فجرت زيارة عائلية لمهاجر جزائري بفرنسا إلى وطنه الأم ما يشبه بؤرة لفيروس كورونا الجديد بولاية البليدة، وأدخل السلطات في سباق مع الزمن لمحاصرة الوباء العالمي الذي يفتك بالأرواح.
وكانت الجزائر قد سجلت أول حالة لفيروس كورونا المستجد يوم 25 فيفري الماضي لمواطن إيطالي دخل البلد في 17 من الشهر ذاته، ويعمل مهندسا في حقل نفطي في الجنوب، وأعلنت السلطات الجزائرية عقب ذلك إطلاق حملة لتتبع مرافقي الإيطالي المصاب على متن رحلة روما الجزائر لإخضاعهم للتحاليل، كما تقدم عدد من الأشخاص الذين كانوا على متن رحلة الإيطالي المصاب طواعية لإجراء تحاليل كانت سلبية كلها، كما تم استدعاء مسافرين كانوا على متن الرحلة ذاتها، بينت التحاليل لاحقا أنهم غير مصابين بالعدوى، كما أظهرت التحاليل أيضا عدم إصابة مواطنين جزائريين يعملون رفقة المهندس الإيطالي في الحقل النفطي.
زيارة عائلية فجرت الوباء
في الثاني من مارس الجاري، أعلنت وزارة الصحة في بيان لها تسجيل حالتي إصابة بالفيروس، ويتعلق الأمر بأم (53 سنة)، وابنتها 24 عاما تقطنان بولاية البليدة، وحسب البيان ذاته، فإن العدوى انتقلت إلى الأم وابنتها من قريب لهما مقيم بفرنسا يبلغ من العمر 81 سنة، قدم لزيارتهما في الفترة ما بين 14 إلى 21 فيفري الماضي.
وقال البيان إن المغترب الجزائري تبين أنه مصاب بفيروس كورونا المستجد عند عودته إلى فرنسا.
وفي ذات اليوم أعلنت الوزارة ارتفاع عدد الإصابات بـ “كورونا” المستجد إلى 5 حالات من نفس العائلة بولاية البليدة، وعقب ارتفاع الإصابات، أعلنت السلطات حالة استنفار لتحديد وتتبع الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالجزائري المقيم في فرنسا، وأيضا بالأشخاص الذين كان لهم اتصال بالمصابين من نفس العائلة.
وبعد 24 ساعة فقط أعلنت الوزارة، تسجيل 3 حالات إصابة جديدة بفيروس “كورونا”، ليرتفع عدد المصابين إلى 8 كلهم من عائلة البليدة، وبعد يوم واحد ارتفع عدد المصابين ليصل إلى 11 حالة من نفس العائلة، و16 حالة مساء اليوم ذاته وكلهم من نفس العائلة بمنطقة بوفاريك بولاية البليدة.
دعوات لحجر صحي مؤقت على ولاية البليدة
ووفق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن وزارة الصحة تأخرت كثيرا في حصر وتتبع الأشخاص الذين كان لهم اتصال بالمهاجر الجزائري الذي زار عائلته بولاية البليدة، ومنذ بداية ظهور كورونا في الجزائر، نادى الكثيرون عبر صفحاتهم إلى الحجر الصحي على ولاية البليدة وكذا اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بداية من المدارس والجامعات والأماكن والمواصلات العامة ومنع التنقل من وإلى ولاية البليدة، كما تساءل الكثيرون عن سبب عدم عزل مدينة البليدة مثلما فعلت الصين مع ميدنة ووهان.
برامج تحسيسية وإجراءات وقائية
مع حالة القلق التي سببها فيروس كورونا مؤخرا في كافة دول العالم، فمن الضروري إتباع طرق الوقاية من فيروس كورونا، حيث يوصي الخبراء بالقيام بنفس الأشياء التي قد تفعلها لتجنب الإصابة بالأنفلونزا للوقاية من كورونا.
ويعتبر غسل اليدين واستخدام مطهر اليدين والابتعاد عن التجمعات البشرية وتغطية الفم عند السعال وتجنب المصافحة وارتداء الكمامات من أهم طرق الوقاية.
