جرائم فرنسا في الجزائر… حتى لا ننسى

 ارتكب الاستعمار الفرنسي إبان فترة الاحتلال جرائم ومجازر شنيعة ضد الشعب الجزائري، تعددت بطرق مروعة، فمن التقتيل الجماعي للسكان إلى النهب والسلب وتدنيس المقدسات مرورا بسياسة الأرض المحروقة، بغية إنهاء الوجود الجزائري بكل الطرق، وإذ تمر علينا اليوم الذكرى الـ62 لاندلاع أعظم ثورة في القرن العشرين، ثورة الأول من نوفمبر، وجب علينا كشف حقيقة فرنسا الاستعمارية من خلال اعادة التذكير بالمجازر و الجرائم الشنيعة المرتكبة في حق هذا الشعب المناضل.

لا تمر أي مناسبة تاريخية إلا و تسترجع معها صور الموت و المعاناة التي تكبدها الشعب الجزائري على مدار أزيد من قرن، صور خلّفها المستعمر لتكون شهادة ضد الجرائم و المجازر التي شنت ضد الشعب بتوجيه من القادة العسكريين أو من صانعي القرار في فرنسا، و من أجل تجريم جنرالات الاستعمار لا بد أن نبين بوضوح بشاعة الأفعال الإجرامية التي قاموا بها.

  

مجازر 8 ماي 1945 … خيانة شعب

يومها خرج الشعب الجزائري إلى الشارع في مظاهرات سلمية فرحا بانتهاء الحرب العالمية، ومطالبا النظام الفرنسي بالوفاء بوعوده وذلك بمنحهم حق تقرير المصير بعد التضحيات التي قدمها لإنقاذ فرنسا من براثن النازية، ولما حاولت الشرطة الفرنسية تفرقة المتظاهرين واغتيال المبادرة في مهدها باستعمال وسائل قمعية، حدثت مواجهات بين رجال الشرطة والمواطنين المتظاهرين في بعض مدن الشرق، تدخلت على إثرها القوات الفرنسية مستعملة السلاح الناري والعصي، إضافة إلى القوات العسكرية من المشاة والطائرات التي قصفت المدن والقرى لعدة أيام، وخاصة بسطيف وخراطة كما قامت بإبادة جماعية بقالمة، حيث جمعت القوات العسكرية المواطنين المتظاهرين وأوقفتهم في صف واحد بمنطقة “كاف البومبة” المتواجدة على قمة جبلية بـ “هيليوبوليس” ثم رمتهم بالرصاص ليسقطوا من على القمة الجبلية، وقامت بالعملية لعدة مرات ثم ردمت جثثهم في دفن جماعي بالمكان ونفس الصورة تقريبا حصلت في خراطة، حيث جمعت قوات الاحتلال السكان دون تمييز لجنس أو سن وقامت برميهم بالسلاح دون رأفة ولا رحمة والقذف بجثثهم في الوادي. وقامت في قالمة بحرق جثث المتظاهرين بعد أن قتلتهم رميا بالرصاص، ووصلت رائحة الاحتراق إلى المناطق المجاورة، كما قامت بإلقاء القبض على العديد من المتظاهرين فزجت بعضهم في السجن ولم يطلق سراحهم إلا يوم الاستقلال ومنهم من أعدم والكثير منهم نفتهم إلى دول بعيدة مثل زيلندا الجديدة. وكانت الخسائر التي تركتها فرنسا ما يفوق الخمس والأربعين ألف قتيلا من المواطنين العزل.

 

ملعب سكيكدة شاهد على مجازر 23 أوت 1955

بعد هجوم الشمال القسنطيني الذي جرى في منتصف نهار 20 أوت بقيادة الشهيد زيغود يوسف، وجهت القوات الاستعمارية ضربة قاسية ضد الشعب، الهدف منها الانتقام وقمع المدنيين في سكيكدة، الحروش، عين عبيد والميلية، كانت مجازر جماعية رهيبة وصلت إلى 12000 قتيل، قام بتنفيذها ضباط فرنسيون من بينهم العقيد أوساريس الذي عين ضابط المخابرات على سكيكدة في ربيع 1955، وهو الذي عذب وقتل وشنق المئات من العزل وشاركه في التعذيب والقتل الدرك والأمن والبوليس القضائي والمخابرات العامة وكذلك الأقدام السوداء وكان العنف الجسدي الأمر الواجب التنفيذ على الجزائريين العزل. كما قامت القوات الفرنسية بأنواعها بإطلاق النار على المواطنين العرب بالمدينة دون تفرقة بين الرجال والنساء والأطفال واعتقال المدنيين جماعيا، ثم ارتكبت عملية الإبادة الجماعية بالملعب البلدي من طرف الكتيبة الثامنة عشر، بقيادة الضابط المجرم أوساريس الذي قام باستعمال الجرافة لحفر خندق والردم الجماعي للجثث على طول الملعب، وكان عددهم حوالي 1500 جثة.

