-
حميد سعدي.. التعليم الموازي أصبح يفرض نفسه بقوة في الساحة التعليمية
في سياق وطني يتصاعد فيه الجدل حول واقع المدرسة الجزائرية وتنامي ظاهرة الدروس الخصوصية بما تحمله من أعباء تربوية واجتماعية واقتصادية، التأم، الأحد، ملتقى وطني علمي هام أعاد هذا الملف الشائك إلى صدارة النقاش العمومي، باعتباره أحد أبرز التحديات التي تهدد مبدأ تكافؤ الفرص وجودة التعليم العمومي.
حدثٌ وُصف بالمفصلي، جمع مختلف الفاعلين في الحقل التربوي من خبراء وأكاديميين ومفتشين وممثلي الأولياء، للبحث في الأسباب العميقة للظاهرة واستشراف حلول واقعية قابلة للتجسيد، تحت وصاية الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ، برئاسة حميد سعدي، الذي أطلق ملتقاه الوطني الرابع الموسوم بدراسة استراتيجيات الحد من الدروس الخصوصية في الجزائر، في مبادرة تعكس انتقال النقاش من مربع التشخيص إلى أفق المعالجة العلمية والتشاركية.
وضع المدرسة العمومية في صلب الاهتمام..
الملتقى يكتسي أهمية خاصة كونه يضع المدرسة العمومية في صلب الاهتمام، ويسعى إلى استعادة دورها المحوري في بناء مجتمع المعرفة، عبر مقاربة متوازنة تُنصف التلميذ، وتحفظ كرامة الأستاذ، وتخفف الضغط عن الأسرة، في ظل تحديات تربوية متسارعة تفرض حلولًا جريئة ومسؤولة. ويأتي الملتقى، والذي ينظم على مدار يومين بالمكتبة الوطنية بالحامة – الجزائر العاصمة، بالتعاون مع مخبر علم النفس العصبي والمعرفي والاجتماعي بجامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، كخطوة عملية لمواجهة إحدى أكبر التحديات التي تهدد المنظومة التعليمية. وفي كلمته خلال افتتاحه الملتقى قال رئيس الاتحاد حميد سعدي أن الملتقى الوطني الرابع للاتحاد الوطني الأولياء التلاميذ، الموسوم بـ “ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية الأسباب والحلول”، هي قضية تربوية واجتماعية أصبحت تفرض نفسها بقوة في الساحة التعليمية، لما لها من انعكاسات مباشرة على التلميذ، والأسرة، والمؤسسة التربوية.
من حالات استثنائية إلى ممارسة واسعة الانتشار..
وأبرز أنه يأتي هذا الملتقى امتدادًا لمسار فكري وتربوي انتهجه الاتحاد الوطني الأولياء التلاميذ، انطلاقا من: الملتقى الوطني الأول حول المناهج التربوية والملتقى الوطني الثاني حول المرافقة التربوية والنفسية للتلميذ، والملتقى الوطني الثالث حول البرامج التربوية قائلا: “نحن اليوم نواصل هذا المسار بالوقوف عند ظاهرة الدروس الخصوصية، التي مست جميع الأطوار الدراسية، من الابتدائي إلى المتوسط والثانوي، وتحولت من حالات استثنائية إلى ممارسة واسعة الانتشار، تطرح العديد من التساؤلات حول أسبابها، وتداعياتها، وحدودها القانونية والبيداغوجية. يأتي هذا بعد أن نوه المتحدث بالرئاسة الشرفية لوزير التربية محمد صغير سعداوي لهذا الملتقى الوطني الرابع، وهو ما اعتبره دعما معنويا هاما المساعي الاتحاد، ودليلا على حرص الوصاية على مرافقة المبادرات الجادة التي تهدف إلى تشخيص ومعالجة القضايا التربوية، وفي مقدمتها ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية، في إطار الحوار والتشاور والمسؤولية المشتركة. وأضاف سعدي، إن طرح هذا الموضوع لا يهدف إلى الاتهام أو التشكيك بقدر ما يهدف إلى الفهم والتحليل والتشخيص، والبحث عن حلول عملية وتشاركية، تحفظ حق التلميذ في تعليم عمومي نوعي وتصون كرامة الأستاذ، وتخفف الأعباء عن الأولياء، وتعزز مكانة المدرسة العمومية ودورها المحوري في بناء المجتمع. كما يؤكد في الاتحاد الوطني الأولياء التلاميذ أن معالجة هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون إلا من خلال مقاربة شاملة، تشارك فيها جميع الأطراف المعنية، بالاعتماد على معطيات ميدانية. واقعية، ورؤى تربوية متزنة، وتوصيات قابلة للتجسيد. وفي هذا المقام، توجه حميد سعدي بشكر خاص وعرفان كبير إلى مموني الاتحاد الوطني الأولياء التلاميذ من خلال شركة التأمين CIAR وشركة مصير MACIR VIE نظیر دعمهم المتواصل وثقتهم في نشاطات الاتحاد، ومساهمتهم الفعالة في إنجاح هذا الملتقى، بما يعكس روح الشراكة والمسؤولية الاجتماعية. وفي الختام، يأمل المتحدث أن تكلل أشغال هذا الملتقى بتوصيات عملية تخدم مصلحة التلميذ، وترتقي بالمدرسة الجزائرية، وتسهم في تطوير المنظومة التربوية الوطنية.
