-
13 اكتشافا بجهد وطني خالص تعيد الزخم لسوناطراك
-
استقلالية متزايدة ترسّخ السيادة الطاقوية للجزائر
-
من الأرقام إلى الرؤية.. التحول الطاقوي يبدأ من الميدان
عاد اسم سوناطراك إلى الواجهة هذا الأسبوع بلغة الأرقام والإنجازات، بعد أن كشف وزير الدولة، وزير المحروقات والمناجم، محمد عرقاب، أمام لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، عن تحقيق 13 اكتشافا جديدا للمحروقات خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، بجهد وطني خالص، شمل أكثر من 7824 كيلومترا من المسح الزلزالي الثنائي الأبعاد و7768 كيلومترا مربعا من المسح الثلاثي الأبعاد و466 ألف متر من أعمال الحفر. أرقام تُعيد التأكيد على أن الجزائر تمضي بثقة نحو تجديد احتياطاتها وضمان أمنها الطاقوي رغم تراجع الأسعار والتقلبات الدولية. في وقتٍ تتقلّب فيه أسواق الطاقة بين تراجع الأسعار وتزايد المخاوف الجيوسياسية، جاءت حصيلة سوناطراك لتكسر النمط وتؤكد أن العزيمة الوطنية قادرة على تحويل الصعاب إلى فرص. فخلال الأشهر الأولى من عام 2025، واجهت الجزائر سياقا دوليا حافلا بالتحديات، إذ انخفض متوسط سعر النفط الخام الجزائري بنسبة 15 بالمئة ليستقر عند نحو 71 دولارا للبرميل، بينما تراجعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 1.1 بالمئة، ومع ذلك لم تتوقف ورشات الاستكشاف والإنتاج يوما واحدا. هذا الثبات في الميدان يعكس فلسفة جديدة في إدارة القطاع، حيث لم تعد سوناطراك تقيس نجاحها بمؤشرات السوق فحسب، بل بقدرتها على تجديد احتياطاتها بوسائلها الخاصة. فالأرقام التي قدّمها الوزير عرقاب أمام البرلمان تعبّر عن تحوّل في الرؤية الاستراتيجية، يجعل من الاستثمار في العنصر البشري والتكنولوجيا المحلية أداة للسيادة قبل أن تكون أداة للربح. ورغم القيود اللوجستية وتقلب الطلب الأوروبي، واصلت فرق سوناطراك عمليات المسح الزلزالي بوتيرة غير مسبوقة، أنجزت خلالها أكثر من 7824 كيلومترًا من المسح الثنائي الأبعاد و7768 كيلومترًا مربعًا من المسح الثلاثي الأبعاد، وهو ما مثّل قاعدة بيانات ضخمة مكّنت من تحديد مناطق واعدة جديدة في الجنوب والجنوب الغربي. كما أن أعمال الحفر التي تجاوزت 466 ألف متر كانت تجسيدا لجهد وطني متكامل، من المسح الميداني إلى التحليل الجيولوجي فاختبار الإنتاج، في ظل إدارة تسعى إلى استعادة وتيرة النمو التي ميّزت سوناطراك في بداياتها. ومع كل إنجاز ميداني، كانت المؤسسة تبرهن أن العمل الوطني المنظم ما زال قادرا على المنافسة في ساحة النفط العالمية. وبهذا المسار، انتقلت سوناطراك من مرحلة التكيّف مع الأزمات إلى مرحلة المبادرة وصنع الحدث، لتفتح الباب أمام قراءة جديدة لدور الجزائر في سوق الطاقة العالمية، ليس كفاعل متأثر بالظروف، بل كمنتجٍ يملك أدواته ورؤيته، يمهّد الطريق نحو مرحلة طاقوية أكثر استقلالًا واستدامة.
