الجزائر-شهدت الجزائر، على غرار باقي دول العالم، سنة 2020 وضعية صحية صعبة، إثر تفشي جائحة كورونا “كوفيد 19″، التي فرضت شبه حصار داخل البلاد، انعكس على الوضعية الاجتماعية للمواطنين، غير أن التعامل الأمثل للدولة والإجراءات الاستباقية التي قامت بها قبل انتشار الوباء وسياسة الدعم التي تبنتها بعد ذلك جنبت البلاد ولا تزال تجنبها “كارثة حقيقية”.
وتعد الجزائر واحدة من بين أوائل الدول التي اتخذت إجراءات استباقية واستثنائية في البلاد، تمثلت في وقف الرحلات الجوية والبحرية وإغلاق المدارس والجامعات والمساجد وتوقيف جميع الأنشطة الرياضية بما فيها المقابلات الرياضية.
البداية.. تعامل أمثل

ومنذ تحديد الحالات الأولى في ولاية البليدة، حيث أصيب 16 فردا من عائلة واحدة بفيروس كورونا بعد احتكاكهم برعايا جزائريين مقيمين بفرنسا، أدركت السلطات الجزائرية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خطورة الوضع، فوضعت فورا “استراتيجية شاملة لمكافحة هذا الوباء المستورد من الخارج”.
وعكس بعض البلدان التي تأخرت في التحرك ودفعت فاتورة باهظة لعدم اكتراثها وتحضيرها، تحركت الجزائر بسرعة دون إضاعة الوقت، فيما بقيت السلطات العليا في البلد وعلى رأسها رئيس الجمهورية تتابع عن كثب تطور هذه الجائحة، وذلك عبر أوامر يتم إسداؤها وفقا لتطور منحى الجائحة.
فارق النظرة والتسيير

ورغم أن الجزائر تفصلها بضعة أرقام فقط عن عتبة 100 ألف إصابة بفيروس كورونا، إلا أن الوضع الصحي الناجم عن تفشي كورونا في البلاد لا يعد خطيرا، بل يعد مستقرا بالنظر إلى الأرقام المخيفة التي تسجلها باقي دول العالم، بما فيها الدول المجاورة، فضلا عن مقارنة عدد المصابين الإجمالي بعدد سكان الجزائر الذي يفوق 43 مليون نسمة ومساحة الجزائر الشاسعة.
وخلافا لما حدث في الصين وفرنسا وعدد من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية مع بداية الوباء، حيث كان التعامل مع الجائحة كارثيا مع نقص فادح في وسائل الحماية والمستلزمات الطبية واليد العاملة، إضافة إلى تبادل الاتهامات ومحاولة تسييس الأزمة، تمكنت الجزائر من مواجهة الوضع بدون ارتباك، معتمدة على وسائلها ومواردها البشرية.
انضباط رغم بعض الاختلالات

ومثلما أشير إليه سابقا، بدأت الجزائر بغلق المدارس والثانويات والجامعات وهياكل الرياضة، والقيام بالموازاة مع ذلك بوضع حجر صحي “فعال ومرن حظي بالتزام المواطنين به رغم بعض الاختلالات التي تبقى عادية”.
وعكس بعض الدول التي أُّجبرت على الاستعانة بجيشها لفرض احترام قواعد الحجر، احترم الجزائريون في غالبيتهم العظمى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بخصوص الحجر، حيث كان أعوان الدولة أول المعنيين بالتقيد بقواعد الحجر والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، كما أن الجميع أحس بأنه معني شخصيا وجماعيا بهذه الحرب على الفيروس وهذا ما يفسر انخراط كافة طبقات المجتمع بدون تمييز في هذه المعركة ضد تفشي الفيروس.
مصارحة الشعب

ورغم أن كثير من الدول لم تكشف عن أرقامها الحقيقية فيما يخص الوباء، إلا أن الجزائر وعبر رئيسها تعهدت منذ البداية بمصارحة الشعب وكشف جميع الأرقام الحقيقية، بما فيها الحالات المؤكدة، وفي كل ولاية، وحالات الوفيات وتطور الوضعية الوبائية.
وفي أول خطاب له موجه للجزائريين الذين أصابهم الهلع، خاصة في الأيام الأولى لانتشار الوباء، طمأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون شعبه بأن “كل الأمور تحت السيطرة ولا داعي للهلع”، قائلا إن “الجزائر قادرة على مواجهة هذه المحنة”. وأشار الرئيس آنذاك إلى أنه “قبل انتشار الوباء كانت الجزائر تملك مختبراً واحداً لتحاليل الأمراض والأوبئة المعدية وهو معهد باستور في العاصمة، غير أن بالتعامل الأمثل للدولة مع الظرف تم توفير 26 مركزاً لتحاليل الكشف عن فيروس كورونا في البلاد خلال أشهر تفشي الوباء، في وقت لا يزال يوجد في عدد من الدول بضعة مراكز فقط”.
الثناء من الخارج