بحث حلول علمية واقعية لتعزيز فعالية المدرسة العمومية
وشهد الملتقى، تنظيم جلسات علمية نشطها خبراء وأساتذة جامعيون ومفتشون، وممثلي أولياء التلاميذ لدراسة أسباب تفشي الدروس الخصوصية واقتراح حلول علمية واقعية، مع التركيز على تعزيز فعالية المدرسة العمومية وتطوير قدرات المعلمين. وتتوزع أشغال الملتقى الذي يدوم يومين كاملين على عدة محاور، من بينها: من استراتيجيات الدعم البيداغوجي إلى ظاهرة الدروس الخصوصية: تحديات في مواجهة المدرسة، المدرسة الجزائرية بين التعليم الرسمي والتعليم الموازي: تشخيص أسباب انتشار الدروس الخصوصية واستراتيجيات الحد منها مع التطرق إلى تعليم الظل أو التعليم الموازي: تحليل ونقد رؤية البروفيسور مارك براي. وشهد اليوم الأول، التطرق إلى مواطن الضعف في التعليم العمومي وأسباب ذلك في ضوء نظرية “John Sweller” الخاصة بالعبء المعرفي مع ابراز الأزمة البنيوية في المدرسة العمومية بين ضعف التسيير وتآكل الجودة. كما تم التوقف عن تكوين المعلم وتنوع تخصصاته القاعدية وأثره على المردود التربوي، وأجمع المتدخلون في هذا الصدد، أنه تشكل هذه الظاهرة ضغطًا متزايدًا على الأسر والقطاع التعليمي على حد سواء، في ظل تدني نتائج التلاميذ وتفاوت جودة التعليم العمومي، وظهور ثغرات في التكوين المهني ونظام التقويم المدرسي. وقام المتدخلون باستشراف حلول عملية للحد من الاعتماد على الدعم الخارجي، وإعادة ثقة الأولياء في المدرسة العمومية كرافد أساسي لتعليم ناجح ومستدام بعد أن تم التركيز على دراسة مواطن ضعف التعليم العمومي، وتكوين المعلم وأثر تخصصاته على جودة التعليم، بالإضافة إلى تقييم دور دروس الدعم الخارجي في تقدم التلميذ.
بحوث أكاديمية تبحث في الأسباب العميقة لانتشار الدروس الخصوصية
كما ركزت المداخلات العلمية التي عالجت الظاهرة من زوايا نفسية وبيداغوجية واجتماعية، في سياق بحث أكاديمي جاد عن الأسباب العميقة التي جعلت الدروس الخصوصية تتحول من ممارسة هامشية إلى خيار شبه إجباري لدى شريحة واسعة من التلاميذ والأولياء، وسط إجماع على أن الإشكال يرتبط أساسًا بفعالية التعليم داخل المدرسة العمومية.
