عملية ترميمها تسير بخطى السلحفاة… 15 ألف عمارة بالعاصمة تهدد ساكنيها بالموت ردما

elmaouid

تحولت العمارات القديمة في العاصمة الممتدة من شارع بلوزداد مرورا بحسيبة بن بوعلي والجزائر الوسطى وساحة الشهداء والقصبة وباب الوادي وبولوغين والرايس حميدو وغيرها من بلديات العاصمة التي تحتويها

إلى خطر كبير يهدد حياة المارة وساكنيها.

يقول الخبير في البنايات الأثرية زاوي صلاح الدين لـ “الموعد اليومي” إن العاصمة تحصي آلاف العمارات القديمة التي يعود تشييدها إلى الفترة الاستعمارية، في حين وصل عمر بعض البنايات ببولوغين إلى 180 سنة، وهي عمارات لم تعد صالحة للسكن بسبب اهترائها وتساقط جدرانها وأسقفها من حين لآخر، غير أن أزمة السكن جعلت العديد من العائلات تغامر بحياتها وترفض إخلائها رغم إدراكها بالمخاطر التي قد يتعرضون لها في حال إصرارهم على الإقامة فيها.

ولم تتوقف مخاطر هذه العمارات على ساكنيها فحسب، بل امتدت إلى المارين بجوارها حيث تعرض العديد من المواطنين إلى إصابات بليغة جراء سقوط حجارة من شرفات تلك العمارات على رؤوسهم وأجسادهم بعد مرورهم تحت تلك العمارات، وكان شارعا حسيبة بن بوعلي وديدوش مراد ونهج محمد الخامس أكثر المناطق التي أضحت تشكل خطرا على حياة المارة، وكانت “الموعد اليومي” شاهدة على العديد من الحوادث التي سببها تساقط تلك الحجارة على المارة.

 

رئيس جمعية المهندسين الجزائريين المهندس عبد الحميد بوداود:

عملية الترميم تسير بسرعة السلحفاة

من جهته، كشف رئيس جمعية المهندسين الجزائريين المهندس عبد الحميد بوداود أنّ السلطات المعنية يجب أن تتدخل لحماية المواطن من جهة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الأحياء السكنية القديمة، مضيفاً أنّ في الإمكان تهيئة وترميم بعض العمارات القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، للحفاظ على العمق التاريخي للجزائر، وللحفاظ على هويتها أيضاً.

خصصت السلطات المحلية لولاية الجزائر 500 مليون دينار لترميم واجهات وسلالم وأقبية العمارات القديمة، في خطوة باشرت فيها منذ أكثر من عامين، لكنّها “تسير بوتيرة بطيئة” بحسب بوداود، وبذلك فإنّ المتضرر الأول هو المواطن، كذلك، تفقد الجزائر في نهاية المطاف، جزءاً من تاريخها وهويتها العمرانية، كما يضيف.

ويهدف البرنامج بحسب الولاية إلى الإبقاء على معالم عاصمة الجزائر وتاريخها. وبدأت العملية بالفعل، في تهيئة شوارع “حسيبة بن بوعلي” و”العربي بن مهيدي” و”ديدوش مراد”، وأحياء “باب الوادي” الشعبي و”القصبة” و”تيليملي”.

المخطط الذي باشرته السلطات المعنية هدفه ترميم واجهات العمارات على مستوى الشوارع الكبرى وترميم المداخل، وإعادة ترميم السلالم والمدرجات والأسقف، التي تهدد المواطنين المارة بسقوط أجزاء منها في أيّ لحظة.

كذلك، ستلتفت السلطات المحلية إلى ترميم العمارات التي تعاني في معظمها من مشاكل تسرب المياه، والتي أصبحت في الوقت نفسه تهدد حتى بسقوط العمارات، بحسب ما جاء في تقارير عدد من الخبراء بعد معاينة عمارات العاصمة.

على صعيد متصل، بادرت السلطات إلى القضاء على مختلف عمليات البناء الفوضوية التي جرى بناؤها في تلك العمارات القديمة (زيادة غرف) أو فوق أسطحها وداخل أقبيتها، خصوصاً تلك العمارات الآيلة للسقوط أساساً. وجاءت خطوة السلطات استباقاً وتفادياً لأيّ كارثة محتملة. وكان كثير من الجزائريين قد لجأوا إلى البناء العشوائي في حال توفر مكان من أجل مواجهة أزمة السكن الكبيرة في البلاد، خصوصاً على مستوى العاصمة والمدن الكبرى.