13 اكتشافا تؤكد عودة الزخم الاستكشافي
بهذا الزخم الميداني، دخلت سوناطراك مرحلة جديدة من النشاط الاستكشافي، تجسدت في تحقيق 13 اكتشافا جديدا للمحروقات خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، وهي حصيلة وُصفت داخل أروقة لجنة المالية والميزانية بـ”المؤشر القوي على استعادة الشركة لعافيتها”. فخلال عرضه أمام النواب، شدّد الوزير محمد عرقاب على أن “القطاع حقق نتائج إيجابية بفضل الجهود المبذولة في مجالي الاستكشاف والإنتاج”، موضحًا أن هذه النتائج جاءت “بجهد وطني خالص يعكس كفاءة الإطارات الجزائرية وقدرتها على استغلال الإمكانات المتاحة بأعلى مستوى من الاحترافية”. هذا الإعلان أعاد إلى الواجهة النقاش حول قدرة الجزائر على تجديد احتياطاتها دون الاعتماد الكلي على الشركاء الأجانب، في وقت بدأت فيه كبريات الشركات العالمية مثل شيفرون وإكسون موبيل مفاوضاتها مع الجزائر للدخول في مشاريع مشتركة. إلا أن الرقم “13” هنا لم يكن مجرد إحصاء، بل رمزًا لمرحلة جديدة من الاستقلالية التقنية والميدانية التي تسعى الدولة لترسيخها في سياساتها الطاقوية. وللتذكير، فإن مثل هذه النجاحات لم تأتِ بمعزل عن تجارب سابقة أرست قاعدة خبرة متينة، على غرار اكتشاف In Ekker Sud West-1 في تمنراست، وRhourde Oulad Djemaa Ouest في ورقلة، وTamzaia-3 في إيليزي، وهي اكتشافات تعود لسنوات ماضية لكنها تمثل اليوم مرجعًا للجيل الجديد من المشاريع الاستكشافية التي تقوم على الكفاءة الوطنية والمقاربة العلمية الدقيقة. وتؤكد الحصيلة الأخيرة، أن الجزائر استعادت موقعها بين الدول الإفريقية الأكثر نشاطًا في مجال التنقيب، وأن استراتيجيتها القائمة على رفع وتيرة المسح الزلزالي والاستكشاف الداخلي بدأت تعطي ثمارها الفعلية. فالاكتشافات الجديدة تعبير عن مسار متكامل يجمع بين الرؤية الحكومية والقدرة الميدانية لسوناطراك. وبينما تتجه الأنظار نحو الأسواق العالمية، تبدو الجزائر اليوم في موقع يسمح لها بتحسين توازنها الطاقوي وتوسيع صادراتها، اعتمادًا على نتائج هذه الاكتشافات التي تمثّل خطوة واثقة نحو تحقيق هدف أكبر: ضمان أمنها الطاقوي بسيادتها الخاصة.
استقلالية وطنية.. وسوناطراك في قلب السيادة الطاقوية
إنجازات سوناطراك أصبحت جزءًا من معادلة السيادة الوطنية التي تراهن عليها الدولة الجزائرية في زمن تتنازع فيه القوى العالمية على مصادر الطاقة. فالاكتشافات الـ13 التي تحققت بجهد وطني، أعادت إلى الواجهة الدور المحوري للمؤسسة الوطنية باعتبارها “الذراع الاقتصادية للدولة” وأحد أهم أدواتها في الدفاع عن الاستقلال الاقتصادي. وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن نجاح سوناطراك في تحقيق هذه النتائج داخل ظرف دولي صعب يؤكد نضوج الرؤية الجزائرية في إدارة ثرواتها الطاقوية، حيث تقوم السياسة الجديدة على تقوية الإنتاج الوطني، وتخفيف التبعية للاستيراد، وتوظيف القدرات الوطنية في جميع مراحل الاستكشاف والإنتاج. فالمسألة هنا لم تعد مجرد إنتاج للنفط أو الغاز، بل بناء لقرار اقتصادي مستقل. وتتلاقى هذه المعطيات مع الرؤية التي عبّر عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة، حين قال إن شركة سوناطراك “من الأدوات القوية التي تسمح للجزائر بممارسة سيادتها الوطنية”، واصفًا إياها بـ“الدرع الذي يحمي الجزائر بعد قواتها المسلحة والمناضلين والمواطنين الأحرار”. هذه العبارة خلاصة لمسار اقتصادي يعيد الاعتبار للمؤسسة الوطنية كرمز للثقة والقدرة. وتكمن أهمية هذا الاعتراف الرسمي في كونه يضع سوناطراك في قلب المشروع الوطني لبناء اقتصاد متنوع ومستقل، يوازن بين استغلال الموارد التقليدية والتحول نحو الطاقات المتجددة. فالشركة التي شكّلت لعقودٍ رافعة الاقتصاد الجزائري، تُعيد اليوم تعريف دورها من مجرد منتج للطاقة إلى فاعل استراتيجي يسهم في صناعة القرار الوطني وفي تمويل التنمية. ومع استمرار الدولة في دعم الاستكشاف المحلي وتشجيع الكفاءات الوطنية، تبدو سوناطراك أكثر استعدادًا لمواصلة هذا المسار بثقة. فنجاحها في تسجيل هذه الاكتشافات الجديدة لا يُقاس فقط بعدد الآبار أو الكيلومترات الزلزالية، بل بقدرتها على تجسيد السيادة على الأرض وفي الأسواق في آن واحد.