كيف يدفع العبء المعرفي التلاميذ نحو الدروس الخصوصية
وفي هذا الإطار، قدّمت الدكتورة بوخراز آسية، أستاذة محاضرة “أ” بجامعة لونيسي علي البليدة 2، رفقة طالبة الدكتوراه موساوي مروة، مداخلة علمية تمحورت حول مواطن الضعف في التعليم العمومي الجزائري وأسبابها في ضوء نظرية العبء المعرفي لجون سويلر. وأبرزت المداخلة، أن ضعف التحصيل الدراسي لا يعود إلى قصور قدرات المتعلمين، بل إلى ارتفاع العبء المعرفي الناتج عن سوء تنظيم المحتوى وكثافته، إلى جانب الطرائق التقليدية في التدريس والاكتظاظ وضعف التكوين البيداغوجي، وهي عوامل ترهق الذاكرة العاملة وتُعيق بناء الفهم العميق. وأكدت المداخلة، أن البيئة الصفية والمضامين التعليمية الحالية ترفع من العبء المعرفي الداخلي والخارجي، ما يدفع التلاميذ للبحث عن حلول تعويضية خارج المدرسة، في مقدمتها الدروس الخصوصية. كما شددت على أن تحسين جودة التعليم يمر حتمًا عبر اعتماد استراتيجيات مستمدة من نظرية العبء المعرفي، مثل الأمثلة المحلولة، وتنظيم المعرفة في مخططات، وتبسيط الأهداف، والتركيز على الفهم بدل التلقين، معتبرة أن هذه المقاربات تمثل مدخلًا علميًا عمليًا لإصلاح الممارسة الصفية.
تكوين المعلم في صلب إصلاح المدرسة العمومية
كما برزت مداخلة أكاديمية لافتة، تناولت أحد أهم محاور إصلاح المدرسة الجزائرية، والمتعلق بتكوين المعلم وأثر تنوع تخصصاته القاعدية على مردوده داخل القسم الدراسي. وقدّمت هذه المداخلة الدكتورة سهيلة بوطيب، أستاذة التعليم الابتدائي للغة العربية، حاملة شهادة دكتوراه في اللسانيات التطبيقية – دراسات لغوية، والمنتمية إلى جامعة تيسمسيلت – الجزائر. وجاءت المداخلة الموسومة بعنوان “أثر التوجهات الحديثة في إعداد معلم اللغة العربية بين الواقع والمأمول – بعض مدارس ولاية الوادي أنموذجا” لتؤكد أن المعلم يشكّل المدخل الأساسي للعملية التعليمية، وأن الارتقاء بمستوى أدائه ينعكس مباشرة على جودة المخرجات التعليمية، خاصة في ظل التحولات البيداغوجية التي تعرفها المدرسة الجزائرية مع إصلاحات الجيل الثاني. وسعت الباحثة من خلال ورقتها العلمية إلى الإجابة عن إشكالية محورية تتعلق بالتوجهات الحديثة لإعداد معلم اللغة العربية، مع التطرق إلى واقع هذا الإعداد، ومعايير الجودة الشاملة، والاستراتيجيات المعاصرة في التكوين البيداغوجي قبل الخدمة وأثناءها. واعتمدت في ذلك على مقاربة تجمع بين الإطار النظري والدراسة الميدانية. دراسة ميدانية تشرح الوضع التربوي وتبرز دور المعلم في جودة التعليم. وشملت الدراسة الميدانية عينة استطلاعية قوامها 83 أستاذا للتعليم الابتدائي ينتمون إلى أربع مؤسسات تربوية ابتدائية بمدينتي سوف وقمار بولاية الوادي، وذلك خلال الفترة الممتدة من 8 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 2025، حيث تم توظيف أداة الاستبيان لتقييم واقع إعداد معلمي اللغة العربية في ضوء التوجهات الحديثة. وأظهرت نتائج الدراسة، أن 66.5 بالمائة من أفراد العينة عبّروا عن موافقتهم على برامج التكوين المعتمدة، مقابل نسبة محايدة لم تتجاوز 8 بالمائة، غير أن الأساتذة. شددوا في الوقت ذاته، على ضرورة تطوير هذه البرامج من حيث المحتوى والمنهج، عبر إدماج الجوانب النفسية، والتربوية الحديثة، وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، إضافة