غاب الوشم عن أجساد الجزائريين، لأكثر من ثلاثة عقود لأسباب دينية ومجتمعية، إلا أن هذه الظاهرة عادت لتفرض نفسها بقوة في السنوات الأخيرة بعد أن تحول الوشم إلى إحدى صيحات الموضة التي يقبل عليها الشباب المتأثر بمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.
عرف الوشم في المجتمع الجزائري كوسيلة لعلاج بعض الحالات المرضية، وفي نفس الوقت كأداة للتزيين في وسط النسوة لاسيما في منطقة الأوراس، وقد تعددت أغراض استخدام الوشم، إلا أن شباب اليوم الراكض وراء هذه الظاهرة قد لا يعرف بالضرورة معنى ودلالات رموزها، لكنه يدرك بأنه شيء جميل ومختلف يستجيب لنداء البحث عن الجاذبية واللوك الجديد، فنلاحظ في أجساد بعض الشباب خاصة على مستوى الكتف أو الذراعين أو اليدين وحتى الصدر والبطن، وشوم مزينة بعدة رسومات بعضها عبارة عن أفاع، جماجم، وربما تكون الرسومات على شكل قلب يخترقه سهم، وما أكثر هذا النوع من الرسومات التي تعلن عن تيار الحب الجارف في عالم الشباب المهووس بالمشاعر الدافئة والأحلام الوردية.
.. وتقليد للمشاهير والنجوم
وفي بعض الحالات لا يكون الوشم إلا تقليدا لبعض المشاهير من الرياضيين ونجوم الفن، وما زاد من انتشار هذه الموضة خاصة في وسط الفتيات هو ابتكار “التاتواج” أو الوشم سهل الزوال، بحيث يزول تدريجيا مع مرور الوقت على خلاف الوشم الذي عرف منذ القدم، والذي يعتمد على الإبر لإدخال مادة الحبر تحت الجلد، وعليه لا يمكن أن يزول إلا بماء النار، ولقد سهّل حاليا التقدم العلمي إزالته بأشعة الليزر ما يسمح بتغيير رموزه ورسوماته.
“التاتو” لرسم الحواجب
والملفت أيضا، هو أن بعض النسوة يستعملن نوعا من الوشم الذي يصعب زواله لرسم الحاجبين وما حول الشفاه كنوع من الزينة، ومهما اختلفت أنواع الوشم ورموزه وكلماته، فإن غرض التجميل يجمع غالبا مستعمليه..
بين الموضة واللاوعي
يحكي عمي عمار البالغ 53 سنة وهو أحد الموشومين “أن الوشم ينزل في الجلد بواسطة أصباغ خاصة وبالإبر التي تدفع باللون داخل مساحات الجلد، ليتحول إلى جزء لا يتجزأ منه، وعملية إزالته تتم بالطريقة نفسها. ويجب سحب اللون من المسامات بالإبر، وما يرافق ذلك من متاعب وعذاب مضن لصاحب الوشم الذي يتألم كثيراً من أجل إزالته، وكان هذا قبل انتشار التخدير الذي أصبح ملازماً للعمليات الموجعة والمؤلمة التي تجري للإنسان”، وبالطبع تطورت عملية تنفيذ الوشم اليوم.
وأضاف عمي عمار: “أصبحت هناك وسائل جديدة ودقيقة تعمل على الكهرباء، وتستخدم أصباغاً جديدة، وهي أقل ألما توفر إمكانات كبيرة لجعل جسد الإنسان بكامله، لوحة زاخرة بالأشكال والرموز، حسب ميول الشخص وهوايته”.
بين التحريم الديني والتحذير الطبي
أما من وجهة نظر علماء الاجتماع، فإن التوشيم سلوك يعبر عن الحرية الفردية للأشخاص، كما يوضح حسين عبد اللاوي يوسف، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر الذي ربط الظاهرة بشخصية الإنسان ورغبته في التعبير عن أفكاره وإظهارها للناس عبر وشم معين.
