تحت شعار “الشهيد روح خالدة ومسيرة وفاء رائدة”.. الجزائر تحيي اليوم الوطني للشهيد

تحت شعار “الشهيد روح خالدة ومسيرة وفاء رائدة”.. الجزائر تحيي اليوم الوطني للشهيد

تُحيي الجزائر، اليوم، ذكرى اليوم الوطني للشهيد في ظل مواصلة تجسيد معالم جمهورية جزائرية جديدة قوية بمؤسساتها، ووفية لرسالة شهدائها وملتزمة بالخط الذي رسمته ثورة أول نوفمبر المجيدة.

وجاء الاحتفال هذه السنة تحت شعار “الشهيد روح خالدة، ومسيرة وفاء رائدة”، وتُعد هذه المناسبة فرصة لاستذكار المحطات الهامة التي تزخر بها الذاكرة الوطنية والتضحيات الكبيرة للشهداء والمجاهدين، وتمكين الأجيال الصاعدة من الاطلاع على ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم لا تسقط ولا تُنسى في حق هذا الشعب طيلة 132 سنة.

وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد أكد في مناسبات سابقة على ضرورة منح الذاكرة الوطنية بأبعادها الوطنية “مكانتها اللائقة”، كما شدد على أن مسألة الاهتمام بالذاكرة واجب وطني مقدس لا يقبل أي مساومة، وسوف يظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة والمجاهدين الأخيار.

 

تذكير الشباب بتضحيات الأجداد

يوم الشهيد.. أرواح طاهرة سقطت فداءً للوطن

يهدف الاحتفال بيوم الشهيد الذي جاء بمبادرة من تنسيقية أبناء الشهداء إلى تخليد ما قدمه الشهداء حتى لا ننسى مغزى الذكرى واستشهاد مليون ونصف المليون من الشهـداء لتحرير الجزائر، وتهدف هذه المناسبة إلى إرساء الروابط بين الأجيال وتذكير الشباب بتضحيات الأسلاف من أجل استخلاص العبر والاقتداء بخطهم الشريف، وعرفانا بما قدمه الشهداء من تضحيات جسيمة، ويمثل هذا اليوم وقفة لمعرفة مرحلة الاستعمار التي عاشها الشعب الجزائري في بؤس ومعانـاة وهذا لأن التاريخ يمثل سجل الأمم، فالجزائر أمة مقاومة للاحتلال منذ فجر التاريخ خاصة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني الشرس، حيث قدمت الجزائر خلاله  قوافل من الشهداء عبر مسيرة التحرر التي قادها رجال المقاومات الشعبية منذ الاحتلال في 1830 مرورا بكل الانتفاضات والثورات الملحمية التي قادها الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة وغيره من أبناء الجزائر البررة وكانت التضحيات جساما مع تفجير الثورة المباركة في أول نوفمبر 1954، حيث التف الشعب حول جيش التحرير وجبهة التحرير الوطني، فكانت تلك المقاومة والثورة محطات للتضحية من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة، وبفضل تلك التضحيات سجلت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1962.

 

ترسيخ قيمة الشهيد وعظمة تضحياته

عندما التقى أبناء الشهداء في الندوة الأولى التي جمعتهم في نادي الصنوبر يوم 18 فيفري 1998 أجمعوا على اختيار هذا اليوم كيوم وطني للشهيد، وهذا انطلاقا من قناعة بأن مقام الشهيد في أعلى مقامات التبجيل والتذكير والأيام الوطنية والعالمية التي تعوّد شعبنا أن يحتفل بها على المستوى الرسمي والشعبي، فلقد اعتاد المواطن الجزائري أن يحتفل بأعياد وطنية ودينية ولكنه لم يسمع منذ الاستقلال حتى عام 1990 بشيء اسمه اليوم الوطني للشهيد وهو 18 من فيفري، ونظرا لمكانة الشهيد المعززة عند الله وعند البشر لأنه هو الوقود الذي أشعل لهيب الحرية، وهو المصباح الذي أنار درب السيادة والاستقلال، وبالنظر إلى أن الشهيد يبقى في كل الأزمان المتعاقبة رمزا للحرية والكرامة التي ينعم بها الشعب حاضرا ومستقبلا، وبالنظر إلى أن الشعب الجزائري قدم قوافل الشهداء الأبرار قربانا إلى مذبح الحرية وأنه يدرك أن أولئك الشهداء جاهدوا ضد العدو وفرطوا في الروح والأبناء والأزواج وملذات الحياة فداء لهذا الشعب ليعيش حرا أبيا كريما، فإن كل الاعتبارات وغيرها مما لا يتسع المقام لحصرها، دفعت أبناء الشهداء من خلال منظمتهم الوطنية، إلى اعتبار يوم 18 فيفري من كل عام يوما وطنيا للشهيد، وهذا ليستعيد الشعب الجزائري إلى ذاكرته العملاقة بهذه المناسبة شريط التضحيات والدم والنار والعذاب وجثث الشهداء وجراح أيام الاستعمار الفرنسي ولكي يربط بين الماضي والمستقبل وليتذكر أن هؤلاء ماتوا في خندق واحد ومن أجل هدف واحد ومن أجل حرية شعب الجزائر العربي الأبي المسلم.

