يزداد في شهر رمضان عدد المقبلين على صيد السمك بواسطة السنارة نهارا، ما يعد تسلية وتمضية للوقت لأغلب المقبلين على هذا النوع من الصيد.
يشترك عدد كبير من الجزائريين في هواية الصيد عبر طول الكورنيش الجزائري من الشرق إلى الغرب.
الصيد بالصنارة نشاط محبوب بسكيكدة
عند المرور بكورنيش سطورة الذي يمتد من شاطئ القصر الأخضر مرورا بالشاطئ العسكري وصولا إلى ميناء الصيد، يثير الانتباه العدد الكبير للصيادين حاملين صناراتهم أمام منظر البحر الجميل منصتين إلى صوت الأمواج التي ترتطم بالصخور.
وما يلفت النظر خلال شهر رمضان من كل سنة وخصوصا في السنوات الأخيرة، إقبال العديد من سكان سكيكدة على هذه الهواية التي يعتبرها الكثير من الصيادين خلال شهر رمضان هروبا من الازدحام الذي تشهده المدينة، وكذا لقضاء ساعات النهار الطويلة للصيام وللتسلية قبل الإفطار.
وللاستمتاع بيوم رمضاني في صيد السمك، يقول السيد عمار تيفوتي (66 سنة) – وهو معلم متقاعد التقته “وأج” بكورنيش سطورة يهم بوضع عدته ليباشر نشاطه اليومي في الصيد على حد تعبيره- إنه في الشهور الأخرى من السنة يمارس الصيد بالسنارة كل نهاية أسبوع، إلا أنه في شهر رمضان فهو يتوجه يوميا إلى هذا المكان الذي أصبح شبه محتكرا له ولا يسمح لأحد بالجلوس فيه حتى أن بقية الصيادين يمرون دون الجلوس فيه لأنه “مكان عمي عمار”، كما يقولون.
ويتوجه عمي عمار صباحا إلى السوق بقفته لشراء مستلزمات الإفطار للمنزل ثم يصلي الظهر ويجهز عدته المكونة من قفة بها بعض العجين المملح أو القليل من الجمبري الصغير اللذين يستعملهما كطعم، بالإضافة إلى علبة لوضع الأسماك فيها بعد اصطيادها إن حالفه الحظ، حيث يحملها بيده اليمنى، في حين أن يده اليسرى تحمل صنارة الصيد أو “صديقته” كما يسميها ليجلس لساعات طويلة في هدوء أمام البحر دون ملل.
وحسب عمي عمار، فإن اللجوء إلى هذه الهواية خصوصا في شهر رمضان يبعث على الاسترخاء نتيجة الابتعاد عن ضجيج المدينة و”العصبية” في المنزل وصخب الأطفال والأحفاد ولا يعرف هذه الراحة إلا من مارس هذه الهواية وتمتع بها، على حد قوله.
وغير بعيد عن مكان عمي عمار، يمارس محمد البالغ من العمر 56 بدوره هواية الصيد بالسنارة منذ أن كان شابا وهذا في نهاية كل عطلة أسبوع تقريبا، إلا أنه خلال شهر رمضان يأتي يوميا بعد انتهاء دوامه باعتباره إطارا ويبقى في مكانه إلى اقتراب موعد الإفطار، وقد جر معه خلال شهر رمضان الحالي لهذه السنة إلى هذه الهواية زوج أخته سليم الذي أصبح بدوره شغوفا بالصيد.
وخلال التجوال بكورنيش الروسيكادا، يلفت الانتباه العدد الكبير للشباب المقبلين على هواية الصيد على غرار سمير وفتحي اللذان يفضلان الاستمتاع بجو البحر واصطياد الأسماك التي تزين طاولاتهما الرمضانية في بعض الأحيان على اعتبار أن غالبية أطباق الإفطار بالنسبة للسكيكديين لا تخلو من الأسماك.
وقال فتحي إن هواية الصيد بالصنارة تمارس طيلة أيام السنة ليلا ونهارا، إلا أنها ذات ميزة خاصة في رمضان، فهي تساهم في ملء أوقات الفراغ في انتظار آذان المغرب، بالإضافة إلى بعث الراحة والاسترخاء والتمتع بنسيم وعليل البحر.
