحراوية، والذي يعود تاريخه للقرن الحادي عشر والمصنف كتراث وطني منذ 1999.

الداخل لهذا القصر ستبهره واجهته الخارجية، غير أنه يخلو من سكانه اليوم باستثناء بعض الأفراد الذين حولوا بيوتهم إلى فضاءات للنشاط الاقتصادي والسياحي من مراكز ضيافة وأماكن للراحة وقاعات شاي، فهو اليوم مركز جذب سياحي يقصده الزوار من الجزائر وخارجها.

هذا القصر المبني بالطين والحجر والمدعم بجذوع وسعف النخيل والمشيد على شكل قرية دفاعية يضم حوالي 120 دارا قديمة متلاصقة مع بعضها البعض تجمعها الساحات والدروب، بالإضافة إلى المسجد والبئر، غير أن الكثير منها قد تهدم.

ق. م