من الأرقام إلى الرؤية.. اكتشافات تفتح مسار التحول الطاقوي
مع كل اكتشاف جديد تسجله سوناطراك، لا تُضاف فقط أرقام إلى رصيد الإنتاج الوطني، بل تُرسم ملامح رؤية جديدة للتحول الطاقوي في الجزائر. فبينما تركّز الدولة على تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على المحروقات كمصدر أساسي للإيرادات، تمثل هذه الاكتشافات خطوة استراتيجية لبناء توازن ذكي بين الطاقات التقليدية والمستقبلية، بحيث تُموّل النجاحات الحالية مشاريع الغد في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر. التحول الذي تشهده سوناطراك لا يقتصر على زيادة الإنتاج أو تحسين الأداء التقني، بل يمتد إلى تغيير طريقة التفكير في إدارة الموارد. فالمؤسسة تسعى اليوم إلى ترسيخ نموذج جديد يعتمد على الاستدامة في كل مراحل نشاطها، بدءًا من الاستكشاف وحتى التكرير والتصدير، مع إدماج معايير البيئة والكفاءة الطاقوية في كل مشروع جديد. ويرى مراقبون، أن هذا النهج المتكامل يتقاطع مع السياسة الوطنية التي يقودها الرئيس تبون لتقوية الإنتاج الوطني والتخلي عن الاستيراد إلا عند الضرورة. إذ تعمل سوناطراك، وفق هذه الرؤية، على إنتاج مواد كانت تُستورد سابقًا، بما في ذلك المشتقات البترولية والمواد الكيميائية الوسيطة، ما يجعلها جزءًا فاعلًا في سياسة الاكتفاء الذاتي الطاقوي والصناعي. وبينما يُجمع المتخصصون على أن العالم يعيش مرحلة انتقالية حساسة في قطاع الطاقة، تثبت الجزائر من خلال نتائج سوناطراك أن التحول لا يعني الانقطاع عن النفط والغاز، بل حسن توظيفهما لخدمة الاقتصاد الأخضر. فالاكتشافات الجديدة تعطي للدولة متنفسًا ماليًا واستراتيجيًا يمكّنها من الاستثمار بثقة في مشاريع الطاقة المتجددة، دون المساس بأمنها الطاقوي التقليدي. إنّ القراءة العميقة لهذه النتائج تظهر أن الجزائر تمزج بين الواقعية الاقتصادية والطموح البيئي؛ فهي تراكم الخبرة التقنية في الاستكشاف والإنتاج، وتعيد في الوقت نفسه بناء أدواتها المستقبلية لمواجهة مرحلة ما بعد النفط. بهذا المعنى، لم تعد الاكتشافات مجرّد انتصارات ظرفية، بل ركائز لمسار طويل نحو استقلال اقتصادي متكامل ومستدام. تُظهر الحصيلة المعلنة في قانون المالية لسنة 2026 أن الرهان على سوناطراك كان في محله، فالشركة لم تخذل الدولة في أحلك فترات التقلبات الاقتصادية، بل قدّمت نموذجًا في التسيير الوطني الناجع، والاعتماد على الذات في استكشاف الثروات واستغلالها. ثلاثة عشر اكتشافًا جديدًا، أُنجزت في ظرف دولي مضطرب، كفيلة بتجديد الثقة في كفاءة الإطارات الجزائرية، وإثبات أن الجزائر لا تحتاج سوى إلى تمكين طاقاتها الوطنية لتصنع الفارق في سوق الطاقة العالمي. وإذا كانت هذه النتائج تعبّر عن نجاح قطاع المحروقات، فإنها أيضًا تعكس فلسفة جديدة في إدارة الاقتصاد الوطني، تقوم على ترسيخ الاستقلالية وتعزيز الإنتاج الداخلي، وفق رؤية رئاسية واضحة تعتبر سوناطراك “درع الجزائر” في معركة التنمية والسيادة. فالمؤسسة لم تعد مجرد شركة نفطية، بل ركيزة لاقتصاد قوي، ومنصة تنطلق منها إصلاحات أوسع نحو التحول الطاقوي، وتنويع الموارد، وتحقيق توازن بين النمو والحفاظ على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة. لقد أثبتت سوناطراك، بما أنجزته خلال عام 2025، أن الروح الوطنية حين تقترن بالكفاءة العلمية والتخطيط الاستراتيجي، تتحول إلى طاقة إنتاج لا تنضب. إنها اليوم تجسيد عملي لشعار “من رحم الجهد الوطني تولد السيادة”، فبينما تتغير موازين الطاقة في العالم، تبقى الجزائر ثابتة في موقعها، تُعيد اكتشاف ثرواتها بثقة، وتكتب فصولًا جديدة من سيادتها الاقتصادية بأيدٍ جزائرية خالصة.
م. ع