يكاد يجزم عز الدين وعبد القادر، وهما صيادان من منطقة أزفون، بأنه لن يتبقى، بعد عشر سنوات، أي سمك للصيد، مبديين قلقهما حيال تراجع الموارد الصيدية نتيجة الصيد غير الشرعي وسفن الصيد بالشباك.
وحسب عز الدين أرحاب، مالك سفينة صيد ورئيس جمعية “الدلفين” للصيد التقليدي والبيئة بتيزي وزو، فقد كان الصيادون الصغار يرجعون، قبل خمس سنوات من الآن، بـ 30 إلى 40 كيلوغراما من السمك في اليوم لكل صياد، مقابل أربعة كيلوغرامات فقط حاليا.
“نحن الآن نعيش كارثة”، يتأسف من جهته عبد القادر الذي يمتهن الصيد منذ حوالي 25 سنة.
وكباقي أرجاء العالم، فإن سفن الصيد بالشباك تعد العدو الأول للموارد الصيدية، إذ أن هذا النوع من السفن يستخدم شبكة صيد تؤدي إلى تدهور ملاجئ الأسماك المتواجدة في أعماق البحر.
وفضلا عن قيامها بالصيد في مناطق محظورة، فإن هذه السفن تمارس ضغطا رهيبا على الموارد الصيدية دون أدنى احترام للمعايير المعمول بها.
ويضرب السيد أرحاب، في هذا السياق، مثلا بميناء أزفون الذي يوجد به سفينتان للصيد، غير أنه يستقبل أكثر من ثلاثين سفينة تقدم من ولايات أخرى لترسو لمدة 24 ساعة.
ويعد ذلك حسب هذا المهني “صيدا جائرا حيث لا يمكن للوسط البحري أن يستريح، بينما ينبغي وفقا للمعايير أن تخرج السفينة مساء لتعود صباحا وأن تمتنع عن العمل في النهار”.
وتملك الجزائر أكبر أسطول لصيد السردين في الحوض المتوسط، حيث يتجاوز عدد السفن المخصصة لذلك 1200 مركب.
غير أنه تم اقتناء معظم هذه السفن خلال السنوات العشر الأخيرة دون القيام بالدراسات اللازمة حول أثرها على الموارد.
ولاحظت جمعية “الدلفين” تراجعا بحوالي 50 % من الموارد منذ 2005 بسبب ارتفاع عدد قوارب الصيد.
صيد غير شرعي دون عقاب
ويؤكد السيد أرحاب أن “الكثير من المهنيين قاموا بخرق الفترة المخصصة للراحة البيولوجية في 2016 دون أن يتعرضوا لأدنى مساءلة قانونية أو محاسبة من السلطات المعنية”.
ووفقا للقانون الجديد المتعلق بالراحة البيولوجية، فإن صاحب سفينة الصيد في حال تسجيل مخالفة معرض لعقوبة السجن، بينما يحجز عتاده ويمنع الصياد من مزاولة نشاطه لمدة خمس سنوات.
وفي فترة الراحة، فإنه لا يسمح سوى بصيد الجمبري.
“إن تطبيق هذا التنظيم لا يتم بالصرامة المطلوبة في الوقت الذي وقعت فيه الجزائر على كل الاتفاقيات المتعلقة بالصيد المسؤول والمستدام”، يشير السيد ارحاب.
وتظهر دراسات قامت بها منظمات دولية أن سفينة الصيد بالشباك تقوم بتخريب موارد صيدية تصل إلى 10 كيلوغرامات من السمك من أجل كيلوغرام واحد يصطاد بطريقة غير شرعية.
ويشير المتحدث، الذي يشتغل في مهنة الصيد التي توارثها عن أجداده، إلى أهمية مفتشي الصيد في الرقابة على الصيد غير الشرعي قائلا: “يوجد لدينا مفتشون لكن دون صلاحيات، إذ لا يمكنهم التدخل وأخذ قرارات في حالة تسجيل مخالفات”.
