* مكافأة المرأة في العيد على “معركة مطبخ رمضان”
لا تقتصر عادات الجزائريين في عيد الفطر على صنع الحلويات وشراء ملابس الأطفال والتزاور فقط، بل يحرصون على المحافظة على عادات قديمة ورثوها جيلا بعد آخر وأخرى أعادوا إحياءها أهمها عادة “حق الملح”، التي لاحظنا عودتها ولو بصورة محتشمة، فما قصتها؟
تعود تسمية حق الملح إلى اضطرار الزوجة أحيانا عند إعدادها الطعام لأسرتها خلال شهر رمضان إلى تذوّق الأكل دون ابتلاعه للتأكد من اعتدال ملوحته.
تعب شهر يقابله مكافأة يوم العيد
تشقى النساء في شهر رمضان المعظّم ويتعبن من أجل تقديم ما لذ وطاب لعائلاتهن مع قضاء شؤون المنزل رغم تعب الصيام دون تذمر، مما جعل الجزائريين يخصصون عادة في يوم عيد الفطر تسمى “حق الملح”؛ تكريما لزوجاتهم واعترافا لهن بالجميل وتقديرا لتعبهن طوال شهر رمضان.
تعود تسمية حق الملح إلى اضطرار الزوجة أحيانا عند إعدادها الطعام لأسرتها خلال شهر رمضان إلى تذوّق الأكل دون ابتلاعه للتأكد من اعتدال ملوحته.
طقوس “حق الملح”
في عيد الفطر يخرج الرجال مبكرا لأداء صلاة العيد وتبقى النسوة في البيت للاهتمام بملابس الأطفال وتحضير الطعام وترتيب البيت ووضع البخور، وتتزين وتلبسن ملابس جديدة ثم تحضر ربة البيت القهوة والحلويات في انتظار عودة زوجها.
وعند عودته يحتسي الرجل القهوة مع أفراد العائلة، لكنه لا يرجع الفنجان فارغا، بل يضع فيه خاتما أو قطعة ذهبية أو نقودا، ليكون هدية لزوجته تعبيرا منه على امتنانه وشكره لها على مجهودها الذي بذلته خلال شهر رمضان المبارك.
عادة قديمة عادت للظهور
ضجت مواقع التواصل في عيد الفطر من السنة الماضية، بمنشورات لسيدات عرضن صورا لهدايا “حق الملح”، وهو ما أثار السجال في التعليقات بين من رأين ذلك تفاخرا ليس في محله وبين من تحسرن على تجاهل أزواجهن وعدم اعترافهم بالمجهودات التي بذلناها.
تقول إيمان “يحرص زوجي كل عام على إعطائي حق الملح اقتداء بوالده -رحمه الله- الذي لم يتخلَّ عن تلك العادة طوال حياته”، وتضيف ضاحكة “الحمد لله أن حماي كان حريصا على هذه العادة الجميلة وورثها زوجي عنه، فنحن النساء نستحق هدية العيد ولو كانت رمزية؛ لكنها ليست ضرورية لأن ما نقوم به واجب تجاه أسرنا، لكن لا بأس بلفتة جميلة تنسينا التعب”.
تقدير للمجهود
أُوجدت عادة “حق الملح” للاعتراف بالجميل للمرأة وليس نوعية الهدية في حد ذاتها، فهي تختلف من بيت إلى آخر حسب ذوق الزوج وظروفه المادية، فمنهم من يقدم خاتما من الذهب وآخر قطعة فضية ومنهم من يضع نقودا في الفنجان، وواحد يكتفي بشراء ملابس جديدة لزوجته أو يعطيها ثمن قطعة الذهب أو اللباس.
من جهته يقول هشام “أنا حريص على عادة حق الملح لأنني أرى بعيني كم تتعب زوجتي من أجلنا في رمضان، ونحن الرجال مهما فعلنا لن نوفيهن حقهن بصراحة، وأقل واجب هو تقديم حق الملح لهن كي لا نكون ناكري جميل”.
عادة منذ 500 عام
وتؤكد الدراسات الخاصة بالموروث التقليدي الجزائري، أن هذه العادة قديمة منذ 5 قرون بالجزائر، وانتقلت إلى كل من تونس والجزائر خلال فترة تواجد العثمانيين بهذه المنطقة العربية منذ القرن الـ16، وانتقلت بعد ذلك إلى المغرب.
وتشير تلك الدراسات إلى أن “حق الملح” عادة إسعاد الزوجة واعتراف بجميلها لزوجته صباح يوم عيد الفطر، تكون عبارة عن هدية يقدمها لزوجته، وتختلف طبيعة الهدية بين الحناء أو قطعة ذهبية توضع في كأس القهوة أو قطعة من القماش والتي تسمى في الموروث الجزائري بـ “محرمة الفتول”.
و”حق الملح” مستمدة أصلا من التراث اللغوي لسكان المغرب العربي لاسيما الجزائر، إذ أن كلمة “الملح” تعني “العشرة” ويقال “أكل ملحي” والتي تعني بأن ذلك الشخص دخل منزل القائل وأكل من زاده، بينما يُقصد في معناها العميق أن “من أكل ملحك أصبح واحدا من أفراد العائلة وباتت تربطك به عشرة تشبه صلة الرحم”.
و”حق الملح” يعني “رد الجميل بالجميل”، أي إنصاف المرأة بهدية في عيد الفطر على “الملح” أو “الأكلات” التي قدمتها لعائلتها طوال شهر رمضان.
لمياء بن دعاس