على المستوى الجمالي، وبالرغم من أنّ تلك العمارات تشكل جزءاً من المشهد العام للجزائر القديمة، إذ تمثل العمق التاريخي لعاصمة البلاد، لكن على أرض الواقع تشهد مختلف عمارات الجزائر القديمة عدداً كبيراً من المشاكل التقنية التي شوهت واجهاتها. وهو ما سيدفع بالسلطات المحلية إلى إعادة تهيئتها من أجل إعادة إحياء وجهها اللائق الذي عرفت به على امتداد التاريخ.

 

عملية الترميم ستمس 7 بلديات فقط

من جهتها، كشفت مديرية المراقبة التقنية والتجارب، عن إجراءات جرى اتخاذها من قبل مصالح المراقبة التقنية للبنايات على مستوى العاصمة تندرج ضمن تدابير مصادقة القانون رقم 04-05 المؤرخ في 14 أوت 2004 والمعدل والمتمم للقانون 90-29 المؤرخ في ديسمبر 1990 والمتعلق بالتهيئة والتعمير، ومعاينة العمارات القديمة وتشخيصها وتحديد كل الترتيبات الواجب اتخاذها لترميمها على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

يشمل الشطر الأول من العملية، بحسب تلك المعلومات، سبع بلديات في العاصمة، ويتعلق الأمر بكلّ من بلدية سيدي امحمد، باب الوادي، بلوزداد، الجزائر الوسطى، القصبة، المدنية، الحراش. وأسفرت عملية المراقبة عن إحصاء أكثر من 15 ألف عمارة قديمة، مائتان منها في حاجة إلى الترميم العاجل أو الإزالة بسبب الأضرار الفادحة والوضعية الخطرة التي آلت إليها. ومن المنتظر انطلاق عملية ترميمها بحسب بوداود في الأيام القليلة المقبلة.

وبحسب التشخيص التقني للعمارات القديمة ومعاينتها التي يجري بموجبها تحديد ما يحتاج من بينها إلى الترميم أو التهديم، ستشمل العملية في المستقبل كلّ بلديات العاصمة كإجراء من شأنه تجديد المنشآت السكنية داخل العاصمة التي تعد من المناطق الواقعة على شريط زلزالي نشيط. كذلك، ستتضمن الإجراءات المستقبلية إقرار شروط إجبارية صارمة في قطاع البناء في العاصمة، إذ ستجري معاقبة كلّ من يخالفها.

من جهتها، أوضحت قصاب مهندسة وأستاذة بالمدرسة المتعددة التقنيات للهندسة والعمران للحراش أن نصوص القانون الوحيدة المتوفرة متعلقة بالحفاظ على البنايات المصنفة كتراث ثقافي وتاريخي مع إقصاء حظيرة العقار الذي يعود تاريخه إلى عهد الاستعمار الفرنسي، “على الرغم من وجود بنايات تستحق التصنيف من أجل قيمتها الفعلية”.

في حين اعتبر الخبير العمراني وحيد تمار أن تعدد المتدخلين في العملية لا يساعد على تقدم الأمور. وتتوفر العاصمة على برنامج ترميم 55302 سكنا حددوا من خلال دراسة التشخيص التقني والاجتماعي – الاقتصادي التي أنجزت سنة 2006 وشملت حظيرة تضم 13690 عمارة (78445 سكنا) موزعين على 14 بلدية لوسط المدينة. وأضاف أن “هناك ستة متدخلين في عملية الترميم الجارية في العاصمة. ويجب التوصل إلى متدخل واحد”. وإضافة إلى الدواوين الثلاثة للترقية والتسيير العقاري للجزائر العاصمة (بئر مراد رايس وسيدي امحمد والدار البيضاء) تسجل العملية تدخل الدواوين العقارية للجزائر العاصمة ومكتب الدراسات “اوفارس” ومديرية الولاية لتهيئة وترميم الأحياء. وأعرب تمار أيضا عن أمله في تدخل السكان في العملية خاصة الملاك الذين من المفروض أن يقوموا بأشغال ترميم عماراتهم بأنفسهم.

فهل ستتحرك مصالح وزارة السكن والعمران والمدينة وكذا وزارة الثقافة لترميم هذه البنايات التاريخية وإنقاذها من الإندثار قبل فوات الاوان؟