من جهته، أشار عبد القادر إلى نوع آخر من الصيد غير الشرعي الذي تمارسه قوارب الصيد بالشباك، وهو الصيد في أعماق تفوق 9 أذرع (ذراع = 1.8 متر) تحت سطح البحر.
ويمنع القيام بذلك قانونا بالنظر لما ينجر عنه من تخريب ليرقات الأسماك.
“إنها مشكلة يعاني منها كل الساحل الجزائري”، يتحسر هذا الصياد.
أنواع انقرضت وأخرى مهددة
ويعد الصيد الترفيهي بجميع أشكاله الذي يعتبر غير شرعي أحد العوامل التي ساهمت في التراجع الحاد للموارد الصيدية.
“في أزفون لدينا 60 صيادا حرفيا، في حين يبلغ عدد قوارب الصيد الترفيهي 220 زورقا تصطاد وتسوق أسماكها دون ترخيص. وزيادة على ذلك، فإن معداتهم غير مراقبة”، يقول عز الدين.
من جهة أخرى، فإن هذا الميناء الصغير للصيد ليس بمنأى عن عمليات الصيد غير الشرعي الذي عرف نشاطا كبيرا بشواطئ الجنوح، أين تم احصاء ثلاثين صيادا غير شرعي بسواحل أزفون.
من جهته، يتحمل نشاط صيد الأسماك بالرمح جزءا من المسؤولية في تراجع الانتاج بل وحتى في انقراض بعض الأنواع من الأسماك.
ويروي عز الدين بامتعاض أنه “في 2015 لبث فريق من الغطاسين لمدة أربعة أشهر بمنطقة أزفون من أجل الصيد ولم يتم حتى إحصاء حصيلة صيدهم في حملات تقييم الموارد”.
وأشار في هذا الصدد إلى سمك الصرصار وهو نوع من الأسماك يعيش بالأعماق الوعرة الذي انقرض من السواحل الجزائرية بسبب نشاطات الغطس والصيد بالرمح.
وليس في مقدور الصيادين الحرفيين صيد أكثر من ثلاث إلى خمس قطع بالعام، في حين يصطاد الغطاسون إلى غاية 30 قطعة يوميا من خلال استغلال فترة تكاثر هذا النوع الذي يقترب كثيرا من الشواطئ من أجل وضع بيضه.
ويعاني سمك الهامور الأصفر هو الآخر شبح الانقراض بسبب هذه الممارسات. فخلال فترة التكاثر يمكث هذا النوع من الأسماك لمدة ثلاثة أشهر بقرب السواحل.
ويصطاد محبو الغطس والصيد بالرمح يوميا إلى غاية 70 كلغ من هذا السمك “وهو ما لا يمكن تحقيقه خلال سنة كاملة”، يؤكد من جهته عبد القادر. وتعتبر كل من أسماك القيثارة والرخامي والقاروس المقلم أنواعا مهددة.
ويعد تراجع الموارد من الأسباب التي أدت بالصيادين الحرفيين إلى هجر مهنتهم.
فبمنطقة أزفون هناك أكثر من 45 بالمائة من الصيادين الناشطين بالصيد البحري الحرفي قد تخلوا عن نشاطهم وفقا لإحصاء أجرته هذه الجمعية سنة 2015.
ومن أجل ترقية الصيد البحري المستدام، تعمل هذه الجمعية بمعية جمعيات مهنية أخرى من أجل خلق شبكة من الصيد البحري التقليدي ترافع من أجل التطبيق الصارم للقانون وتطوير الشعاب الاصطناعية وتحديد مناطق بحرية محمية من أجل السماح بتكاثر الموارد.
وفي هذا السياق، حذر عبد القادر قائلا: “إننا في المنطقة الحمراء وليس وضعي الشخصي ما يشغلني، بل إن انشغالي يخص الأجيال القادمة”.
القسم المحلي