مع حلول فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، تتزايد معاناة الكثير من العائلات، خاصة في الأحياء الهشة والمناطق النائية، وفي خضم هذه الظروف الصعبة يبرز دور الشباب المتطوعين كقوة فاعلة تصنع الفارق وتمنح الشتاء معنى إنسانيا أعمق.
في مختلف ولايات الوطن ينخرط شباب من مختلف الأعمار والخلفيات في مبادرات تطوعية تهدف إلى التخفيف من آثار البرد القارس، فمن جمع الأغطية والملابس الشتوية إلى توزيع المواد الغذائية، مرورا بتنظيم حملات لترميم البيوت الهشة، فيتحول العمل التطوعي إلى رسالة تضامن حقيقية تعكس وعي الشباب بمسؤولياتهم الاجتماعية.
دعم معنوي ومادي
أكدت العديد من الجمعيات الناشطة أن روح التطوع لدى الشباب الجزائري تشهد تزايدا ملحوظا خلال فصل الشتاء، حيث تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاءات لتنظيم الحملات التطوعية والتنسيق بين المتطوعين، هذا الانخراط الرقمي ساهم في توسيع نطاق العمل الخيري والوصول إلى مناطق كانت في السابق خارج دائرة الاهتمام.
صعوبات لم تُثن من عزيمة الشباب
رغم العراقيل والصعوبات التي تواجه العمل التطوعي، كضعف الإمكانيات وصعوبة التنقل في الظروف المناخية القاسية، يصر الشباب على مواصلة جهودهم مدفوعين بإحساس عميق بالواجب الإنساني، فبالنسبة إليهم التطوع ليس نشاطا موسميا فحسب، بل أسلوب حياة وقيمة مجتمعية يجب ترسيخها في زمن تتزايد فيه التحديات، وهو ما أكدته عدة نماذج لشباب أثبتوا أن الأمل ما زال حاضرا، وأن التضامن قادر على مواجهة قسوة الشتاء، فهم لا يوزعون مساعدات فقط بل يوزعون الدفء في القلوب ويؤكدون أن قوة المجتمع الجزائري تكمن في شبابه المتلاحم وروحه التكافلية.
عمليات واسعة النطاق
تنطلق في كل ليلة عبر مختلف ولايات الوطن عمليات إنسانية واسعة النطاق، تقودها مديريات النشاط الاجتماعي والتضامن لكل ولاية، في إطار خطط ميدانية تهدف إلى حماية الأشخاص دون مأوى من موجة البرد والتقلبات الجوية التي يعرفها الوطن.
تشارك في هذه العمليات فرق متعددة، تعمل وفق تنسيق دقيق يضمن الفاعلية والسرعة، حيث تتقدم مصالح الأمن الوطني بتأمين مواقع التدخل، وتسهيل حركة الفرق الليلية، بينما تضطلع الحماية المدنية بمهمة تقديم الإسعافات الأولية، والتدخل السريع في الحالات التي تتطلب نقلًا فوريًا، أو دعمًا طبّيًا عاجلًا.
وفي قلب هذه العمليات تأتي الخلايا الجوارية للتضامن، لتلعب دورًا إنسانيًا بالغ الحساسية، إذ تتعامل مباشرة مع الأشخاص الموجودين في الشارع، وتعمل على إقناعهم بالانتقال إلى مراكز الإيواء، هؤلاء الأعوان الذين يحملون خبرة اجتماعية ونفسية، يتعاملون بإنسانية وصبر مع حالات تختلف ظروفها ومخاوفها، ليعيدوا بناء جسور الثقة مع فئة اعتادت القطيعة مع المجتمع.
وفي الجانب الموازي، تتقدم الجمعيات المحلية المختصة في مساعدة الأشخاص دون مأوى، لتضيف بعدًا آخر لهذا العمل التضامني، من خلال توزيع وجبات ساخنة جاهزة، إضافة إلى المشروبات الدافئة، لتكون بمثابة دفء معنوي وجسدي لمن قست عليهم ظروف الحياة. هذه الجمعيات العاملة بصمت وبجهد تطوعي، تُكمل الدور المؤسساتي. وتؤكد أن التضامن في الجزائر لا تحده المهنة أو الإطار التنظيمي، بل ينبع من روح إنسانية متجذّرة في المجتمع. ولا يغيب الهلال الأحمر الجزائري عن المشهد، إذ يواصل تقديم الأغطية والمواد الضرورية لهم، ليضمن حدًّا أدنى من الراحة لكل فرد يُعثر عليه خلال الخرجات الليلية. وهكذا يلتقي عمل الدولة مع مبادرات المجتمع المدني في نقطة واحدة هدفها صون المواطن الجزائري مهما كان ظرفه.
مدرسة حقيقية لترسيخ قيمة التكافل
يرى المتابعون للشأن الجمعوي أن هذه المبادرات الشبابية تمثل مدرسة حقيقية لترسيخ قيم المواطنة والتكافل الاجتماعي وتساهم في بناء جيل واعٍ بقضايا مجتمعه، كما تعزز روح الانتماء وتؤكد أن العمل التطوعي ليس نشاطا موسميا مرتبطا بفصل الشتاء فقط، بل ثقافة يجب أن تستمر على مدار السنة.
وفي هذا السياق تقول سلمى “24 سنة” عن تجربتها في الحملات التطوعية إنهم عندما يصلون إلى بيوت العائلات المعوزة ويرون الفرحة في عيون أفرادها ينسون تعب الطريق وبرودة الطقس.
ومن جهته يقول إسلام 27 سنة وهو أحد المشاركين في قوافل الشتاء: “العمل التطوعي علمني معنى المسؤولية، خاصة في الشتاء حيث نواجه صعوبات كبيرة خاصة في المناطق الجبلية، لكن شعورنا بأننا نساعد أشخاصا يحتاجون إلينا يدفعنا لمواصلة الطريق”.
لمياء. ب