وقصد الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، شرعت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مؤخرا في تجسيد برنامج تحسيسي وقائي مكثف حول الفيروس تضمن تشديد الإجراءات الوقائية على مستوى المؤسسات الصحية وكذا توعية المواطنين للوقاية من هذا المرض عن طريق الملصقات التحسيسية والومضات التوعوية عبر أمواج الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب العمل الجواري للأطقم الطبية وشبه الطبي، كما تم تعليق الدراسة في المدارس والجامعات ومراكز التكوين المهني، وبدورها دعت وزارة الشؤون الدينية الأئمة إلى تقصير خطبة الجمعة وتخصيصها للحديث عن طرق الوقاية من الفيروس.
تفادي المصافحة و “التسلام” بات مقبولا
رغم عدم إعلان المنظمة الدولية للصحة، أن فيروس كورونا أصبح وباء، إلا أن الكثير من المختصين في علم النفس يرون أن المخاوف التي خلفها كورونا، وتأثيره على سلوك البشر صفة واضحة، يعتبر حسبهم وباء من الناحية النفسية “عصابا جيدا” للمجتمع الدولي.
وأدت النصائح حول اتخاذ الوقاية والإجراءات اللازمة والتدابير الاحترازية، إلى تغير في سلوك الكثير من الجزائريين كغيرهم من سكان العالم، وخاصة المناطق التي سجلت فيها حالات إصابة بكورونا، وظهرت تصرفات تؤكد اهتماما واضحا بالنظافة وتوخي الحيطة والحذر.
وإلى جانب الإقبال على شراء السوائل المطهرة والمعقمة، والمناديل الورقية واستعمالها بشكل يومي، شهدت المقاهي والأماكن العمومية المعروفة بالتجمعات البشرية في العاصمة حالة من الفراغ بشكل ملحوظ، التقبيل والمصافحة يشكل استنفارا وعدم استحبابه من طرف فئة واسعة من الجزائريين.
وبات التقبيل على الجيران وزملاء العمل والأقارب، عند تفاديه شيئا مقبولا ولا يغضب أحدا، فيما فضل بعض الجزائريين العزلة.
وفي المطار الدولي هواري بومدين، أظهرت وسائل الإعلام البصرية السمعية، صورا لجزائريين، ينظرون بدهشة إلى صينيين قدموا في رحلة جوية من بلادهم إلى الجزائر، بعد تعليق الرحلات سابقا، وقام بعض المتواجدين في المطار بوضع أيديهم على أفواههم وأنوفهم، اعتقادا منهم أن ذلك سيحميهم من العدوى، حيث لا يخفى على أحد تميز بعض الناس بنظرة العنصرية تجاه الصينيين.
يعيش المجتمع الدولي حالة عصاب شديدة، حيث أثر فيروس كورونا على الجانب العقلي والتفكيري، وحتى من أصيب بزكام عادي يعتقد أنه مصاب بكورونا، وهو ما دفع لاتخاذ سلوكات جديدة، يراها المختصون في علم النفس، سلوكات احترازية، ومع زيادة الإصابة بهذا الفيروس، وحسب المختصين، فإن التأثير على الاقتصاد يؤثر بالضرورة على شعور كل الناس، مما يزيد القلق وخاصة أن الدواء غير متوفر وتشخيص الأعراض لا يزال غير واضح، وبالتالي، فإن المجتمع تتضاعف مخاوفه.
كما يشيرالمختصون إلى أن البرد قد يشكل فوبيا عند بعض الجزائريين لارتباطه بانتشار الفيروس، وأن درجة الحرارة وارتفاعها إلى مستوى درجة قد يجذب النفس إليها فيكون شبه هروب إلى المناطق الساخنة، وخاصة الصحراء في الجزائر.
وهذه كلها تصرفات تدل على تغير نوعي في السلوك البشري، أضف إلى ذلك سلوكات قد تبدو مضحكة وغريبة، حيث يلجأ البعض إلى غلق أنوفهم بأصابعهم وهم يسيرون في الشارع، وهي طريقة لا تحمي من الإصابة وقد تعرض صاحبها للعدوى.
