بداية هذا الروبورتاج كانت عندما نزل بمقر جريدة “الموعد اليومي” ممثلون عن سكان أقبية عمارات حي 5 جويلية ببلدية باب الزوار شرق العاصمة ينقلون معاناتهم اليومية التي يعيشونها داخل سكناتهم، و يشتكون وعود المسؤولين في ترحيلهم التي بقيت مجرد أقوال.
من “العشرية السوداء” إلى “جزائر العزة و الكرامة”…الأوضاع لم تتغير
“الموعد اليومي” تنقلت في جولة استطلاعية إلى حي 5 جويلية، بالضبط الى المقاطعة 3 و 6 أين وقفت على الوضعية الكارثية و المريرة التي يعيشها هؤلاء السكان.
أقبية تنعدم فيها الحياة وتفتقر لكل شروط السكن اللائق، اتخذتها منذ التسعينيات حوالي 170 عائلة موزعة على المقاطعتين ملجأ لها دون أن تنظر السلطات المحلية لمعاناتها وتأخذ شكاويها ومطالبها العديدة بسكنات لائقة على محمل الجد بالرغم من الوعود الكثيرة التي كان يطلقها المسؤولون المحليون.
عائلات تزاحم أنابيب الغاز وشبكات الصرف الصحي
لم نلبُثْ طويلا في الحي حتى راح البعض يروي معاناته ويشتكي همومه، في حين أدخلنا البعض أقبيتهم لرؤية عن قرب حجم “الويلات” التي يعيشونها.
أقبية تتكون من غرفة واحدة، أو من غرفتين في أحسن الأحوال، تتشارك فيها أحيانا أسرتان من نفس العائلة يزاحمون أنابيب الغاز و قنوات صرف المياه القذرة، يعيشون بذلك أوضاعا اجتماعية لا تُحتمل نتيجة افتقاد سكناتهم التهوية وأشعة الشمس، ما انجّر عنه ارتفاع في درجات الرطوبة رسمتها زوايا أسقف الأقبية، وأكدتها الروائح التي صدمتنا ونحن ندخل هذه المساكن.
مساكن تحت شعار “هنا تنتهي الحياة”
(حجاج. م) الذي بدا من أول وهلة أنه على عهد حديث بالزواج، هو واحد من بين 170 عائلة التي لم تستفد بعد من قرارات ترحيل سكان الأقبية إلى سكنات اجتماعية لائقة، مسكن هذا الشاب الذي يتكون من غرفتين فقط كان أول مسكن ندخله بالمقاطعة الـ3 للحي بعد أن دعانا للوقوف عن قرب على حجم المعاناة التي يعيشها رفقة زوجته والذي يتقاسمه بدوره مع شقيقه المتزوج هو الآخر.
ونحن ندخل المسكن أول ما لفت انتباهنا بعض الملابس التي كانت على حبلٍ ممدودٍ بين أعمدةٍ خشبيةٍ متراميةٍ بين زوايا فناء القبو الذي بدأ يتوسع شيئا فشيئا ليصبح بيتا قصديريا، رغم تحذيرات و توّعد السلطات المحلية لكل من يقوم بتوسعة المكان، قبل أن ندخل غرفتي هذا المسكن اللتان يفصل بينهما رواقٌ ضيّق تصدّعت جُدرانه بعدما ارتوت بمياه الأمطار و أنهكتها درجات الرطوبة.
غرفةٌ واحدةٌ…”كوزينة” صباحا ومرقدٌ ليلا
غير بعيد عن مسكن الشاب (حجاج.م)، وضعية كارثية أخرى وقفنا عليها بمسكن آخر، مكان تأبى الإنسانية العيش فيه نتيجة وضعه المُزري، اتخذته الأرملة (خديجي زهرة) ملجأ لها رفقة أبنائها طيلة سنوات.
مسكن السيدة الزهرة يتكون من غرفتين، احداها انطوت بها رفقة أبنائها الصغار “خجلا واستحياء” منّا بعدما ائتمنت أحد جيرانها ليقف معنا على هول ما تعيشه في هذا المسكن الذي لخّصته بدقة الغرفة الأخرى.