 

تفجيرات رقان النووية… شهادة “آنية” على بشاعة الاستعمار

13 أفريل 1960 تاريخ يتذكره الجزائريون بكثير من الألم عندما تم إطلاق سلسلة التفجيرات النووية التي قام بها الاستعمار الفرنسي في الصحراء الجزائرية، وفي منطقة رڤان على وجه الخصوص، محاولة منه للالتحاق بركب الدول المتقدمة في مجال الذرة والنواة في الستينيات من القرن الماضي، على حساب إحدى مستعمراته آنذاك، وكانت بذلك الجزائر ضحية هذا المسلسل الإجرامي الذي تبقى انعكاساته السلبية جلية على البيئة والإنسان والحيوان والنبات لحد الآن، بسبب انتشار الإشعاعات النووية، التي يبقى مفعولها مؤثرا على مدى عشرات السنين، حسب ما تؤكده الدراسات في هذا المجال.

وحرصت فرنسا في تنفيذ مسلسلها النووي، على تسمية كل تجربة بأسماء ألوان العلم الفرنسي، ففي صبيحة يوم 13 فيفري من سنة 1960، فجرت القنبلة الأولى تحت اسم اليربوع الأزرق، بطاقة تفجير بلغت 60 كيلوطن، بمنطقة حموديا الواقعة على بعد (60) كلم عن مدينة رڤان، ويقال إنها تعادل في قوتها ثلاث مرات قوة القنبلة النووية التي رمى بها الأمريكان على مدينة هيروشيما، تلتها بعدها تفجير قنبلة اليربوع الأبيض، بطاقة 10 كيلوطن، والثالثة سميت باليربوع الأحمر، و الرابعة بطاقة تفجيرية قدرها 10 كيلوطن، سميت باليربوع الأخضر.

قبل تفجير 13 فيفري 1960 لاحظ سكان منطقة رڤان بولاية أدرار، أنّ ثمة تحركات غير عادية للقوات الفرنسية التي اتخذت إجراءات صارمة ومراقبة دائمة للسكان، استخدمت فيها البيئة والمحيط من بشر وحيوانات ونباتات بسرية تامة، ولم يخطر للسكان أنهم سيصبحون أهدافا للتجربة النووية، وأنهم فئران بشرية للمخبر الفرنسي، وزرع الفرنسيون والقائمون على التجربة، كميات من البذور النباتية موضوعة بصناديق وطلبوا من السكان توزيعها ووضعها على مسافات معينة متباعدة عن مركز نقطة التفجير المقرر وتبعد الواحدة عن الأخرى مسافة نصف كيلومتر، ثم طلبوا من السكان جمعها بعد التجربة، لقد أخبرت السلطات العسكرية الفرنسية السكان آنذاك أن حدثا كبيرا سيقع في تاريخ معين حددته لهم، وأنه يتوجب عليهم فور سماعهم لدوي انفجار قوي، أن يجثموا على الأرض، وأن يضعوا رؤوسهم في التراب، وألا يعودوا إلى حالهم الذي كانوا عليه، إلا بعد عودة الأمور إلى طبيعتها الأولى وزوال صوت الانفجار وما يتبعه من آثار، كما أن السلطات العسكرية، أعطت كل شخص يقطن هناك قلادة بسيطة مع كل واحدة منها قطعة معدنية صغيرة، بها رقم تسلسلي يقابل هوية الشخص الذي يحملها وفق ما كان قد تم تقييده قبل توزيع القلادات، في سجلات خاصة تحضيرا لعملية الانفجار، لقد أوهم الفرنسيون السكان بتعليق أفلام التحسس الإشعاعي على صدورهم، وإخبارهم أنها “حروز” تقيهم من شر الإشعاع، والهدف من وراء ذلك، هو أن يتم التعرف على جثتهم في حال تشوهها من جراء الانفجار ولمعاينة الخبراء نتائجه على أجساد أشخاص تم اختيارهم ليكونوا موضوع تجارب، وقد قبل الناس آنذاك الفكرة كما طرح عليهم وأحاطوا رقابهم بالقلائد الفرنسية في سذاجة وبساطة.

