تحديات كبيرة لمواجهة خطر الإشعاع والمعادن الثقيلة … النفايات الطبية تهدد حياة الجزائريين

elmaouid

ما زالت النفايات الطبية تثير القلق في الجزائر، وتشكل عبئا ثقيلا للمشرفين على قطاعي الصحة والبيئة، بالنظر إلى خطورة هذه النفايات التي تنتجها المستشفيات و المراكز الصحية والعيادات الإستشفائية الخاصة

بكميات كبيرة، دون أن تتمكن من التحكم فيها وتسييرها بطرق آمنة.

وتشير الأرقام المتداولة إلى أن حجم النفايات الطبية التي تنتجها المستشفيات العمومية بالجزائر يتجاوز 28 ألف طن سنويا، وأن حجم الأدوية منتهية الصلاحية بالصيدليات يتجاوز 20 ألف طن.

وتعد النفايات الطبية من أخطر النفايات و أشدها تأثيرا على الصحة والبيئة ومصادر المياه وحتى على المناخ بالنظر إلى مكوناتها الخطيرة، حيث تقسم منظمات الصحة العالمية هذه المواد الطبية المستهلكة والمنتهية الصلاحية إلى نفايات طبية عامة وتمثل 80 بالمائة من الحجم الإجمالي، تليها المواد المعدية والتشريحية بنسبة 15 بالمائة، ثم المستحضرات الصيدلانية بنحو 3 بالمائة وأخيرا النفايات الطبية السامة التي تحمل الجينات والجسيمات الإشعاعية و المعادن الثقيلة و لمواد الحادة بنسبة 2 بالمائة من الحجم الإجمالي للنفايات الطبية والصيدلانية.

 

نقص الخبرة والعطب عرقلا سير المنشآت

وقد بنت الجزائر أكثر من 230 منشأة لحرق هذه النفايات داخل المستشفيات بطرق آمنة، إلا أن هذه المنشآت تعاني من الأعطاب ونقص الخبرة والتحكم في هذه النفايات التي تشكل تهديدا حقيقيا للصحة والبيئة عندما تخرج عن السيطرة وتنتشر بالوسط الطبيعي والعمراني.

وما زال قطاع الصحة بالجزائر في حاجة إلى مزيد من المرامد المتطورة لحرق النفايات الطبية القابلة للحرق، وإيجاد وسائل بديلة للتخلص من نفايات أخرى لا يمكن حرقها بالنظر إلى المواد المشعة الموجودة فيها والتي تحتاج إلى طرق خاصة للتخلص منها.

وإذا كانت 80 بالمائة تقريبا من النفايات الطبية غير خطرة، فإن النسبة المتبقية تختزن مخاطر مدمرة للبيئة والصحة ومصادر المياه والغذاء وكل الكائنات الحية من نباتات وحيوانات، وتنصب كل الجهود المبذولة بالجزائر وبدول أخرى على التحكم في هذه النسبة الخطيرة، وإخضاعها للرقابة المشددة، حتى لا تلامس المحيط الخارجي وتلقي بمواد مسرطنة وإشعاعات قاتلة.

وبالرغم من خطورة هذا النوع من النفايات الطبية الحاملة للمواد المشعة والمعادن الثقيلة المسرطنة وغير قابلة للتحلل، فإن المشرع الجزائري ما زال لم يصدر القانون الخاص بالنفايات الطبية كما فعلت الكثير من دول العالم.

 

ارتفاع معدل التلوث يدفع لجملة من البحوث

ربطت الأستاذة جويدة هاشمي، مختصة في علم اجتماع الديمغرافيا من جامعة المدية، عند مشاركتها في الملتقى الوطني حول “الصحة والمجتمع” الذي احتضنته مؤخرا جامعة الجزائر “2”، بين النفايات الطبية وتأثيرها على صحة الفرد والبيئة، قائلة في حديثها إن الدافع إلى اختيار هذا الموضوع، أبحاثها في شهادة الدكتوراه التي انصبت حول البيئة وكيفية حمايتها من مختلف المخاطر، ومنها النفايات الطبية، خاصة وأنها اليوم وفي ظل ارتفاع معدل التلوث، تواجهها الكثير من التحديات التي تتطلب الإسراع في تفعيل جملة البحوث العلمية التي يتم إجراؤها للاستفادة منها.