ويكثر التوافد على كورنيش سطورة خصوصا بعد صلاة العصر، إذ تجد أفواجا من الشباب والكهول وحتى الشيوخ يسيرون في صف الواحد تلو الآخر بخطوات متسارعة ليحاولوا الظفر بأفضل الأماكن لتمضية الأيام الرمضانية مع هوايتهم المفضلة.
الشباب الميلي وعشق الصيد خلال الصيام
يتنقل كثير من الشباب يوميا خلال أيام رمضان إلى سد وادي العثمانية التابع لسد بني هارون بولاية ميلة، من أجل صيد السمك، وهي الظاهرة التي اتسع نطاقها مع حلول الشهر الفضيل وأصبحت تستهوي الكثير من الشباب.
ويجد هؤلاء الشباب ضالتهم في مياه هذا السد، حيث يستمتعون بقضاء نهار رمضان بالقرب من هذا المكان الذي يضفي عليهم أجواء منعشة تجنبهم حر المدن ومسلية تنسيهم طول النهار.
ويلاحظ على ضفاف هذا المكان الفسيح والجميل تجمع كبير لسيارات قدمت من الولايات المتاخمة خاصة من قسنطينة واصطفت على ضفاف هذا السد الكبير الذي يزخر بمناظر خلابة تسحر أعين الناظرين، وتبعث في أنفس هؤلاء الصيادين الهواة الطمأنينة والسكون وهم يحملون على أكتافهم سنارات الصيد وأغراضه الأخرى.
ويقول الشاب أبو بكر (33 سنة) الذي اعتاد التنقل يوميا في سيارته رفقة أصدقائه من أجل الصيد، وهي الهواية التي اكتشف حبه لها خلال هذا الشهر الكريم “الصيد في هذه الفترة يمنحني القوة ويبعث فيّ الحماس، خصوصا وأن الجو حار ويتعذر علينا الذهاب إلى شاطئ البحر”، مضيفا “نجد بهذا المكان كل ما نحتاجه وفيه نصطاد السمك وفيه نخلد إلى الراحة بفضل نسيمه العليل وهدوء فضائه”.
ويقول هواة صيد السمك إن “صيد السمك في حد ذاته وسيلة للترويح عن النفس، خاصة وأننا في عطلة وليس لنا ما نقوم به، فنحن نجتمع هنا ليس فقط من أجل صيد السمك الذي نشتهي أكله في الفطور، بل لأننا نتوق إلى الأجواء المنعشة التي يمنحها البحر”، ويرى أبو بكر أن هذا المكان الرائع يستهويه أكثر من صيد السمك، حيث أشار بأنه يأتي أحيانا دون أن يحمل صنارته بل يقصده فقط من أجل الترويح عن نفسه وقضاء بعض من الوقت مع رفاقه. ولكنه لم ينكر بأنه إذا ما حضر إلى هذا المكان من أجل الصيد، فهو لا يبرحه حتى ينال مراده، حيث يستمر في التلويح بصنارته إلى أن يفلح في اصطياد سمكة أو سمكتين ويكتفي بهذا القدر إن كانت أسماكا كبيرة.
وفضلا عن كون هذا الشاب يقبل على صيد السمك، فإنه يقوم كذلك عند عودته إلى البيت بتنظيفه بمفرده ويساعد زوجته في الطهي “أجد متعة كبيرة في طهي السمك خاصة في شهر الصيام، حيث أقوم بتنظيفه ثم أتفنن فيما بعد في طريقة تحضيره، فتارة أقليه بعد أن أرشه بكل أنواع البهارات التي تزيد من نكهته وتارة أخرى أنزع منه الشوك كليا وأضع به التوابل ثم أقوم بصنع كريات منه أمررها في البيض والخبز المبشور ثم أقليها في الزيت الساخن لتكون حاضرة على مائدة الفطور في طبق أزينه بقطع دائرية من الليمون”.
ويرى المتحدث أن صيد السمك هواية ممتعة خلال شهر رمضان وتمنحه أجواء رائعة تساعده على تحمّل مشقة الصيام، كما توفر له كذلك أكلة شهية تفتح شهيته وقت الإفطار.
ق.م