عاد الحديث عن العنف في الملاعب، في الآونة الأخيرة، بعد الأحداث التي شهدناها قبل ثلاث جولات من إسدال الستار على الموسم الكروي الحالي، مع احتدام الصراع بين الفرق على المراتب الأولى، وأخرى تصارع على تأشيرة البقاء.
وعلى الرغم من العقوبات المفروضة من قبل الرابطة على الأندية، عبر حرمان العديد من الفرق من جماهيرها، ضف إليها تسليط العقوبات المالية على الأندية، والتي من الواضح أنها لم توقف هذه الظاهرة التي عادت بقوة إلى المدرجات مؤخرا.
وأعادت أحداث مواجهة شباب قسنطينة واتحاد العاصمة، إلى الأذهان كابوس العنف، عقب نهاية اللقاء بالتعادل الإيجابي، والتي شهدت أعمال شغب في مدرجات وعلى أرضية ملعب الشهيد حملاوي، عقب اندلاع الاشتباكات بين عناصر الأمن والمناصرين، سرعان ما تطورت إلى اقتحام الجماهير أرضية الميدان، حيث قاموا خلالها بتكسير الكراسي، في صورة مرعبة، أسفرت عن سقوط مصابين في أوساط الأنصار
وامتدت إلى الصحافيين والمصورين، وحتى أعوان الأمن، وهو الواقع الذي عرّى الحقيقة المرّة وكشف عن حجم الظاهرة التي خرجت عن السيطرة.
المتعة تحولت إلى خوف
ظلت مباريات كرة القدم، تشكل المتعة والتسلية للكثيرين، ولا يقتصر الأمر على فئة الشباب، بل تعدى الأمر إلى مختلف الأعمار والشرائح، لكن العنف المسجل في الملاعب صار هاجسا يفسد المتعة، ويؤرق العائلات وحتى المواطنين، خوفا من الفوضى والمشاكل التي قد تعقب اللقاءات والمباريات، خاصة وأن الكثير منهم تعرض للسرقة والضرب وتكسير سيارته لا لسبب سوى مروره بالقرب من الملعب.
وفي هذا السياق، أكد لنا “إيدير” أنه أقسم ألا يخرج من البيت كلما كانت هناك مباراة، أو الدخول إلى البيت قبل نهاية المباراة بعدما تعرض العام الماضي إلى السرقة وتكسير سيارته، كما قالت لنا السيدة “أمينة” إنها لا تغامر أبدا بالخروج في وقت انتهاء المباريات، كما تمنع هذه السيدة أبناءها من الذهاب للملاعب أو الخروج في أوقات نهاية المباريات.
أما عن الأسباب والطرف الذي يتحمل المسؤولية، لمسنا لدى اقترابنا من بعض الشباب للاطلاع على وجهة نظرهم في الموضوع، تباينا في الآراء، فمنهم من يلقي بالمسؤولية على الصحافة، حيث يرى أسامة 27 سنة أن الصحافة الرياضية تتسبب عبر الحوارات في البلاطوهات بتحريض وخلق الشحناء بين الجماهير الرياضية، وقد وقفنا – يقول – مرارا على أحداث مأساوية تضيع معها معنى الروح الرياضية ومتعة ممارسة الرياضة، ويتشابه فيها طعم الهزيمة والانتصار لأن الخسارة تعم على الجميع في آخر المطاف.
محمد 29 عاما، يقول إن حضور المباريات في الملاعب يشبه مواجهة الموت، فلطالما سمع عن مشادات عنيفة بين المناصرين أدت إلى قتل أحدهم، لذلك اختار الابتعاد عن التشجيع خارج منزله.
وأرجع التعصب بين مناصري الأندية الرياضية إلى التصرفات غير السوية للمشجعين أنفسهم، إذ يعاني أغلبهم جراء ظروف اجتماعية صعبة، مما يخلق لديهم ذلك السلوك العدواني المترجم في التخريب والمشادات التي يعتبرونها متنفسا لمكبوتاتهم.
تبادل للتهم والنتيجة واحدة
يرجع الكثير من المتابعين عودة هذه الظاهرة إلى قلة التنظيم والتنسيق بين اللجان التنظيمية والقائمين على القطاع، بالإضافة إلى عدم التزام بعض المسيرين والمدربين واللاعبين من خلال تصريحاتهم التي تؤثر سلبيا على نفسية المناصر الجزائري.
وفي سياق آخر، حمّل الخبراء الرياضيون رؤساء الأندية مسؤولية ما يحدث في الملاعب، خاصة حين يستعملون الشارع بصفته محركا أساسيا لظاهرة العنف، كورقة ضغط لتحقيق أهداف شخصية.
انعكاس لما يحدث في المجتمع
قال مصطفى حساني، رئيس اللجنة الوطنية التنفيذية للوقاية من العنف في المنشآت الرياضية، تعقيبا على عودة ظاهرة العنف إلى الملاعب: “ظاهرة العنف في الملاعب ليست جديدة، وهي نتيجة مجتمعية وانعكاس لما يحدث من عنف وسطه”، وأوضح: “لكن بما أن الأضواء مسلطة على كرة القدم والملاعب، فإن الزخم والجدل يكون أكبر”، وأضاف: “منذ عام 2014، تم سن نصوص قانونية من أجل محاربة هذه الظاهرة، التي لا تتوافق مع طبيعة الشعب الجزائري المضياف والكريم، وتسيء لسمعة الرياضة الجزائرية، بعد أن نجحت الجزائر في تنظيم أحداث دولية بتقدير عالمي، في الفترة الماضية”، وقال المتحدث إن اللجنة التي يرأسها، بالتنسيق مع العديد من القطاعات والهيئات الرسمية، وفي مقدمتها الأمنية، على غرار مصالح الشرطة والدرك الوطني، تبحث عن حلول معقولة وقابلة للتجسيد والحد من ظاهرة الشغب، قائلا: “في الواقع، لا توجد حلول سحرية للظاهرة، لكننا ندرس الكثير من الخيارات، وفي مقدمتها، إعداد نصوص قانونية لتجريم ظاهرة الشغب، والذهاب نحو تنفيذ كل النصوص القانونية السابقة”.
كما تحدث حساني عن جدلية إعداد قاعدة بيانات، لمنع المشاغبين من دخول الملاعب، كحل وقائي، واستنساخا لتجارب أوروبية ناجحة، قائلا: “الفكرة مطروحة ومجدية، لكنها تتطلب آليات وإمكانيات محددة لتطبيقها، وتحتاج إلى ميزانية ضخمة مرتبطة بتأهيل الملاعب بالوسائل التكنولوجية اللازمة. نحن بصدد العمل على هذا الموضوع”، مضيفا: “الأسباب متشعبة والحلول مرتبطة بتحمل كل طرف مسؤوليته”.
لمياء. ب