وما يؤكد نجاعة استراتيجية الحكومة التي تم تبنيها منذ بداية الوباء، هو ثناء وتثمين المنظمة العالمية للصحة لطريقة تعامل الجزائر مع الفيروس، في وقت لم تخف شكوكها في شفافية بعض الدول.
ورحبت منظمة الصحة العالمية بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لاحتواء الوباء على جميع المستويات، وأشادت بالمسؤولين الجزائريين عن قطاع الصحة الذين لم ينتبهم الفزع واتخذوا كل الإجراءات البراغماتية اللازمة منذ ظهور الحالات الأولى في البليدة.
كفاءة الأطباء

وساهمت جائحة كورونا في البلاد في استعادة متخصصي القطاع الصحي مكانتهم الاجتماعية وأطلق عليهم مصطلح “الجيش الأبيض” نظير التضحيات الجسام التي قدموها منذ بداية الوباء، إضافة إلى تطبيق صرامة في التعامل مع الأعمال الإجرامية التي تستهدفهم وذلك عبر قانون خاص يحميهم كان بمثابة “ورقة بيضاء” لصالحهم.
وأظهرت الأطقم الطبية الجزائرية كفاءة كبيرة واستطاعت رفع التحدي وبدأت العمل على أساس “البروتوكول الصحي الخاص” الذي يعد “مزيجا بين دواء محلي وآخر مستورد”، قبل تنفيذ خطة العلاج والتي تعتمد “الكلوروكين” كأساس دوائي.
وضحى الأطباء والممرضون كثيرا في هذه المعركة البطولية حيث أثبتوا مهارة عالية في عملهم لوأد هذا الداء العالمي. فقد كانوا سباقين إلى التوصية باستخدام الكلوروكين مصحوبة بمضادات حيوية وأدوية مضادة للفيروسات دون الوقوع في النقاشات العقيمة، واضعين صوب أعينهم هدفا واحدا هو العلاج والشفاء وإنقاذ الأرواح”.
وتعد مثل هذه الحالات فرصة سانحة للعلماء والطبيين بالخصوص للتعريف بكفاءاتهم العملية والمهنية في سياق تحول شامل في البلد ضمن مفاهيم جديدة تعيد كل شخص إلى مكانه ووضعه الطبيعي.
ثقة.. ثم نتائج

كما لم تتردد الجزائر في تطبيق علاج “الكلوروكين” على المصابين بفيروس كورونا وكانت من أوائل الدول التي قررت ذلك، وهو العلاج الذي أثبت نجاعته لاحقا، وساهم في تراجع عدد الوفيات مقابل زيادة حالات الشفاء.
واتبعت الجزائر في بداية الأزمة الصحية عدة طرق في الكشف عن الفيروس بينها “التشخيص الطبي” والتي أعطت “صورة حسنة في العالم بأن الجزائر دولة جندت كل وسائلها بما فيها التكاليف المالية التي وصلت إلى 100 مليون دولار”.
سياسة دعم

كما أقرت الجزائر عددا من الإجراءات الاقتصادية لمساعدة الفئات المتضررة من أزمة فيروس كورونا، من خلال التجميد الفوري لكل عمليات تسديد الأعباء المالية والالتزامات الضريبية وشبه الضريبية من المعنيين خلال فترة الحجر الصحي، بحيث لم تطبق أي عقوبات أو غرامات خلال تلك الفترة، وتكليف الوزراء المعنيين بإبلاغ البنوك وإدارة الضرائب، والإدارات التابعة لوزارة العمل والضمان الاجتماعى بفحوى هذا القرار.
كما تم إجراء تقييم دقيق للأضرار الناجمة والخسائر التى لحقت بالمتعاملين الاقتصاديين، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن الصغيرة، وذلك فى إطار شفاف ويتجنب التصريحات الكاذبة.
كما تم منح مساعدة مالية لأصحاب المهن الصغيرة، بقيمة 30000 دينار لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بناء على تقييم صارم لوضعية كل حالة، مع توجيه تعليمات للقطاع المالي من أجل ضمان تنفيذ التدابير المتعلقة بتسهيل الحصول على التمويل والتي سبق لبنك الجزائر أن اتخذها.
ولا يمكن لأي شخص عاقل أن ينكر فعالية هذه الإجراءات التي جنبت البلاد كارثة صحية واجتماعية حقيقية، وردت على ادعاءات البعض بأن المنظومة الصحية في الجزائر والكفاءات البشرية الموجودة في البلاد لا يمكنها مقاومة هذا الوباء، لكن النتيجة كانت “مواجهة الفيروس والصمود أمامه” ونحن اليوم ننهي هذه السنة أمام نوع من الاستقرار من حيث عدد الحالات المصابة وحتى الوفيات”.
مصطفى عمران