اختارت المحاضرة في بداية تدخلها، أن توضح أن الاهتمام بكل ما يتعلق بالصحة يعرف تطورا كبيرا، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وهو ما تعكسه مختلف الجهود المبذولة لحماية الفرد من مختلف الأمراض، كالتطور الحاصل في مجال إنتاج الأدوية، غير أن هذه التطورات نتج عنها ـ حسبها ـ مخلفات أثرت بشكل كبير على صحة الفرد بالدرجة الأولى، والبيئة بالدرجة الثانية، تأتي في مقدمتها المخلفات الطبية التي تختلف عن بعضها البعض بالنظر إلى ما تحويه من مركبات، بعضها كيماوي وآخر إشعاعي وصيدلاني يصعب التحكم في تأثيرها الضار.

من جهة أخرى، أرجعت المحاضرة خطورة المخلفات الطبية إلى سوء التحكم في توجيهها وتسييرها، وهو ما تعكسه المفرغات العمومية التي يجري  فيها رمي مثل هذه المخلفات بطريقة عشوائية، تقول: “فضلا عن الإلقاء بها خارج المؤسسات الاستشفائية بطريقة فوضوية، الأمر الذي أثر على صحة الفرد بالدرجة الأولى، وهو ما تعكسه بعض الحالات المسجلة على مستوى المؤسسات الاستشفائية التي تستقبل عمال النظافة الذين يرفعون هذه المخلفات، ويتعرضون لبعض الحوادث التي تنقل لهم في كثير من الأحيان أمراضا خطيرة، بما في ذلك الأطفال الذين قد تثير اهتمامهم بعض المخلفات فيلعبون بها، الأمر الذي يتسبب لهم في بعض الأمراض المعدية”.

 

الردم من أنجع الطرق

عن كيفية تأثير المخلفات الطبية على البيئة، توضح المحاضرة أن ذلك يظهر من خلال طريقتين؛ الأولى تعتبر من أقدم الطرق الكلاسيكية في التخلص من المخلفات الطبية، والمتمثلة في عمليات الردم التي تعتبر من أنجع الطرق، لو أنها تستجيب للشروط القانونية، كون الردم الممارس اليوم ـ حسبهاـ يتم بطريقة فوضوية، “بدليل أن المخلفات الطبية التي يتم التخلص منها بدفنها، سرعان ما تتحلل في التربة، الأمر الذي يؤثر من جهة، على مكونات التربة التي تتحول إلى تربة سامة غنية بالمواد الكيماوية، وتؤثر أيضا على المياه الجوفية بعد أن تختلط بها”، مشيرة إلى أن من بين نتائجها، الحصول على موارد طبيعية موجهة للاستهلاك البشري مضرة بالصحة، وهو ما وقع بالفعل في اليابان سنة 1993، حيث خلفت 500 وفاة في مساحة مخصصة لزراعة الأرز، بعد أن تسربت إليها مواد سامة في الأتربة نتيجة الردم العشوائي.

تشرح المحاضرة “تتمثل الطريقة الثانية في حرق النفايات الطبية التي رغم أنها فعالة، لأنها تقضي على كل مخلفات الأدوية، إلا أنها تسيء للبيئة نظرا لما تسببه من غازات سامة ناجمة عن عملية الحرق، وهو ما يدعونا إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالطرق المعتمدة في التخلص من هذه النفايات، بتفعيل الشروط الواجب توفرها للتخلص من هذا النوع من النفايات المضرة بالبيئة والفرد”.

واختتمت  المحاضرة مداخلتها بالدعوة إلى اختيار أفضل الطرق المعتمدة من طرف بعض الدول المتقدمة في التخلص من نفاياتها الطبية، كطريقة الفرز وإعادة التدوير التي تبنتها الجزائر في السنوات الأخيرة، وفي انتظار أن يتم تكريس الطرق التي تحفظ  سلامة البيئة والفرد، تقول “ندعو الجهات المعنية إلى احترام الشروط المقررة لعملية التخلص من النفايات الطبية بالحرق والردم، خاصة أنها تكلف الدولة أموالا باهضة، مع ضرورة التحلي بالوعي للمساهمة في الحفاظ على صحة الفرد والمجتمع”.