* دستور وبرلمان جديدان لتعزيز السيادة الوطنية
تحتفل الجزائر بالذكرى الـ 59 لعيد استرجاع السيادة الوطنية بطريقة تختلف عن احتفالات السنوات الفارطة، للعديد من الاعتبارات الموضوعية وهي إعادة النظر في العلاقات الثنائية مع فرنسا تنفيذا لمطالب الحراك الشعبي الأصيل الذي تمت دسترته وأصبح جليا أن العلاقات بين الجزائر وبلد المستعمر أصبحت وفق القاعدة المنطقية رابح / رابح، كما تشهد تراجعا كبيرا لهيمنة باريس على الاقتصاد الجزائري في عدة مجالات كانت حكرا لها بأقل تكنولوجيا وأكثر سعرا مقارنة بعروض باقي الشركاء الأجانب، كما يتجلى خلال إعادة النظر في العلاقات الجزائرية الفرنسية، رد الجزائر السريع والفعال للعديد من المحاولات الفرنسية للتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر وعلى سبيل المثال الملاحظات التي أبدتها الجزائر خلال تحركات مشبوهة للسفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافيه ديرانكور وكذا توجيه توبيخات لوسائل اعلام فرنسية في مقدمتها فرانس 24 التي حاولت تشويه الحقائق وإعطائها أكثر من حجمها، الأمر الذي عجل بغلق مكتب هذه القناة بالجزائر بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 جوان الفارط مباشرة.
الجزائر تسرّع معالجة الملفات التاريخية العالقة بموضوعية
لم تكتفِ السلطات الجزائرية بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون بإعادة النظر في العلاقات الثنائية مع بلد مستعمر الأمس، بل فرضت نفسها بقوة في الملف التاريخي العالق وتجلى أولى إنجازها باسترجاع جماجم الشهداء وزعماء المقاومة الشعبية ضد العدو الفرنسي التي كانت تحتفظ بها فرنسا لسنوات في متحف الانسان بباريس في 5 جويلية الفارط وسط فرحة شعبية بهذا الإنجاز التاريخي الذي يعزز حماية هوية الأمة الجزائرية، كما استطاع الرئيس تبون خلال فترة وجيزة من حكمه فرض منطق موضوعي في التعامل مع السلطات الرسمية الفرنسية مع الملف التاريخي العالق، ولهذا الغرض كلف المدير العام للأرشيف عبد المجيد شيخي بإدارته من موقعه الجديد كمستشار لرئيس الجمهورية مكلف بالشؤون التاريخية والذاكرة، وتجلى فرض الجزائر لمنطق موضوعي في معالجة الملفات التاريخية رفضها لمضمون تقرير ستورا بعد عام من الاتفاق ما دفع بباريس إلى غض النظر عن مضمون هذا التقرير الذي أنجزه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا بنظرة فرنسية أحادية.
الاعتراف بجريمة اغتيال محامي الثورة علي بومنجل والبقية آتية
الاستراتيجية الحكيمة للرئيس تبون في معالجة منطقية موضوعية للملف التاريخي العالق مع فرنسا تحقيقا لمطالب كافة الشعب الجزائري، دفعت فرنسا إلى الادراك أن الأمر هذه المرة يتعلق بجدية دائمة وليست مؤقتة من الطرف الجزائري، ما دفعها إلى التجاوب معه خوفا على مصالحها بالجزائر، وكانت البداية ولأول مرة باعتراف فرنسا رسميا على لسان رئيسها ايمانويل ماكرون في 23 مارس الفارط بجريمة تعذيب ثم اغتيال محامي الثورة التحريرية علي بومنجل الذي شكل تقدما في الملف التاريخي لكنه غير كاف، ويأتي هذا الاعتراف امتدادا للاعتراف باغتيال المناضل موريس أودان، وينتظر الشعب الجزائري أكثر من ذلك اعتذارات واضحة وصريحة وصادقة وتعويضات وإعادة الأرشيف المهرب بعد الاستقلال في جويلية 1962 وهي ملفات لا يمكن لفرنسا اليوم أن تتهرب منها باعتبارها عبئا ثقيلا لن يتنازل عنه الشعب الجزائري ولن يساوم فيه.
دستور وبرلمان جديدان لتعزيز السيادة الوطنية
ومن الإنجازات التاريخية التي تحسب للرئيس تبون، تجسيده للالتزامات التي قطعها للشعب الجزائري، ففيما يتعلق بالذاكرة، اتخذ قرارات هامة وشجاعة لحماية الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، أهمها اقراره بجعل الثامن من ماي من كل سنة يوما وطنيا لتخليد المجازر الوحشية البربرية التي تعرض لها الشعب الجزائري من طرف فرنسا الاستعمارية في العديد من مناطق الوطن خاصة سطيف وخراطة وغيرها من المدن، بالإضافة الى جعل 27 ماي يوما وطنيا للكشافة الإسلامية الجزائرية باعتبارها رمزا من رموز الكفاح الجزائري في مختلف مراحله منذ زمن الحركة الوطنية ثم الثورة التحريرية مرورا بمعركة البناء والتشييد بعد الاستقلال.
وحرصا من رئيس الجمهورية على تعزيز السيادة الكاملة على البلد وحماية مصالحها العليا، كما أقره بيان أول نوفمبر 1954، جسد الرئيس تبون التزامه بوضع دستور جديد زكاه الشعب في الفاتح من نوفمبر الفارط، وهو الدستور الذي حمل موادا جديدة وفصل في مواد كانت موجودة بهدف حماية السيادة وتعزيز الاستقلال الوطني في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما جسده أيضا بالاستجابة لمطالب الحراك الشعبي الأصيل بحل البرلمان واجراء انتخابات تشريعية مسبقة في 12 جوان الفارط انبثق عنها لأول مرة برلمان تمثيلي ، الأمر الذي يمكّن من تشريع قوانين تعزز سيادة البلاد على قراراتها الداخلية وثرواتها الطبيعية.
دريس. م










