صنف، مؤخرا، المجلس الشعبي الولائي بعنابة بلدية الشرفة ضمن البلديات الأكثر فقرا وعزلة من حيث التنمية على المستوى الوطني، فرغم أنها تتوفر على بحيرة فتزارة والأراضي الفلاحية الخصبة، إلا أن التنمية بقيت بها في نقطة الصفر رغم محاولة المجلس الشعبي البلدي في عهدته الحالية تغيير الوجه القاتم لهذه المنطقة التي ترفض أن تكون بلدية خاصة بعد الانسداد الذي عاشته والصراعات الداخلية بين المنتخبين الذين
لهم انتماءات حزبية مختلفة، ما جعلها تبقى غارقة في صمت وعزلة منقطعة عن العالم الخارجي ومتخلفة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بعشرات السنين.
فالمنطقة عبارة عن جيب معزول عن ولاية عنابة وللوصول إليها حسب مواطنيها، لابد من قطع أكثر من 30 كلم عبر بلدية سيدي عمار، يحدها من الشرق والجنوب العلمة ومن الغرب بلدية برحال، وتحيط بهذا الدوار الكبير الذي يحصي نحو 20 تجمعا سكنيا وقرية، تضاريس وعرة وغابات كثيفة باتجاه قرى الخلايفية.
وعند وصولك إلى بلدية الشرفة تدرك مباشرة أنها منطقة فلاحية نظرا لانتشار الأراضي والحقول المحيطة بها، بالإضافة إلى قطعان الماشية والماعز المنتشرة هنا وهناك. ويبقى هذان النشاطان مصدر الرزق الوحيد لسكان المنطقة، فالمحظوظون يملكون أراضيهم وحيواناتهم الخاصة، أما البقية فما عليهم سوى العمل لدى الغير مقابل دنانير قليلة لا تكفي شابا أعزب فما بالك بعائلة كبيرة، فيما تبقى الفئة الأخرى تقتات من شبكة النشاط الاجتماعي.
أكدت بعض العائلات التي تقطن المشاتي المترامية في أطراف بلدية الشرفة أنها تقطع مسافة طويلة لاستخراج وثائق الحالة المدنية، ويضيف أحدهم ما جدوى وجود قاعات علاج صحية دون توفير سيارة إسعاف، فحتى أخذ حقنة يتطلب التنقل إلى عاصمة الولاية خاصة في نهاية الأسبوع، فالنساء في هذه المنطقة ما زلن يضعن مواليدهن في البيوت نظرا لاكتظاظ وضغط مستشفى عين الباردة.
وأشار هؤلاء السكان إلى أنهم كانوا وما زالوا حماة للمنطقة عندما جعلها الارهاب خلال العشرية السوداء معبرا، وجعلتها العصابات مكانها المفضل، ولكن جزاءهم كان التهميش منذ الاستقلال.
النقل والماء الشروب المشروع الحلم
تتوفر بلدية الشرفة على 18 قرية منها سلامي، مشتة أولاد عطاء الله، لعبيدي محمد وغيرها من القرى الأخرى التي تمثل المؤشر الحقيقي لقياس مستوى الفقر بعنابة، إلى درجة أن سكان هذه المناطق يحلمون بتوفير لهم حافلة تخفف عنهم عناء البحث عن سيارة “فرود”، حيث ما تزال العائلات تعول على الشاحنات والحافلات التي تأتي ممتلئة من الجارة العلمة للتنقل إلى عاصمة الولاية خاصة في فصل الشتاء.
إلى جانب هذا، يطالب المواطنون بربط قراهم بالمياه الصالحة للشرب لأنهم ملوا من المياه المالحة، الأمر الذي يجبرهم على اقتناء مياه الصهاريج وكذلك تخصيص لهم غلاف مالي يوجه للتهيئة من أجل إخراجهم من حياة البداوة مع تهيئة الطرقات وتجديد قنوات الصرف الصحي، ما ساهم في تصعيد مستوى التهميش والإقصاء الجماعي. وقد اعتبر السكان أنفسهم مجرد أرقام في سجلات المسؤولين لأن الحقرة تظهر جليا خلال فصل الشتاء، أين يجد المواطنون أنفسهم مضطرين للتنقل عبر مسافة طويلة لجلب قارورة غاز البوتان مقابل أسعار يضعها المضاربون من أجل الربح السريع، وينتظر بعضهم ربط سكناتهم بالغاز الطبيعي بعد ربط عدة أحياء بهذه المادة الأساسية.
وفي سياق متصل، تفتقر أغلب القرى الأخرى للعديد من المرافق الضرورية والهياكل الرياضية التي يحلم بها الشباب كغياب قاعة متعددة الرياضات لقضاء أوقات فراغهم بدلا من التنقل إلى المقاهي أو التورط في قضايا السرقة والاعتداء على المواطنين، التي تعرف تناميا كبيرا خلال الآونة الأخيرة خاصة أمام تهميش الشباب البطال بولاية عنابة، كما أن سكان هذه القرى طالبوا أكثر من مرة بتدخل الجهات المعنية لإخراجهم من دائرة العزلة، مع ضمان لهم التغطية الصحية والشغل.
