أنوار من جامع الجزائر

عنايةَ الإسلام بإرساء قواعد الأمن والسَّلام – الجزء الثاني –

عنايةَ الإسلام بإرساء قواعد الأمن والسَّلام – الجزء الثاني –

إن عنايةَ الإسلام بإرساء قواعد الأمن والسَّلام بمفهومه الشامل- بين أفراد هذه الأمة، أو بين أمتنا والأممِ الأخرى- مسألةٌ واضحةُ المعالم، يجدرُ بنا الوقوفُ عندها مليًّا، والعملُ على تجسيدِها في حياة الناس، وإليكم أهمَّ قواعدها، وأقوى مرتكزاتها، وهي ثلاثة:

أولا: قاعدة العدل لقد أقام الله هذا الكون الفسيح، فرفع سماءه، وبسط أرضه، وأوسع فضاءه، ووهب الحياة، على بساط الحق والعدل والإنصاف، فأمر بإقامة موازين القسط أمرا آكدا في غير ما موضع من كتابه، فقال تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى” النحل: 90، وقال عز وجل: ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون” المائدة:  08، وزجر عن الظلم والجور زجرا مشددا في مواضع مختلفة، بصيغ متنوعة، وتشريعات مشددة، فقال تعالى: ” والله لا يهدي القوم الظالمين” آل عمران: 86، وقال: ” والله لا يحب الظالمين” آل عمران: 140.

ثانيا: قاعدة الإصلاح حرِص الإسلام على إصلاح ذات البين، وإشاعة ثقافة السِّلم بين بني البشر، فقال تعالى: “فاتقوا وأصلحوا ذات بينكم” الأنفال: 01، وقال تعالى: “والصلح خير” النساء: 128، وقال أيضا: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما” الحجرات: 09، وقد ضرب النبيُّ عليه الصلاة والسلام أروعَ الأمثلة في إصلاح ذات البين، فعند البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن أهل قباء اقتتلوا حتى ترامَوْا بالحجارة، فأُخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ” اذهبوا بنا نصلحْ بينهم “. بل نجد الإسلام قد تجاوز مسألة السلم داخلَ الأمة الإسلامية، وتعدَّاها إلى العلاقات الدَّولية، فسعى إلى بنائها على قواعدِ السلام الصَّحيحةِ، حيث قال تعالى: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وتوكل على الله، إنه هو السميع العليم” الأنفال: 61.

ثالثا: قاعدة إعداد العُدَّةِ وسنةِ التدافع لقد عُلم يقينا من تعاليم ديننا، وقد صدَّقَهُ الواقع، أنَّ أهلَ الشَّرِّ والباطلِ والكفر، يتفننون في الاعتداء على الغير، بكل أنواع الأذى، خصوصا إذا كانوا من المستضعفين -سنةَ الله في خلقه-، لذا شرع الله المدافعة بالحق؛ ردًّا للعدوان، فقال تعالى: “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين” البقرة:251]، وأمرَ الأمة بأن تُعِدَّ ما استطاعت من قوة، لتُرْهِب من يتربصُ بها الدوائر، وتحميَ حوزتها من الاعتداء، فالحقُّ يحتاج إلى قوة تحميه، إن ما تقترفهُ الأيادي الصهيونيةُ الآثمة في أولى القبلتين؛ لهو تعدٍّ صارخٌ على كل المبادئ والقيم والأعراف والشرائع والاتفاقيات، وتَظهرُ هنا بجلاء للأسف الشديد سياسةُ الكيل بمكيالين عند الغرب المتحضِّر-في زعمهم-، حيثُ خفَتَ صوتُ أكثرهم أمام مجازر الإبادة التي يتعرضُ لها إخواننا في غزة العزة، وفلسطينَ الأبية، كما صمتَ من قبلُ صوتُهُم أمام المجازر الوحشية في البوسنة والهرسك، ولن يُرْفعَ الغبنُ عن أمتنا، ولن نستعيدَ كرامتنا ونصونَ أمْنَنَا إلا إذا أعددنا القوة التي تُرجع الحقَّ السليب إلى أصحابه، وننهضَ بأجمعنا لردِّ العدوان المسلط علينا؛ بسبب ضعفنا وهواننا وبعدنا عن منهاج ربنا.

 

الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر