مع بداية فصل الخريف

“ترقيد الزيتون”.. موروث اجتماعي واقتصادي جزائري

“ترقيد الزيتون”.. موروث اجتماعي واقتصادي جزائري

تتزامن بداية فصل الخريف مع انطلاق موسم جني الزيتون، وهو الموسم الذي تستعد الجزائريات فيه لجني الزيتون وتصبيره أو عصره، وهو ما ارتبط دائما بعبق التقاليد وعمق الموروثات الاجتماعية.

تبدأ عملية جني الزيتون الطازج ما بين شهري أكتوبر ونوفمبر وتستمر لما بعده، وفيما تُوجه كميات كبيرة من الزيتون للمعاصر من أجل استخراج الزيت منه، تُوجه كمية أخرى إلى السوق، وعادةً ما تقوم النساء بشراء كميات كبيرة منه لتصبيرها في المنازل، كما يمثل هذا الموسم أيضًا فرصة للكثير من الشباب العاطلين عن العمل لكسب دخل مؤقت.

 

وسائل تقليدية

ويمارس غالبية الفلاحين زراعة الزيتون بوسائل وممارسات تقليدية، ولا يجرون عملية الصيانة الدورية لمساحاتهم المزروعة، ولا علاقة لهم بالأشجار إلا في مرحلة جني الزيتون، ما يؤثر في تطوير الإنتاج وتحسين نوعيته.

وتجري حملة جني الزيتون حاليا على قدم وساق بحقول وبساتين العديد من القرى على غرار أقويلال وتينيري (العجيبة) واسيف اصماض (امشداله) وبشلول والأصنام بولاية البويرة.

ويستعين القرويون بمختلف الأدوات الضرورية، من سلالم ومناشير ومقاص وأمشاط، لقطف وجني حبات الزيتون مع العمل على عدم إتلاف الأغصان والثمار، علما أن كل نوع من الزيتون ومن أشجار الزيتون له طريقة قطف مختلفة عن الأخرى.

ويفضل البعض استخدام أمشاط خاصة لقطف حبات الثمار، بينما يفضل آخرون قطفها يدويا، وقد أضفت البسط الملونة، الحمراء والخضراء والصفراء والبنفسجية الملقاة تحت الأشجار لتسهيل جمع الزيتون المتساقط، على الحقول رونقا وجمالا مميزين لا يمكن مشاهدتهما سوى في مثل هذه المواسم.

الترقيد المنزلي

يشهد ترقيد الزيتون في المنزل إقبالًا متزايدًا نظرًا لرغبة الجزائريين في تناول زيتون صحي ومحفوظ منزليًا، يتم تحضيره بنقع الزيتون في الماء لمدة أسبوع مع تغيير الماء يوميًا، ثم يصفى ويُحفظ في “برطمانات” زجاجية مع إضافة الملح والخل، وشرائح الليمون، والثوم، وورق الغار. ويغلق “البرطمان” ويحفظ في مكان بارد ومظلم لمدة 3 أسابيع على الأقل حتى يصبح جاهزًا للاستهلاك،

وتُقبل الجزائريات على “ترقيد الزيتون” بشكل مبكّر انطلاقا من وعيهن بأنّ الأسعار سترتفع حتما مع اقتراب شهر رمضان، فمع دخول موسم جني الزيتون يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 200 و250 دينارا، لكن هذا السعر قد يتضاعف مع تزايد الطلب في الأشهر المقبلة خاصة للزيتون المصبّر الجاهز والمعبأ، ومنه يصبح “الترقيد” للزيتون وسيلة لتقليل التكاليف، والحفاظ على الجودة، وضمان توفر هذا المكوّن الأساسي خلال شهر رمضان المقبل إن شاء الله، وحول هذا الموضوع قالت السيدة كهينة إنها ترى أنّ عادة ترقيد الزيتون تتعدى كونها مجرّد استعداد مادي، بل تعكس أيضا، ذكاء التدبير الأسري في مواجهة تقلبات السوق، كما أنها تدخل في تقاليدنا وموروثاتنا الاجتماعية التي توارثناها جيلا بعد جيل.

فرصة لكسب الرزق

يغتنم عدد من الشباب موسم جني الزيتون الذين يجدون في هذه الفترة فرصة للعمل والكسب ولو بشكل مؤقت، وينتشر هؤلاء الشباب في الأسواق الشعبية حاملين صناديق الزيتون، عارضين خدماتهم في بيع الزيتون، أو تنظيفه، أو كسره، وحتى تقديم خدمة النقل والتوصيل للنساء اللواتي يشترين كميات كبيرة.

الزيتون.. رمز اجتماعي

يرتبط “ترقيد الزيتون” بالجانب الاجتماعي العميق للمجتمع الجزائري العريق، إذ يتحوّل هذا النشاط إلى مناسبة جماعية، تُعيد إحياء العلاقات بين النساء سواء داخل الأسرة أو الحي. فترى الجارات يتواصلن لتبادل وصفات الترقيد، وتقديم النصائح، وتذوّق نتائج المواسم السابقة، بل قد يتعاونّ في شراء الزيتون بكميات كبيرة لتقاسم التكلفة، وهو كذلك ما عززته وسائل التواصل الاجتماعي التي غزتها وصفات الترقيد والتي شجعت الكثير من النساء على خوض التجربة.

ل. ب