إلى الجانب القانوني، مع إسناد مهام التأطير لمختصين ذوي كفاءة وخبرة. وخلصت المداخلة، إلى أن الاتجاهات الحديثة تمثل ركيزة أساسية في تحسين إعداد معلم اللغة العربية ورفع مردوده المهني، بما ينعكس إيجابا على التحصيل اللغوي والمعرفي للمتعلمين، مؤكدة ضرورة تحديث برامج التكوين، وتعزيز البحث العلمي لدى المعلمين، وتنظيم دورات تدريبية مستمرة لمواكبة التحولات التربوية والتكنولوجية، بما يخدم أهداف المدرسة الجزائرية ويعزز جودة التعليم العمومي. في تشخيص علمي دقيق لواقع المنظومة التربوية، تناولت الباحثة دراس شهرزاد من جامعة وهران 2 – محمد بن أحمد، في مداخلة أكاديمية، إشكالية المدرسة بين التعليم الرسمي والتعليم الموازي، من خلال تحليل أسباب انتشار الدروس الخصوصية واستراتيجيات الحد منها، في سياق يعكس تحولات عميقة شهدها القطاع خلال العقود الأخيرة. وأبرزت المداخلة، أن الدروس الخصوصية انتقلت من مبادرات فردية محدودة إلى تعليم موازٍ قائم بذاته، يفرض منطقه داخل المجتمع ويؤثر مباشرة على وظائف المؤسسة التربوية. وبيّنت أن توسع الظاهرة جاء نتيجة تداخل عوامل تربوية وبيداغوجية، وأخرى اجتماعية واقتصادية ومؤسسية، ما جعلها تعكس اختلالات بنيوية في المنظومة التعليمية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة المدرسة الجزائرية على الاستجابة لتحديات العصر. وطرحت الدراسة إشكالية مركزية مفادها مدى ارتباط انتشار الدروس الخصوصية بخلل هيكلي ومدى نجاعة الاستراتيجيات المعتمدة للحد من الظاهرة واستعادة فعالية المؤسسة التعليمية.
التعليم الموازي أو “الظل التربوي”.. جزء من المشهد التعليمي
وفي إطارها النظري، أكدت الدراسة أن التعليم الموازي أو “الظل التربوي” أصبح جزءا من المشهد التعليمي، لكنه يعكس في المقابل ضعفا في أداء المدرسة الرسمية وتراجعا في ثقة الأسر بها. وخلصت إلى أن معالجة الظاهرة لا يمكن أن تتم دون إصلاح مؤسسي شامل يرتكز على تحسين الجودة البيداغوجية، وترسيخ العدالة التربوية، وتنظيم سوق الدروس الخصوصية، مع استعادة المدرسة الرسمية لوظيفتها التربوية الكاملة. وشددت الباحثة في ختام مداخلتها، على أن مواجهة الظاهرة تتطلب تضافر جهود وزارة التربية والمعلمين والأولياء والمجتمع المدني والجهات الأكاديمية، باعتبار أن هذا الإصلاح يعزز العدالة التربوية ويقوي الثقة في المدرسة الجزائرية كمؤسسة عمومية ذات قيمة اجتماعية مركزية.
مطالب بإصدار تعليمة وزارية لمنع استعمال قاعات السينما والمسرح للدروس الخصوصية
وعقب المداخلات، تم اقتراح حلول من أبرزها تخفيف المناهج بصورة مدروسة والاعتماد على توزيع البرنامج الدراسي على فصلين دراسيين عوض ثلاث فصول حتى يتسنى للأساتذة القيام بالمراجعة اللازمة مع التلاميذ داخل الأقسام قبل كل نهاية فصل الأسبوع أو أسبوعين. كما تمت توجيه دعوة إلى إصدار تعليمة من طرف وزير التربية تمنع منعا باتا استعمال قاعات السينما والمسرح من أجل دورات المراجعة المكثفة التي يشارك فيها مئات الطلبة وتجريم ذلك ومعاقبة المخالفين بالحبس والغرامة المالية المرتفعة كأسلوب ردع مع اشتراط ان لا يتجاوز أو أن لا يتخطى عدد التلاميذ في دروس الدوري الأربعين وأقل من ذلك وفي قاعات تحترم جميع الشروط المطلوبة.
سامي سعد















