أيها الأحبة في الله، دعونا نقترب أكثر من سيرة المصطفى ﷺ، لنرى مشهدًا من أعظم مشاهد النصرة بعد الهجرة، إنه صلح الحديبية، حين خرج النبي ﷺ مع أصحابه يريدون العمرة، فأوقفتهم قريش ومنعتهم، فجلس النبي ﷺ يعقد صلحًا رأى فيه الصحابة إجحافًا. حتى قال عمر رضي الله عنه: “ألسنا على الحق وهم على الباطل؟!”، لكن النبي ﷺ كان يرى بعين النبوّة أن الصلح الظاهر جَور، لكنه في الحقيقة فتحٌ مبين. وصدق الله إذ قال: “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا”. تعلّموا من هذا الموقف يا عباد الله، أن النصرة ليست بالصخب والاندفاع، وإنما بالحكمة والصبر والثقة في وعد الله. فبعد عامين فقط، رجع النبي ﷺ إلى مكة فاتحًا منتصرًا، لكنه لم يدخلها متكبرًا ولا جبارًا، بل متواضعًا، مطأطئ الرأس، شاكرًا لله، يعفو عمن آذوه وطردوه، ويقول لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. هكذا تكون النصرة، نصرةً بالرحمة والعفو، لا بالانتقام والبطش. معاشر المسلمين، نصرة النبي ﷺ في هذا الزمان تعني أن نكون سفراء سنته، أن نُري الناس أخلاقه في تعاملنا، أن نُحافظ على الصلوات التي كانت قرة عينه فيها، أن نُعلّم أبناءنا حبه من خلال سيرته العطرة وأيامه النضرة، أن نقرأ القرآن الذي كان خُلقه، أن نكون رحماء في بيوتنا، أوفياء في أعمالنا، أمناء في تجارتنا، عادلين في خصوماتنا. إن نصرة النبي ﷺ أن نتمثل صورة الجسد الواحد الذي كان يضربه نبينا الكريم لهذه الأمة مثلا لوحدتها وترابط أبنائها، وما يعيشه إخواننا اليوم في فلسطين، وفي غزة العزّة من ابتلاء عظيم إلا معيار لقياس درجة الانتماء لهذه الأمة، فمن لم يتألم لآلامهم، ويتحرك لرفع أحزانهم، وينتصر لقضيتهم، فليراجع إسلامه، وليتفقد إيمانه، وليبحث عن قلبه في مقابر الأموات، وليسأل الله أن يحييه بعد موته، فلا معنى للانتساب لهذا الدين دون تحقيق أدنى شرط وهو نصرة النبي ﷺ في أمته وعدم خذلانه فيها من بعده. فيا من تفرحون بتجدد ذكرى مولده الشريف، اجعلوا من هذه الذكرى عهداً جديداً، نُجدد فيه البيعة القلبية: أن ننصره بصدق الاتباع، وأن نكون حقاً “أمة محمد ﷺ “. اللهم إنا نسألك حبك، وحب نبيك، وحب من يحبك، وحب عملٍ يقربنا إلى حبك. ثُمَّ صَلُّوا رَحِمَكُمُ ٱللَّهُ وَسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ٱلَّذِي أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ بِٱلصَّلَاةِ وَٱلسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: “إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۖ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”. ٱللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي ٱلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. ٱللَّهُمَّ ٱهْدِنَا لِأَحْسَنِ ٱلْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَٱصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، ٱللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ ٱلْإِيمَانِ، وَٱجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. ٱللَّهُمَّ ٱرْزُقْنَا شَفَاعَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَٱحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَٱسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ شَرْبَةً هَنِيئَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ بَلَدَنَا الْجَزَائِرَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ،
الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر