خير الشعب قائلا  امّا  السلم وإمّا الاقتتال.بوتفليقة قبل 16 سنة: أتعهد أمام الله أنّني قادر على إخماد نار الفتنة”

elmaouid

وكانت البداية قبل 16 سنة، حين توجه رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بكلمات صريحة إلى الشعب تضمنت خطته السياسية وأولوياته التي ردّدها مرارا في عديد خطبه منها ما قال فيها: “أنا جئت رسول حب

وسلام”، داعيا الشعب إلى الوقوف وقفة رجل واحد لإنقاذ الجزائر من محنتها قائلا “إنّ الجزائر تناديكم بجراحها وأمواتها وضحاياها”.

وفي خطاب آخر للشعب قال: “جئتكم من أجل الوئام الوطني وقواعد المصالحة الوطنية واضحة”، فإمّا يريد الشعب السلم وإمّا يريد الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد وبنات الوطن الواحد”. وأقسَمَ أنّه سيحارب ذلك الواقع المر إلى آخر رمق، مضيفا:”أتعهد أمام الله أنّني قادر على إخماد نار الفتنة”.

سياسة ترقية الوئام الوطني إلى مصالحة وطنية لم يكن بالأمر الهين من حيث التطبيق بالنظر إلى عمق الأزمة وتشابكها وهو ما تطلب جهودا جبّارة لحمل الجزائريين على الالتفاف حولها ودعمها.

وتم تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بوصفه قانونا في 28 فيفري 2006، وهو الميثاق الذي قدمه رئيس الجمهورية، لإنهاء سنوات المأساة الوطنية، من خلال عفو عن معظم أعمال العنف التي تم ارتكابها خلال العشرية السوداء.

 

حصيلة المصالحة الوطنية بالأرقام

وأنهت المصالحة الوطنية، سنوات الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر،  أواخر 1991، والتي خلفت 200 ألف قتيل أومفقود في مجازر وحشية، وكلفت البنية التحتية للبلاد 30 مليار دولار.

وكانت حصيلة سنوات الأزمة الأمنية في الجزائر ثقيلة، حيث تم تسجيل أكثر من 7100 مفقود وتدمير 4 آلاف مؤسسة إنتاج ومصانع وفقدان 400 ألف منصب شغل إضافة إلى عدد من المعطوبين والنساء المغتصبات وأطفال الجبل وعشرات الأشخاص الذين طردوا من وظائفهم وقد نجح مشروع الرئيس في استرجاع الأمن للجزائر.

وقد حصل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على موافقة 97.36 بالمائة من الناخبين، ويتضمن الميثاق، والذي تبع قانون عام 1999 بشأن “الوئام المدني” وتدابير العفوالعام، العفو على “الإرهابيين” الذين سلموا أسلحتهم، باستثناء المذنبين في جرائم القتل الجماعي والهجمات التفجيرية على المنشآت العامة والاغتصاب. ويشمل المحكوم عليهم غيابيًا.

 

 

التمسك بالمصالحة الوطنية يكلل بتوبة  15 ألف مسلح

 

وبلغة الأرقام، استفاد أزيد من 9 آلاف شخص من تدابير المصالحة، بينما شهد الـ 12 سنة الأخيرة تحييد نحو ألفي مسلح، وتمّ استرجاع 15 ألف قطعة سلاح، وتعويض عائلات 11 ألف مسلح لقوا حتفهم قبل 2006، وجرى إحصاء 7125 عائلة مفقود، كما شملت التعويضات 90 بالمائة من عائلات المفقودين، كما جرى الحسم في 40 ألف ملف لضحايا المأساة الوطنية.

وتمّ إقرار إجراءات تكميلية، مسّت مغتصبات الإرهاب اللائي تشير إحصاءات غير رسمية إلى بلوغ عددهنّ 18 ألف امرأة. وتكلل التمسك بالمصالحة الوطنية بتوبة ما يربو عن 15 ألف مسلح، بالتزامن مع تحييد 22 ألفا، وتفكيك 182 شبكة من مجموعات الدعم والإسناد.

ومكنت إجراءات ميثاق السلم والمصالحة الوطنية من إدماج الأطفال المولودين بالجبال وعددهم يربو عن الخمسمائة طفل، وبعض هؤلاء نزلوا بصحبة آبائهم التائبين، فيما يبقى “أطفال الجبال” بحاجة إلى نصوص تشريعية تثبت نسبهم وتضمن حقوقهم كاملة، حيث يطالب متابعون للملف، بمعالجة بعض “الاختلالات” عبر التكفل بمن يُطلق عليهم “منسيو المصالحة الوطنية”، على غرار “معتقلو الصحراء” وهم أشخاص يزيد عددهم عن 15 ألفا قضوا سنوات في محتشدات الصحراء وتمّ إطلاق سراحهم من دون أي محاكمات.

 

ترقب عفو شامل لإنهاء المأساة

وفي فيفري 2016، قال فاروق قسنطيني، رئيس الهيئة الاستشارية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي تم استبدالها بعد التعديل الدستوري بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قرر فتح ورشة جديدة لتعزيز إجراءات المصالحة الوطنية، بعد دخول الدستور المعدل حيز التنفيذ بما يجسد “دسترة” المصالحة التي قطعت أشواطا مهمة اعتبارا من تاريخ إقرارها في العام 2005 بموجب تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

وقال قسنطيني إن الرئيس بوتفليقة “سبق له أن تعهد بتوسيع المصالحة الوطنية بغية ترقيتها وترسيخها كقيمة مضافة لحماية الجزائر وطي صفحات أليمة من تاريخها الحديث”.

ويعتبر أن فتح ورشة جديدة سيكون الحل الأمثل لمعالجة الاختلالات التي شابت تطبيق بنود ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، مبرزا أن الدستور الجديد تطرق في ديباجته لأول مرة إلى قضية المصالحة الوطنية بتأكيده أنّ “الشعب الجزائري واجه مأساة وطنية حقيقية عرضت بقاء الوطن للخطر”.

وشدد قسنطيني، على أن بوتفليقة يحوز الآن على كل الصلاحيات التي تمكنه من توسيع المصالحة الوطنية وإعادة فتح ملفاتها، انطلاقا من المادة 47 أو بواسطة تنصيص قانوني جديد، ما من شأنه أن ينهي الجدل الذي تثيره تداعيات الأزمة الدموية التي ضربت البلاد منذ  العام 1991..