وقال الأمين الولائي للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء إسماعيل أونيسي: “إن الهدف والغاية المقصودة من وراء اعتبار هذا التاريخ يوما وطنيا للشهيد إنما هو من أجل ترسيخ قيمة الشهيد وعظمة تضحياته في مقدمة هذا الشعب من أجل الحرية وفي نفسية وأذهان الأجيال الحاضرة التي كادت الأوضاع الحالية ومظاهر الجري وراء ملاذ الحياة الدنيا من قبل هذا وذاك ممن يعدون من الجيل الذي قاد ثورة التحرير الكبرى في الجزائر ضد الظلم والاستغلال الفرنسي ليعود إلى ذاكرة الجيل الحاضر أن أولئك الشهداء لم تلههم الدنيا عن الوطن وحريته.

فالبعد الذي يرمي إليه هذا اليوم هو الرجوع بذاكرة الشعب إلى الوراء أيام الاستعمار الفرنسي وأيام الثورة وما قدمت هذه الثورة من تضحيات وأرواح من أجل نزع حرية هذا الشعب من قبضة العدو الفرنسي، ولكي يعيش هذا الشعب سيدا كريما متراحما فيما بينه.

كما يهدف هذا اليوم كذلك إلى تذكير أبناء الجزائر من جيل الاستقلال بأن الحرية والسيادة والاستقلال ما كانت لتكون كلها لولا أن قدم الشعب مليون ونصف مليون من أبنائه كثمن عظيم لها، ولكي يقف الشعب وجيل الاستقلال على حقيقة فرنسا التي تدعو اليوم إلى تنصيب محاكم ضد النازية الألمانية متناسية أن نازيتها في الجزائر لم تبلغ درجتها النازية الهتلرية ولا حتى النازية الصهيونية المعاصرة.

كما أن اتخاذ هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه رجوع بهذا الشعب وبذاكرته إلى البطولات والمقاومات والثورات الشعبية التي كانت البدايات الجهادية لثورة التحرير الكبرى، وفيه وقوف على تاريخ كفاح هذا الشعب الطويل المتلاحق المراحل حتى الاستقلال، وفيه تعبير عن اعتزاز الشعب الجزائري بكفاحه المرير وبقوافل شهدائه عبر المقاومات الشعبية حتى يوم النصر المبين ليقرأ فيه الشعب نفسه ويقف على معاني التضحيات الحقيقية من أجل الوطن ليستخلص بنفسه أنه لا تاريخ لشعب ولا مكانة له إن هو ترك نضالاته ورموز كفاحه وذكريات ويلات الاستعمار وراء ظهره فارا وهاربا إلى الأمام يبحث عن ملذات الدنيا من جاه وسلطة..

 

عودة بالشعب إلى تاريخ أجداده

Peut être une image de texte

واتخاذ مثل هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه عودة بهذا الشعب وبوعيه إلى تاريخه ليقرأ فيه معاني الوطنية ومعنى النضال ومعنى الإسلام ومعاني الجهاد وحب الوطن من خلال استذكاره لقوافل الشهداء الذين قدمهم قربانا لمذبح الحرية، فجاءوه فرحين طائعين مهللين فعاشوا شرفاء وماتوا من أجله شرفاء ولم تستطع الدنيا أن تسرق منهم جلال الوطن ولا ذلوا ولا استكانوا أمام الأعداء وما ركعوا لشهوات الدنيا مثلما ركع لهذا اليوم الكثير بعد الاستقلال والتحرير.

وفي نهاية المطاف فإنه سيبقى يوم 18 فيفري رمزا حيا للجزائر ومعنى غاليا لا يزول من ذاكرة الأجيال الصاعدة، ويبقى رمز الشهيد الجزائري الذي سيبقى شوكة عالقة بحلق فرنسا الاستعمارية مذكرا الأجيال والشباب بجرائم ديغول وبيجو وبيجار ولاكوست وغيرهم من جلادي فرنسا الاستعمارية، وسيبقى يوم 18 فيفري يذكّر الأجيال والمجاهدين والشعب الجزائري بخطي شال وموريس ومذابح خراطة وقالمة وسطيف وسياسة الأرض المحروقة التي نفذتها النازية الديغولية.

ق. م