يحتل “عيد الفطر” مكانة كبيرة عند سكان مدينة “القصبة” العتيقة، حيث يتم الاستعداد له ماديا ومعنويا بالموازاة مع شهر الصيام، ويحتفظ أهل “القصبة” وساكنتها بمشاهد كانت عنوانا لسلوك حضاري عاشوه بين بيوت وأزقة النسيج العمراني العريق.
سحر الأزقة ودفء المكان
احتفظ حي القصبة بـ “ريتمه” اليومي حتى في شهر الصيام، ولم يبدُ على سكانها الاستعجال في صعود المسالك أو نزولها، وهم متوجهين إلى ساحة الشهداء لاقتناء حاجتهم من السوق أو إلى ناحية باب الجديد باتجاه أعالي العاصمة.
ويفسر سكان “القصبة” هذا “الريتم” الهادئ بكون القصبة “لم تعد محل نشاط تجاري كما كانت في العهود السالفة”، ما يدفع بسكانها والمحيطين بها إلى مناطق مفتوحة توفر الحاجيات اليومية من مواد غذائية وخبز وخضر وفواكه.
بينما اعتبرت سيدة مقيمة هناك أن “الهدوء” الذي يسود الحي العتيق، “فرصة ثمينة للعيش براحة بعيدا عن ضوضاء وسط المدينة الحديثة”، مشيرة إلى أن أغلبية العاصميين تعودوا في السنوات الأخيرة على قضاء يومياتهم الرمضانية في الأسواق الشعبية لباب الوادي و”جامع ليهود” وأخرى كثيرة انتشرت بمناسبة رمضان.
وتعترف المتحدثة أن تحضيرات عيد الفطر هذه السنة “لا تختلف عما سبقها”، حيث تجتهد الأسر في اقتناء ملابس الأطفال وطهي الحلويات، دون أن تستثني لجوء بعض السيدات إلى صنع الحلويات خارج منازلهن عند مختصات في الشأن أو شرائها مباشرة من المحلات التجارية التي باتت هي الأخرى وجهة العاملات.
تغييرات تفرضها السنون
ويرى الحاج قرشي حسين، وهو نائب رئيس “مؤسسة القصبة”، أن الأجواء في القصبة تغيرت “بشكل جذري”، مؤكدا أنه في زمانه (وقد تجاوز عقده السادس)، كانت أجواء عيد الفطر “مقترنة بشهر رمضان من بدايته إلى آخره” وأن السكان من رجال ونساء كانوا “يستعدون روحيا وماديا” لهذا الموسم، بحيث يتشارك الجميع في تفاصيله الدقيقة.
داخل البيوت وبين الأزقة.. أجواء لن تجدها في غير “المحروسة”
ويستعيد الحاج قرشي بعض ذكرياته، فيقول إن رائحة رمضان كانت تصل مبكرة، أي منذ حلول شهر رجب ثم شعبان، وكان الكبار يحببون هذه المناسبة للأطفال، ويشركونهم في التحضيرات أبرزها “التلساس” أي طلي الجدران الخارجية للمنازل بالجير، أو شراء التوابل عند محلات شارع رابح رياح (بورت نوف سابقا)، أو بشارع بوزرينة وكذا شارع بورحلة حيث الجزارة.
ويؤكد الحاج أن نساء القصبة “المشهورات بالتنظيم والنظافة”، هن أيضا “مقتصدات بامتياز” سواء من حيث الأكل أو مصادر الطاقة الثلاثة التي كانت تعتمد عليها الأسرة الجزائرية آنذاك (في الخمسينيات) وهي الفحم والخشب والغاز.
ويستغرب المتحدث “التنوع الكبير” في الحلويات، معتبرا ذلك “مبالغة” في الاحتفال بعيد الفطر، ومؤكدا أن نساء القصبة كن يكتفين بحلويات جافة مثل “الطابع” و”التشاراك” أو المعسلة مثل “المقروط” و”الصامصا”، إضافة إلى صنع خبز الدار وأنواع من المعجنات مثل “المسمن” و”الخفاف” و”الكسرة”.
المتغيرات.. ضرورة تفرضها العصر
وبالقصبة السفلى تنهمك النسوة في اقتناء لوازم الحلويات، إضافة إلى العلب الكرتونية المربعة الشكل وعلب الألمنيوم، لتقديم ما ستصنعنه من حلويات إلى أسرهن وجيرانهن.
ولم تمانع السيدة “دليلة. ر” في الدفاع عن الحلول المعاصرة لتقديم الحلويات، رافضة أن يكون ذلك “تخليا عن عادة الأمهات والجدات”، ووافقتها في ذلك شقيقتها زهور (50 سنة) بالقول إن بهذه العلب لن تكون الأسر بحاجة إلى رد الطبق وملئه من جديد.
وعن هذه العادة “الدخيلة” – على حد تعبير الحاج قرشي – فمازالت إلى حد الآن ربات بيوت متمسكات بعادات الزمن الجميل، ويقدمن الحلويات على أطباق من زجاج أو من الفخار الصيني “كان طبق الحلوى جزء من ديكور المعايدة، وكان يغلف بمنديل قماشي يربط في القمة بعناية”.
وعن أجواء صبيحة أول عيد الفطر، يقول المتحدث إنها بمثابة “الافتتاح الرسمي للمهرجان”، حيث تمتلئ الأزقة سريعا بالأطفال وهم في أبهى حلتهم، ويخرج الرجال بعد صلاة العيد إلى الساحات التي تتوسط الدويرات لتبادل تهاني العيد.
كما تُخصّص الصبيحة عادة لزيارة المقابر، لينتشر بعدها الجميع صوب الأقارب والخلان، كما تحرص ربات البيوت ألا تترك بيوتهن فارغة، فتبقى عادة الشابات والعرائس لاستقبال الزوار.
ق. م