العائلات كثيرة… والسكنات قليلة
استفادت بلدية الشرفة من برامج سكنية كثيرة منها توزيع 300 مسكن اجتماعي إلى جانب إعادة النظر في الحصة السكنية المتأخرة عن الأشغال التي تعود إلى العهدات السابقة، وتقدر حسب مصالح البلدية بـ 130 وحدة سكنية متأخرة نتيجة نقص العقار، إلى جانب 20 وحدة سكنية أخرى، وهي الحصة التي فجرت الأوضاع الداخلية بعد تسجيل تجاوزات أخرى، أين تدخلت مصالح الأمن لإعادة الهدوء الحذر للمنطقة التي كانت قد حولت بلدية الشرفة إلى بؤرة لا تعرف الاستقرار. من جهة أخرى، استفادت البلدية من عملية توزيع 44 سكنا خلال سنة 2014، أما فيما يخص الطلبات المطروحة على طاولة مديرية البناء والتعمير، فقد بلغت أكثر من 1746 طلب ينتظر التسوية مع وضع طالبي السكن في خانة الاهتمامات بعد أن تحولوا على حد تصريحاتهم إلى مجرد أرقام في سجلات المسؤولين.
ولم يغفل سكان البلدية في حديثهم التطرق إلى ملف السكن الريفي الذي يعتبر ورقة تمررها الجهات المحلية لدر الرماد في أعين سكان البناءات الهشة، خاصة أن مصالح البلدية كانت وزعت نحو 140 حصة، منها حصة 20 مسكنا ذات طابع ريفي بسيدي شلابي، ويدخل هذا البرنامج في إطار تعزيز استقرار سكان الأرياف في أراضيهم والحد من النزوح الريفي إلى الفيلاج، وعليه فإنه خلال مناقشة قضية السكن الريفي مع المنتخبين المحليين، سجلت ذات الجهة أن القرى والمشاتي البعيدة بحاجة لهذا النوع من السكن مع توفير مختلف المرافق الضرورية، ورغم الخريطة الجديدة التي تنتهجها البلدية لتغطية العجز في قطاع السكن، إلا أن ذلك حال دون القضاء على المباني غير اللائقة، وهو ما اعتبره رئيس البلدية محاولة وخطوة جريئة لإخراج هذا الدوار الكبير من العزلة التنموية، ولو أن الحصص المقدمة غير كافية.
وفيما يخص التحصيصات الخاصة بالسكن الاجتماعي، وهي النقطة التي لجأت لها مصالح البلدية تحسبا للفوضى والغليان الشعبي، هو وضع إعلان لدراسة طلبات الراغبين في الحصول على قطع أرضية صالحة للبناء التي تصل إلى 200 قطعة مقابل 676 ملف موجود على طاولة الصندوق الوطني للسكن من أجل دراسة مختلف الوضعيات المطروحة، علما أن ذات البلدية قد استفادت خلال سنة 2015 من 200 حصة سكنية وزعت على سكان القرى المهجورة والمداشر، خاصة أنه تم إحصاء نحو حوالي 16148 نسمة.
فتح طرقات… لفك العزلة عن سكان المداشر المعزولة
تحدث نحو 12 ألف مواطن بالشرفة عن وضعية الطرقات التي تحولت إلى ممرات ترابية يغلب عليها الطابع الريفي والتضاريس القاسية، حيث تجد أغلب العائلات نفسها مضطرة لقطع مسافات طويلة بسبب عزوف أصحاب “الفرود” أو سيارات الأجرة عن استعمال هذه الطرقات التي لا تصلح إلا للجرارات أو الشاحنات وهي أبسط الوسائل التي يستنجد بها سكان المداشر للتنقل من قرية إلى أخرى، أما الحوامل والمرضى فيتحملون مشقة كبيرة خلال تحويلهم إلى قاعات العلاج المتناثرة على طول الشريط الذي يحيط ببلدية الشرفة.