“غُرفة متعدّدة المهام”، أقل ما يمكن قوله لتلخيص الوضع، مطبخ في النهار تُزيّنه قنوات الصرف الصحي، و مرقدٌ للأبناء ليلا بعد أن يتم تحويل “الطابونة” وقارورة الغاز وسلّة الأواني التي تتوسط الغرفة نهارا الى إحدى الزوايا في حين تبقى الملابس المعلقة بداخلها ديكورا يوميا لا يفارقها.
عائلات اتّخذت من الجرذان والحشرات أصدقاء لها
نفس مشاهد المقاطعة 3 تتكرر بالمقاطعة 6 للحي، كل شيء متشابه بينهما إلا الرقم، سكنات مقبورة تحت العمارات بدأت معالمها تظهر للعلن بحبّات “زنك” لتضفي بذلك ديكورا مناسبا للأوحال و القمامة المتواجدة في الخارج.
من بين عشرات الأقبية التي تحتويها هذه المقاطعة دخلنا قبو السيدة (خديجي دلولة) الذي يتكون من غرفتين فقط، لازمته طيلة 20 سنة رفقة زوجها وأبنائها الخمسة وكنّتها الجديدة، يضاف اليهم عدد من الفئران و الجرذان و الحشرات الذين باتوا “أحباب العائلة” يشاركونهم الأكل والمبيت.
مطبخ السيدة دلولة، التي كانت تُحضّر الغداء لأحفادها الدين بدأوا في العودة تباعا من المدرسة، لا يشبه المطابخ إلا في الاسم، كل شيء فيه بالٍ وقديم بدءا بالحنفية التي أنهكتها كثرة الاستعمالات الى أنابيب صرف المياه التي كانت موصولة بدلو كبير أسفل الدرج إلى مائدة كانت متراميةٌ فوقها بعض بقايا قهوة الصباح والتي حسب قِدمِها تكون خير شاهدٍ لما كابدته هذه العائلة طيلة سنوات إقامتها بهذا القبو.
السيدة دلولة كانت تتحدث إلينا وتنقل لنا معاناتها بكلمات ممزوجة ببعض الأسى وكثير من الأمل في أن تحظى رفقة جيرانها بمساكن لائقة في أقرب الآجال.
فصل الشتاء “كابوس” يزيد من متاعب العائلات
ويبقى سكان الأقبية على موعد مع فصل الشتاء الذي أصبح يشكل هاجسا يؤرقهم وتعظُمُ خلاله معاناتهم، حيث تشهد المنطقة خلال هذا الفصل تسرّبات المياه سواء من داخل الأقبية أو حتى من المحيط الخارجي بالنظر إلى الارتفاع القليل للقبو عن سطح الأرض، ناهيك عن فيضان وتسرب المياه القذرة بصفة متكررة من أنابيب الصرف المتشعبة وسط الأقبية والتي تعكر صفو حياتهم. بالإضافة إلى تحول ساحة الحي إلى “عجينة” من الأوحال.
المكان بؤرة للأمراض ومصاريف العلاج تُثقل كاهل السكان
نتيجة للظروف المعيشية غير الصحية التي تميز حياة قاطني الأقبية بحي 5 جويلية بباب الزوار،ٍ أصبح المكان بؤرة لأمراض أصيب بها أفراد العديد من العائلات أغلبها أمراض مزمنة كالحساسية والأمراض الصدرية التي كانت سببا في وفاة البعض، وأمام الوضعية الصحية المتدهورة لأفراد هذه العائلات، وجد الكثير منهم نفسه عاجزا حتى عن تغطية مصاريف العلاج التي زادتهم عناء.
وعود كاذبة و “زوخ” مدعو للتدخل
سكان الحي، و في حديثهم معنا رفعوا نداء استغاثة إلى والي العاصمة عبد القادر زوخ مطالبين إياه بتخليصهم من الوضعية الحرجة التي يعيشونها لأزيد من عشرين سنة، وتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه باستكمال ترحيل ما بقي من عائلات الأقبية، مشيرين إلى أنه مضى أزيد من 18 شهرا على ترحيل الشطر الأول لسكان أقبية الحي دون أن تشملهم العملية، مضيفين أنه خلال عملية ترحيل مقاطعة 1 و 2 و 4 و5 من الحي تلقوا تطمينات و وعود بالترحيل من قبل رئيس بلدية باب الزوار و الوالي المنتدب السابق للدائرة الإدارية للدار البيضاء، إلا أنها بقيت مجرد كلام.