 

جريمة نهر السين… وشهد شاهد من أهلها

الأراضي الجزائرية لم تكن لوحدها شاهدة على جرائم فرنسا ضد الشعب الجزائري، بل تشهد عليها أيضا الأراضي الفرنسية عندما سقت أراضي عاصمتها باريس بدماء 300 قتيل بعدما قامت بتاريخ 17 أكتوبر 1961 بمجزرة في حق متظاهرين جزائريين خرجوا من أجل المطالبة باستقلال الجزائر، فقامت قوات الأمن بالتعدي العنيف بالضرب والتعذيب على المتظاهرين ومن ثم رميهم بنهر السين وكانت نتيجتها 300 قتيل و400 مفقود، قتلوا بالغابات ومنهم من تم حرقه لأسباب عنصرية، وأكثر من 9 آلاف تم تعذيبهم داخل السجون لمدة 15 يوما.

 

جرائم السجون… حكاية أخرى

وقام الجنود العسكريون باستخدام وسائل تعذيبية غاية في البشاعة خاصة ضد المجاهدين الذين يتم القبض عليهم أو ضد أهاليهم و أقربائهم، و من بين الطرق التي كان يلجأ إليها الجنود الفرنسيون من أجل استنطاق المساجين الكي بالتيار الكهربائي حيث توضع أقدام المعذب في الماء ويصعق بالكهرباء، وتوضع الأقطاب بأذنيه أيضا ويجد الضباط والجنود المشرفون على التعذيب متعة كبيرة وهم يضحكون ويسخرون من السجين رجلا كان أو امرأة، كما كان الجنود يستخدمون طريقة أخرى أخطر من سابقتها والمتمثلة في الحرق بواسطة آلة الحملاج أو المشعل المستعمل في تلحيم المعادن “شاليمو” فيحرق جسم السجين لتترك آثارا وحروقا بكامل الجسم. إضافة إلى ذلك كان المستعمر يلجأ إلى الاغتصاب الجنسي للرجال والنساء حيث يقوم بتعرية السجين أو السجينة التي جُند زوجها أو ابنها أو حتى أخيها ولم تستطع قوات العدو مسكه، فتنتقم من ذويه بهتك أعراضهم. ناهيك عن وسائل و طرق أخرى أكثر وحشية كالكي بالسجائر وقلع الأظافر

واستعمال الكلاب المدربة.

 

في انتظار اعلان التوبة والاعتذار

ومع كل هذا، ما تزال فرنسا ترفض الاعتراف بماضيها الاستعماري الأسود وتصر على تجاهل إرثها التاريخي، بل راحت تتفنن في اختلاق الأعذار والتبريرات للإفلات من واجب الاعتذار، وابتكروا في سبيل ذلك فكرة “الاعتراف المتبادل” وهو مصطلح يستعمله الفرنسيون في تعاطيهم مع العلاقات الجزائرية في شقها التاريخي، لإزالة التشنج دون أن يصل ذلك إلى حد تقديم الاعتذار طالما أن كلمتي الاعتراف والاعتذار لم تدرجهما باريس في قاموسها السياسي والتاريخي. ساسة باريس قالوها صراحة بأنهم يريدون “اعترافا متبادلا” أي بعبارة أخرى المساواة بين الضحية والجلاد، ويعني هذا الطرح أن تعتذر الجزائر للجنود الفرنسيين الذين قتلوا على أيدي الثوار، وتفتح الجزائر بابها أمام الأقدام السوداء وكل الذين عملوا ضد الثورة، وتمكنهم من استعادة ممتلكاتهم، ويعني أيضا فتح الباب للحركى كي يزوروا الجزائر ويدفنوا فيها.

ويجمع الحقوقيون والمؤرخون على أن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بالجزائر إبان فترة الاحتلال لن تسقط بالتقادم، ويؤكدون على ضرورة اعتراف السلطات الفرنسية بتلك الجرائم، والاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عن الوحشية الاستعمارية، خاصة وأن فرنسا نوعت في جرائمها ضد الجزائريين فارتكبت جرائم ضد الإنسانية وضد الدين واللغة والاقتصاد، ويؤكدون بأن مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها إبان الفترة الاستعمارية ”مطلب شرعي” و”حق تاريخي”.