وأمام الميزانية الضعيفة التي تتوفر عليها البلدية، فقد خصص غلاف مالي خلال سنة 2015 قدر بـ 800 مليون سنتيم موجه لعملية التهيئة والترميم التي شملت مركز البلدية وكذلك القرى، حيث وجه نحو 20 مليون سنتيم لمشتة المراونة، سلامي، الخلايفية بتهيئة الطريق الذي يربط أربع قرى في طريق الانجاز بنسبة 50 بالمائة، بالإضافة إلى ثلاثة مشاريع أخرى في إطار المخطط البلدي للتنمية جميعها في طريق الانجاز، منها تعبيد الطريق الرابط بين حي الشرفة وحي عزيزي أحمد على مسافة 4 كلم نظرا لأهميته، فضلا عن توفير حصة بها 6 كلم وحصة أخرى 4 كم و5 كلم لتعبيد الطرق بين ست قرى على مستوى مقر البلدية، ضمن مشروع قطاعي 40 – 50 هكتارا للتحسين الحضري، علما أن المنطقة تفتقر كثيرا للإنارة لعمومية بعد تورط منحرفين في تخريب الكوابل، إلى جانب تسجيل نقاط سوداء، فيما تم ربط الشرفة وما جاورها بالإنارة للقضاء على السرقات، فيما توقفت أخرى بسبب العوامل الطبيعية القاسية كالرياح مثلا، بالإضافة إلى الطريق الرابط بين مشتة سلامي والشرفة مركز على مسافة 6 كلم، وهو مشروع قطاعي كذلك بنسبة 70 بالمائة، حيث كان الطريق في السابق يشكل خطرا على السائقين والمارة وبه منعرجات خطيرة، ونظرا لصعوبة الموقف اجتمعت مصالحه مؤخرا بالمقاول – حسب ما يؤكده المسؤول الأول بالبلدية – وتم التوصل إلى اتفاق على أن الطريق سيعبد ويؤخذ بعين الاعتبار خلال الأيام القادمة.
فلاحة غائبة بسبب غياب موارد السقي
تعتبر بلدية الشرفة منطقة فلاحية بامتياز، لكن يبقى هذا النشاط في مرتبة أدنى من طموحات السكان وسخاء أراضيهم، لأن الفلاحة تعتمد على وسائل بدائية، وحتى برامج الدعم الفلاحي انتهت بتجميد عشرات الهكتارات، لتفقد بذلك هذه المنطقة سمعتها الفلاحية خاصة بعد نقص موارد السقي. ومنذ ذلك الوقت تحولت الشرفة إلى منطقة رعوية بنسبة كبيرة، فيما تبقى المساحة المخصصة للزراعة ضئيلة ويوجد أغلبها في ضواحي مشتة أولاد عطاء الله، حيث تستغل أراضيها في منتوج الطماطم والبطاطا والخضروات الموسمية الأخرى.
وساهم الطابع الغابي في تعزيز الثروة الحيوانية وتجميع الحليب ومشتقاته، لكن يبقى المشكل القائم، هو أن ثروتهم الفلاحية الموروثة عن أجدادهم، التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد أصبحت مهددة بالموت بسبب العطش ونقص الآبار والسدود، بعدما هُرّبت مياه الطبقة السطحية بفعل المضخات الكبيرة التي تستعمل لسقي حقول البطاطا والطماطم في الصيف، خاصة أن هناك بعض المنتوجات التي تسقى لوحدها. كما أن نقص المياه أثر على الخضروات، سواء من ناحية الكمية أو النوعية، حيث أن المنتوج يعطي نوعية رديئة، ما يؤثر على مصدر رزقهم الوحيد. ويطالب فلاحو المنطقة أيضا بضرورة دعمهم بالأسمدة كالمواد العضوية التي تحتاجها المحيطات الفلاحية من أجل التحسين، وكذا الوفرة في إنتاج الطماطم الصناعية، إضافة إلى الأدوية لمكافحة العديد من الأمراض التي تتسبب في إفساد البطاطا، قصد إنقاذ الأراضي وإقامة حقول خاصة بتربية النحل بمنطقة الشرفة عموما، التي تحتوي العديد من بيوت النحل والزيتون التي يهددها نقص المياه وضعف الدخل الفردي للسكان من أجل خدمتها لتوفير مدخول عائلاتهم.
رئيس بلدية الشرفة يفتخر بمرافق لم تحقق استقرار سكانها
من بين الإنجازات التي يفتخر بها رئيس بلدية الشرفة هو مشروع بناء مركز صحي كبير ووحدة للحماية المدنية ومشروع ربط البلدية بالغاز الطبيعي الذي طرح على الوالي خلال دورة المجلس الولائي العادية لسنة 2010، ويبقى المشروعان حلما يراود السكان.
وخلال حديثنا لأحد المسؤولين بالبلدية، أكد أنه تم توفير 6 حافلات نقل مدرسي، لأن التلاميذ كانوا في الماضي يضطرون لدفع مبلغ 20 دج مرتين في اليوم للوصول إلى الثانوية، وقد علمنا أن الكثير من العائلات اضطرت إلى توقيف أبنائها عن الدراسة لعدم قدرتها على تحمل تكاليف النقل. ولعل أغرب ما سمعناه في الشرفة أن تلاميذها لا يحلمون سوى بمجانية النقل لمواصلة دراساتهم. ومن بين المرافق القليلة الموجودة في الشرفة، ملحقة بمركز التكوين المهني والتمهين تمنح للشباب فرصة نيل شهادات في البناء والفلاحة بالنسبة للذكور، والخياطة والحلاقة بالنسبة للإناث. لكن هذه الشهادات لم تغير شيئا في مصير هؤلاء الذين ينضمون بعد الحصول عليها إلى قائمة البطالين.