يعتبر عصير العنب المصفى المستخلص من عنب “السينسو” والذي يدعوه سكان منطقة المدية بـ “الروب” وكذا العجينة المخروطية الشكل المصنوعة من العنب واللوز، آخر المنتجات التقليدية التي يصارع حرفيو المنطقة للحفاظ عليها، حيث لا يزال سوى عدد قليل من الحرفيين الذين يحاولون الحفاظ على هذه الحرفة، ونقلها من جيل إلى جيل.
وأضحت هذه الحرفة التي تشتهر بها كل من مناطق المدية وبن شيكاو وسي محجوب وتيزي مهدي، التي تعرف بإنتاجها الوفير للعنب “مهددة” تدريجيا بالزوال من قبل العديد من الحرفيين الذين، مع التقدم في السن، وجدوا صعوبة كبيرة في متابعة مزاولتهم لهذا النشاط، علاوة على انخفاض مداخيله، الأمر الذي يثبط من عزيمة ممارسيها.
موروث عثماني

ويعد نشاط تحويل العنب، الموروث من العهد العثماني، من الحرف التي كانت تُمارس من طرف أفراد الأسرة، بطريقة حرفية ومحدودة، من حيث الإنتاج والوقت، حيث كان حوالي عشر أسر من الحرفيين ومن بينهم أولاد خاوة، المتواجدين بوسط مدينة المدية، مسؤولين عن الجزء الأكبر من إنتاج الروب وتسويقه سواء في العاصمة القديمة للتيطري وبعض المدن في وسط البلد، كالبليدة وخميس مليانة.
وحولت هذه الأسر بيوتها في بداية كل موسم حصاد كروم إلى ورشة عمل حقيقية، معتمدة على مهارة الأسلاف التي كانت فخر الحرفيين المحليين، مستعملة في ذلك نفس المعدات البدائية المستخدمة سابقا، من قبل أسلافهم، والمشكّلة من وعاء لغلي العنب وموقد نار وأواني لتجفيف خليط العنب تستخدم دائما لصناعة الروب.
حرفة تتطلب الصبر
واستمرت الحرفة في الممارسة بصفة تقليدية، شأنها شأن العديد من المهن الأخرى التي انتهت بالزوال مثل السرج أو تقطير الزهور أو الصباغة الصوفية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وتتطلب هذه الحرفة التي تستغرق فترة قرابة الشهر لإعداد هذا الخليط، وهو الوقت اللازم لنضج عصير العنب، الكثير من الصبر، كما ذكره محمد ولد خاوة، حرفي قديم وحاليا متقاعد، إلى جانب الصبر الذي تتطلبه حيث يكرس لها عدة أيام كاملة.
ويستدعي هذا العمل الكثير من الجهد والتضحية، كما أنه عمل دقيق يتطلب فقط حب المهنة والإخلاص في العمل للحصول على أفضل المنتجات، وهو ما يدفعني للقيام بهذه المهمة لأكثر من أربعة عقود، يقول السيد محمد ولد خاوة.
وإذا كان بعض الحرفيين الذين يبقى عددهم جد محدود يحاولون الاستمرار في هذه الحرفة وتجنب زوالها، فإن السبب يعود إلى العاطفة والشعور بالمساهمة في الحفاظ على إرث أسلاف العائلة، يضيف المتحدث الذي أكد أن ارتباط فئة من الحرفيين بهذه الحرفة لا علاقة له باعتبارات مالية.
عوامل أدت إلى تراجع الإنتاج

وقد أسهم تغير العادات الغذائية للمجتمع وكذا التطور في تراجع الطلب على هذين المنتوجين اللذين يتمتعان بفوائد علاجية، حسب ما أكده العديد من متناوليها. كما يرجع سبب تقهقر استهلاك “الروب” و “حلوة العنب” إلى اعتمادهما على فاكهة العنب التي بدأت تختفي من لائحة اهتمامات فلاحي المنطقة، حيث تحولوا إلى منتوجات فلاحية أخرى.
ومن جهته، أسهم الاختفاء التدريجي للنسيج الصناعي في تفاقم الظاهرة كونه كان يمتص إنتاج المنطقة من مادة العنب، إذ أصبحت نشاطات تحويل فاكهة العنب تقتصر على بعض المشتقات التي لا تدر الربح الكثير.
وقد أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى تراجع إنتاج العنب بمشتقاته على غرار رحيق العنب والمعجون المركز للعنب والهلام المستخلص من العنب، وهي منتجات يكثر عليها الطلب خلال الأعياد المحلية وفصل الشتاء لاحتوائها على سعرات حرارية عالية، كما أنها تتمتع بقدرات علاجية لبعض الأمراض.
ق. م