جزائريون.. حياة عادية وبلا أقنعة
وبعد ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في الجزائر، بقي هناك من المواطنين من لا يحفل بالذي يجري حوله، ولم يستطع الفيروس لحد الآن إفراغ المدن من سكانها وحجزهم في بيوتهم، ففي منطقة البليدة التي تم فيها الكشف عن أولى حالات الإصابة لجزائريتين بعد إصابة الإيطالي ما تزال الحياة عادية، مثلما هو الحال في العاصمة فوسائل النقل ما زالت مكتظة والناس داخلها بلا أقنعة.
وللسخرية مكانها لتخفيف الخوف أو بسبب اللامبالاة
لم تخلُ مواقع التواصل الاجتماعي من الحديث عن الفيروس بسخرية بالغة تؤكد مرة أخرى أن الجزائري لا يأخذ مصائبه مأخذ الجد، وهذا الأمر ليس جديدا على الشعب الذي دأب على السخرية من همومه، ففي فترة العشرية السوداء لم تخل مجالس الجزائريين من التنكيت والتهكم على الوضع رغم أنهم كانوا غارقين في الدم و الدمع، واليوم تتواصل عادة هذا الشعب الذي ابتدع فكرة الضحك على الهم في السخرية من وباء سبب الرعب للعالم،
ويؤكد الكثير من المختصين في علم الاجتماع أن الحالة النفسية للشعب الجزائري ويأسه من الأنظمة المتعاقبة في إيجاد الحلول إضافة إلى مخلفات العصابة التي عبثت عقودا بمشاعر الشعب وحطمته تحطيما و جعلته يسخر من همه، دفعته كباقي الشعوب المقهورة لمواجهة المصائب بالضحك عليها، ففي كل مصابهم عبر التاريخ واجه الجزائريون الكوارث بالضحك عليها، ومباشرة بعد إعلان وزير الصحة، بدأ المدونون والفايسبوكيون في إطلاق التعليقات الساخرة تارة على الوزير نفسه و تارة أخرى على الوضع العام للبلد مستعملين في ذلك الفيروس، ففي بعض التعليقات اعتبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الفيروس لا وجود له أصلا متهمين السلطة باختلاق الحكاية لتفرقة الحراك.
ولا تخلو مجالس الجزائريين من الحديث عن الفيروس الخطير منذ تم الإعلان عنه، فبين متهكم يرى أن الجزائري الذي لم تقهره آلة الارهاب وكل الأوبئة لن يقهره فيروس كورونا، وبين من يحاول الاطلاع على هذا الفيروس من خلال البحث في محركات البحث ويستعرض بعدها معارفه في مكونات الفيروس والوقاية منه و تاريخه وكل ما تعلق بالكورونا، في مقابل هذا بدأت فئة من المواطنين الاستعداد الحقيقي لهذا الداء من خلال الوقاية، ووضع كمامات رغم أن هذه الفئة جد قليلة تجدها في وسائل النقل والتي لم تسلم من تهكم بعض الشباب معتبرين أن الكمامات لن تخيف كورونا مقترحين بسخرية وضع أمور أخرى كالبصل والتي يمكنها حسبهم القضاء على الفيروس.
أساليب متنوعة للسخرية من الفيروس
من بين طرق السخرية التي أبدع فيها الشعب الجزائري في هذا الظرف هو سبل الوقاية من المرض، فمنهم من نشر صورته وهو يغطي وجهه بلباس داخلي يستعمله كقناع ضد الكورونا، ومنهم من وضع على رأسه إناء مطبخ، فضلا عن رسومات الكاريكاتير التي أبدع فيها الشباب. و المناسبة كانت حقا فرصة للمبدعين في فن الكاريكاتير لإطلاق رسومات ساخرة مثل تصوير الفيروس في مكتب يناقش الملفات في إشارة إلى الإدارة التي صارت أخطر من الكورونا، بينما أبدع آخرون من خلال المونتاج وتركيب الصور والفيديوهات، بينما تناول البعض القضايا الاجتماعية مثل وضع إعلان للبحث عن صيني ليعطس أمام زوجته، بينما استعمل البعض السخرية في مجال السياسة وطالب بأن يعطس مصاب بين نواب البرلمان وسيدفع له المبلغ الذي يريد. والظاهر أن الفراغ لدى الجزائريين جعلهم يستغلون الحدث ليصنعوا منه موضوع فراغهم وإفراغ سخطهم من خلاله على الوضع القائم.
لمياء. ب