ويضيف الباحث “أن الوشم كان يستعمل في القديم في الحروب مثلا لدى المساجين للتعبير عن الاضطهاد الذي يعيشونه، فيما استعمل في الجزائر أيضا خلال فترة الاستعمار، حيث كانت النسوة يشوهن به وجوه بناتهن حتى لا يتم اغتصابهن من قبل العساكر الفرنسيين، إلا أن مفهومه تغير في الوقت الراهن وأصبح موضة”.
في المقابل، يشدد رجال الدين على أن الوشم حرام ويجب الابتعاد عنه، كما يوضح الشيخ إبراهيم إمام مسجد بالقول “إن الوشم حرام في الدين الإسلامي، ومن يستطيع إزالته فليفعل ذلك”.
أما طبيًا، فينظر إلى الوشم بريبة، فقد حذر الدكتور عمر شنداح، من مخاطره، باعتبار أن الطريقة الحديثة لوضعه لها “تأثيرات سلبية على صحة الإنسان عكس السابق، لكون الحلاقين وغيرهم من غير المختصين ممن يمارسون التوشيم، لا يعرفون طبيعة المواد التي يستخدمونها في هذه العملية”، وبالتالي ينصح الأطباء بالابتعاد عن الوشم.
مراكز تجميل تُقدم الخدمة ومختصون يؤكدون تزايد عدد المقبلين
تقول الآنسة “نهى” مختصة وشم وتجميل بالعاصمة: “الوشم معروف منذ آلاف السنين، حيث استخدمته الشعوب القديمة كتعويذه ضد الموت في الديانات الوثنية وضد الروح الشريرة وللحماية من السحر، بينما استخدمه العرب كعلاج يمنع الحسد بين القبائل، وكذلك للزينة والتجميل”.
وتُعَرّف “نهى” لنا الوشم بأنه ثقوب يتم تحديد مكانها في الجسم بقلم دوار في مقدمته إبرة تحمل الصبغة إلى الجزء المخصص في الجلد والمراد الرسم عليه، وهذه العملية تتطلب دقة متناهية وتستغرق من ساعة إلى ساعتين تقريبا حسب مهارة الواشم.
وتضيف نهى “هناك أنواع عديدة من رسومات الوشم أغلبها رسومات من الطبيعة، فالبعض يختار الرسومات التي تعبر عن القوة والصلابة، وأحيانا القوة الشخصية مثل رسومات الجماجم والأفاعي وغيرها، والبعض وهم كثيرون يختارون الرسومات التي تعبر عن الحب الجارف أو العرفان بالجميل لشخص بعينه، وبعضهم من يقلد مشاهير النجوم في رسوماتهم المجنونة سواء كانت من فروع الشجر أو الورود في مناطق ظاهرة من الجسد “.
وعن أعمار زبائنها وجنسهم، تقول نهى “الشباب من الجنسين يقبلون على دق الوشم وإن كان الذكور أكثر من الفتيات، كما أن الكتف أكثر أماكن الجسد التي يوشم فيها وأحيانا البطن والصدر، وتتراوح أعمار زبائننا من 25 إلى 35 سنة، أغلبهم من الطبقة الغنية بالمجتمع ممن يلهثون وراء الموضة”.
وأوضحت “نهى”، أن الموضة المنتشرة الآن بين الشباب من الجنسين هي رسومات الحب الجارف وكتابة أسماء الحبيب للتأكيد على الارتباط الأبدي، فالوشم لا يمكن إزالته إلا بماء النار أو من خلال عملية جراحية يتم فيها إزالته باستخدام الليزر، وسجلت المتحدثة أن “غالبية الأشخاص الذين يقدمون على الوشم مصابون باضطرابات سلوكية وانحرافات ومشكلات نفسية”، على حد قولها.
ق. م