أمة التضحيات والبطولات: لقد شرع الله تعالى لعباده المؤمنين سنة التدافع، قانونا سماويا لا يقبل التبديل ولا التحويل، فقال تعالى” ولولا دفٰع ا۬لله ا۬لناس بعضهم ببعضٖ لهدمت صوٰمع وبيعٞ وصلوٰتٞ ومسٰجد يذكر فيها ا۪سم ا۬لله كثيراٗۖ ولينصرن ا۬لله من ينصرهۥٓۖ إن ا۬لله لقوي عزيزۖ ” سورة الحج:38، فأوجب على أمة الإسلام أن تنصر الحق المبين، وتبذل في تحقيق غايته كل سبب مشروع، وقد ابتلى الله عز وجل بلادنا الجزائر باحتلال أهل الكفر قرنا وثلثا، فانتهكوا إبانه الأعراض، واستباحوا الحرمات، وارتكبوا المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، فكان من الواجب الشرعي على أمة التوحيد أن تهب لتخليص ديار المسلمين من الكفار الملحدين، وأن تنهض من سباتها؛ وتستيقظ من رقادها لتحطيم قيود المستدمر الغاشم، محتذية في ذٰلك ببطولات الأوائل من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن تبعهم بإحسان، فاستندت أمتنا إلى ماضيها التليد، وتوكلت على العزيز الحميد، فأشعلت فتيل الجهاد المبارك تحت راية الإسلام في ربوع هٰذا البلد المسلم الأبي، فقامت ثورات مشرقة هنا وهنالك على يد المخلصين من أبناء هٰذا الوطن الغالي، فأدت واجب الذود عن حياض المسلمين؛ ورفع راية الحق المبين، كلما خبت ثورة اتقدت أخرى، وكلما استشهد رجال خلفهم أبطال، إلى أن هب بواسل نوفمبر سنة أربع وخمسين وتسعمائة وألف؛ هبة الأحرار، فأعلنوها صرخة مدوية في سماء الحرية :الله أكبر على دولة الطغيان، الله أكبر على من أراد استعباد الإنسان، الله أكبر على من أعلن الحرب على عقيدة الإيمان، الله أكبر على من أباد قبائل وقرى وخرب العمران، إنهم فتية آمنوا بربهم، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، أمة الذكرى: إن ذكرى الجزائريين الأحرار لا تنسى الأيام السوداء التي مرت بنا، وعصفت بأمتنا – أمة الإباء والفداء -، والذي يتصفح سجل تاريخ الاستعمار الفرنسي لبلادنا لا يجد فيه صفحة واحدة بيضاء نقية؛ دمر العمران، وخرب الذاكرة، وطمس الهوية، وقتل الأبرياء العزل، وروع الآمنين، وهجر المواطنين؛ فأخرجهم من ديارهم، ونفى آخرين عن وطنهم، وقطع أرحامهم، وعاث في الأرض فسادا. وفي خضم تاريخ المستعمر الملطخ بالدماء، تمر بنا ذكرى أليمة وقعتها أيادي الاستدمار الآثمة في حق شعبنا الأعزل، إنها ذكرى اليوم الوطني للهجرة، والمشهورة بمجزرة نهر السين بالعاصمة الفرنسية پاريس – عاصمة الحريات وحقوق الإنسان في زعمهم -، إنها مجزرة السابع عشر من شهر أكتوبر 1961م.
الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر