بدأت معركة بني صبيح السطارة، في فجر يوم 26 أفريل ودامت 36 ساعة على وجه الدقة ولم تنقطع ولو لدقيقة واحدة، وهي واحدة من أعظم معارك الثورة الجزائرية بين القوات الفرنسية ووحدة كبيرة من جيش التحرير الوطني على جبال شديدة الانحدار في منطقة الميلية.
اتجهت القوات العسكرية الفرنسية إلى جبال بلدية السطارة، “كاتينا” في وقت الاستعمار، وتتميز هذه المنطقة بقمم جبلية عالية تتراوح من 700 إلى 800 متر، شديدة الانحدار مثلها مثل جبال تاكسنة، وهي منطقة معروفة بتمركز المجاهدين فيها من الولاية الثانية. وقعت المعركة على وجه التحديد في جبل دار الحدادة، على ارتفاع 805 م، حيث كانت بني صبيح الدوار، مكان تمركز مجاهدي جيش التحرير الوطني الذين جعلوه مقراً للمنطقة 2، وحفروا الخنادق والملاجئ.
في بداية هذه المعركة، أثارت انتباه العدو الحركة المتواصلة لسكان المشاتي المجاورة باتجاه غابة بني صبيح، حيث تم إنشاء سوق أسبوعي يتردد عليه أعضاء جيش التحرير الوطني.
قررت قوات العدو القضاء على مركز المجاهدين هناك، ولتنفيذ هذا الهجوم، أرسلت قيادة العدو وحدات كبيرة من المدفعية والمشاة من الميلية وجيجل وقسنطينة وميلة والقل وسكيكدة، مدعومة بالدبابات المدرعة والطيران المكون من طائرات استطلاع وطائرات عمودية وقاذفات مقاتلة.
ولم يقتصر هذا النوع من العمليات على القضاء على المجاهدين فحسب، بل احتلال مساحتهم الحيوية، وخنق أي إمكانية للبقاء على قيد الحياة، ونقل السكان المدنيين الذين يعيشون في الدوار نحو المحتشدات بالقرب من ثكنات العدو، وذلك بهدف فصل المدنيين عن جيش التحرير الوطني لقطع كل دعم له، لأنهم اعتُبروا دعمًا مؤكدًا.
ويوم 26 أفريل 1958، عند الساعة الخامسة صباحًا بالضبط، بدأت عدة طوابير من الجنود الفرنسيين تنتشر في القرى والدواوير الأخرى الواقعة أسفل المنحدرات الشمالية والجنوبية لجبال كاتينا من أجل إقامة حصار وتطويق مجاهدي جيش التحرير الوطني في المنطقة، لكن هذا الإجراء لم يمنع القوات الجوية المعادية من التحرك بقصف الأكواخ التي كانت تستخدم كمأوى لمجاهدي جيش التحرير الوطني، الذين سبق لهم أن دفعوا سكان هذه البلدة إلى الفرار لملاجئ أكثر أمناً.
وبعدها انتشرت طائرات عمودية لنقل القوات في جميع أنحاء المنطقة وهبطت عدة وحدات من الجنود.
في الساعة التاسعة صباحًا، وصلت المعركة، التي استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، إلى ذروتها. ورغم عدم تكافؤ القوات الموجودة إلا أن المجاهدين تمكنوا من صد الهجوم وتسببوا بخسائر كبيرة في صفوف الجنود الفرنسيين، مما أجبرهم على التراجع من أجل إجلاء القتلى والجرحى وعلى الأقل إعادة التنظيم لاستئناف الهجوم.
وفي حوالي الساعة 3 مساءً، وصلت تعزيزات من خمسين شاحنة محمّلة بالمظليين، وفي مقدمتهم مركبات مدرعة ومجهزة بأسلحة ثقيلة وبحلول الليل، بدأت طائرات الهليكوبتر في إلقاء الضوء على منطقة القتال.
وفي منتصف الليل كذلك، قامت الطائرات بإنزال المظليين وسط المجاهدين، حيث جرت معارك بينهما بالأسلحة البيضاء ليواجهوا مقاومة شرسة، نظرًا لأن قوات جيش التحرير الوطني كانت أكثر تشددًا، فانسحبت القوات الفرنسية بعد 36 ساعة من القتال.
وخسر الجيش الفرنسي خلال الاشتباكات المئات من جنوده وضباطه، حددها المجاهدون بـ 1100 قتيل مع اسقاط طائرتين مقاتلتين للعدو وتدمير 11 مركبة مصفحة، واستشهد 110 من المجاهدين، فيما قتل العدو 300 مدني بينهم نساء وشيوخ وأطفال.
في نهاية المعركة قام العدو بنقل جثث جنوده وضباطه، بينما ترك 33 جثة للحركى.