كما أكد (يعلى عودية) أحد سكان الأقبية بالحي أنهم راسلوا مرارا السلطات المحلية من أجل استقبال ممثلين عن العائلات المشتكية، إلا أن ذلك لم يجد نفعا بسبب بيروقراطية الادارة من جهة وتهرب المسؤولين من جهة أخرى.
رغم الأوضاع…الأمل في “الرّحلة” يحدو الجميــــع
(خديجي. د)، (حجاج. م)، (يعلى عودية) وغيرهم من السكان كثيرون رغم الوضعية المزرية التي يعيشونها ورغم شكاويهم المتكررة، إلا أن الشيء الذي لمسته فيهم “الموعد اليومي” خلال حديثها معهم هو كلمات الأمل التي كانت تخرج من أفواههم وكلهم ثقة بأن الله سيفرج عنهم من خلال تسخير مسؤولين مخلصين في هذا الوطن سيلتفتون إليهم.
البيروقراطية تمنع الموعد اليومي من الوصول إلى الوالي المنتدب
من أجل معرفة أسباب تأخر ترحيل هذه العائلات واعطاء تفسيرات وحجج مقبولة، توجهنا إلى مقر الدائرة الإدارية للدار البيضاء قصد أخذ موعد مع الوالي المنتدب والنظر في هذا الموضوع كجزء من حق المواطن في المعلومة وحقنا نحن كصحفيين في نقلها، لكنهم رفضوا استقبالنا بطريقة غير مباشرة بعدما لجأوا الى تطبيق سياسة “بيروقراطية الادارة” بدءا من البوّاب الى سكرتير الوالي المنتدب الذين راحوا يعطوننا مواعيد بعيدة أو اتباع الطرق الادارية غير المنتهية من أجل الوصول الى أحد المسؤولين رغم أننا قمنا بجميع الخطوات القانونية للظفر بحوار مع “السيد الوالي المنتدب”.
رئيس المجلس الشعبي البلدي لباب الزوار، العمري كرمية لـ “الموعد اليومي”:
نُدرك مُعاناة العائلات وننتظر الضوء الأخضر من الولاية لترحيلها
لا نعلم إن كانت المرحلة الـ22 من الترحيل ستشمل أقبية حي 5 جويلية
أكد رئيس بلدية باب الزوار، العمري كرمية، أن مصالحه في انتظار الضوء الأخضر من ولاية العاصمة من أجل ترحيل سكان أقبية عمارات حي 5 جويلية، و ذلك بعدما تمت دراسة جميع ملفاتهم على مراحل متعددة في البلدية والدائرة الادارية للدار البيضاء وولاية العاصمة و تم قبولها بصفة نهائية.
وأوضح العمري كرمية في حوار خص به “الموعد اليومي” أنه سبق للبلدية وأن أشرفت على عملية ترحيل سكان أقبية مقاطعة 1 و2 و4 و5 دون سكان أقبية 3 و6 كون العائلات الأولى كانت أكثر تضررا، في حين بقيت الأخيرة تزاول مكانها بعدما استغرقت دراسة ملفاتهم وقتا أطول نتيجة وجود بعض العائلات تسكن القصدير.
وأضاف رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية باب الزوار أنه توجد بعض المساكن قيد الانجاز والتي من المنتظر أن يتم ترحيل هذه العائلات إليها في حالة اعطاء مصالح الولاية الضوء الأخضر وذلك بعد أن تمت دراسة جميع الملفات و قبولها بصفة نهائية.
وأشار “مير” باب الزوار لبعض المعلومات التي تقول أنه من الممكن أن يتم ادراج بعض سكان أقبية باب الزوار في المرحلة الـ22 من الترحيل، لكن – يضيف ذات المسؤول – “لا نعلم بعد هل ستمس هذه العملية سكان حي 5 جويلية أم لا”، في حين عبر عن أمله في أن يمس القرار هذه العائلات التي وقف شخصيا على حجم معاناتهم.
وأقرّ رئيس بلدية باب الزوار بالوضعية الكارثية التي يعيشها سكان أقبية الحي، في حين دعاهم إلى التحلي ببعض الصبر وعدم الضغط على البلدية التي وقفت بجانبهم ودعّمت قضيتهم وتقوم بمجهودات جبارة قصد ترحيلهم رغم أنهم يسكنون بطريقة غير شرعية.