لا تزال قضايا الاعتداءات على الأطفال تصنع الحدث ، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا تزامنا مع اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتداءات المصادف للرابع جوان من كل عام، حيث تكون هذه المناسبة بمثابة وقفة تأملية في قضايا الاعتداءات التي تطال الأطفال سواء كانت جسدية أو جنسية في ظل الاشكالية الكبيرة حول إلغاء عقوبة الإعدام في حق قاتلي الأطفال خاصة
والقاتلين عامة مع تمسك وزارة العدل بالعقوبة.
هذا، وكشفت شبكة “ندى” عن أرقام ومعطيات صادمة عن الاعتداءات الجنسية، التي يتعرض لها الأطفال في الجزائر، والتي وصفها أخصائيون بـ “الكارثة الاجتماعية التي تتطلب حلولاً عاجلة وقرارات صارمة”.
9 آلاف حالة مُصرح بها
يتعرض أكثر من 9 آلاف طفل لاعتداء جنسي سنوياً في الجزائر، حسب الشبكة التي دعت إلى مراجعة عميقة لمنظومة حماية حقوق الطفل، واعتبرت الشبكة الحقوقية أن الرقم المعلن عنه “يخص الحالات المعلن والمصرح بها فقط، ولا يشمل حالات الاعتداءات التي تتستر عليها عائلة الأطفال الضحايا”.
من جهة أخرى، قدمت الشبكة إحصائية عن عدد الأطفال في الجزائر، وكشفت عن وجود 5 ملايين طفل تقل أعمارهم عن 5 أعوام، و13 مليون طفل دون 18 عاماً.
انتهاكات متعددة ضد الأطفال
اعتبر عبد الرحمن عرعار، رئيس الشبكة، أن “العنف ضد الأطفال من الطابوهات، وكانت للشبكة تحديات في كسرها”، وأكد على وجود تفاصيل “كارثية” عن حقيقة ونوعية الانتهاكات الجنسية والنفسية التي يتعرض لها كثير من الأطفال في بلد يعرف بأنه “محافظ”.
وأشار إلى أن المنظمة الحقوقية بدأت العمل والبحث في قضية الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال منذ 2011 لمعرفة واقع حماية الأطفال في الميدان، من خلال رصد تلك الانتهاكات.
وحصرت الشبكة الانتهاكات “داخل الأسرة وخارجها والمدرسة وبين الأطفال أنفسهم، وبين المراهقين أنفسهم، وبين المراهقين ضد الأطفال، والراشدين ضد الأطفال، وزنا المحارم، وتعريض الأطفال لمشاهد إباحية والاغتصاب والفعل المخل بالحياء”.
وأوضح تقرير الشبكة أنها سجلت حالات “انتهك فيها شخص واحد مجموعة من الأطفال، ويعتدي عليهم جنسياً لمدة طويلة ومسكوت عنها بحكم العرف والتقاليد والخوف من ردة فعل المجتمع، والأسباب تبقى متعددة”.
لماذا لا يخبرنا الأطفال عن التحرش؟
عشرات التحذيرات اليومية من الغرباء يقدمها الأولياء لأبنائهم، بينما يقبع الخطر أحيانا بالقرب منهم وتحت أنظارهم؛ ربما في المدرسة أو الحي، أو حتى تحت سقف المنزل نفسه.
بينما يستكين معظم الآباء والأمهات إلى شعور بالراحة بعد التنبيهات المتكررة لأبنائهم بالحذر من الغرباء، يبدو أن للإحصائيات رأيا آخر؛ حيث يبدو أن 90% من الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي اعتُديَ عليهم من أشخاص يعرفونهم، 30% من هؤلاء اعتُديَ عليهم من أحد أفراد العائلة، و10% فقط تعرَّضوا للاعتداء من غرباء. لكن الصادم أن 38% فقط من ضحايا الاعتداء الجنسي من الأطفال يُفصِحون عما تعرَّضوا له.
ويعتقد الكثير من الآباء أن أطفالهم سوف يخبرونهم بأي أذى يتعرَّضون له، لكن المؤسف والصادم أن الصمت عادة ما يكون خيار الأطفال. يرجع ذلك لعدد من الأسباب، من بينها مثلا الشعور بالذنب ولوم الذات، حيث يتجنَّب الأطفال الحديث عما حدث لاعتقادهم أنهم مذنبون أو أن اللوم يقع عليهم. هناك سؤال يتكرَّر في رؤوسهم: هل كان الجاني سيتوقف عمّا يفعله إذا صرخوا أو دفعوه؟ أو ما الخطأ الذي فعلوه وجعلهم يتعرَّضون لهذا؟
من جانب آخر، يعاني الأطفال من إحساس عميق بالخزي والعار، وهو ما يجعلهم في بعض الأحيان يختارون الصمت، كي يتجنَّبوا استعادة تفاصيل التجربة عند الحكي عنها. وبالطبع غالبا ما يتلاعب المعتدي بالطفل، قد يُقنعه أن أحدا لن يُصدِّقه، أو أن الطفل هو الذي سيُعاقَب. وفي بعض الأحيان، يُقنع المعتدي الطفل أنه أيضا استمتع بما حدث، أو أنه أراد حدوثه، وقد يُهدِّده كي لا يُخبر أحدا، وهو ما يجعل الطفل يخاف على حياته وحياة أفراد عائلته ويشعر بالخطر.
كما يشعر الطفل أيضا بالخوف من ردود أفعال والديه، هل سيُصدِّقانه إذا أخبرهما؟ وما الذي سيحدث للمُعتدي؟ هل سيُقبَض عليه أم سيبقى حرا؟ تزداد هذه المخاوف إذا كان المُعتدي من العائلة أو الأصدقاء، إذ يشعر الطفل أن إبراز سر بهذا الحجم سوف يُحرِّك حلقات سلسلة من العواقب لا يعرف مداها، بعض الأطفال يخافون من إلحاق الأذى النفسي بوالديهم، ويختارون حمايتهم من هذه الاضطرابات العاطفية وتحمُّل عبء العار واللوم والخوف وحدهم.
أما من جانب الطفل، فإن بعض الأطفال لا يعرفون أصلا كيف يخبرون الأهل بما حدث، ما الألفاظ التي يمكنهم استخدامها؟ بعض العائلات تعتبر الحديث عن كل ما يتعلَّق بالأمور الجنسية محرما، وهو ما يُشعِر الطفل بالخجل والخوف من التحدُّث.
أضف إلى ذلك أن بعض المُعتدين يُقدِّمون للطفل امتيازات مادية أو هدايا، أو وضعا أفضل من الآخرين. كما يخشى البعض من تضييق والديهم أو حرمانهم من مزايا معينة إذا أعلنوا عما يتعرَّضون له. وعموما، يعاني الطفل من اختلاط مشاعره في بعض الأحيان تجاه المُعتدي، خاصة إذا ترافق الاعتداء بشعوره بمتعة جسدية أو إثارة، ما يزيد من شعوره بالذنب والمسؤولية.
لذلك يجب أن يكون الآباء حذرين في رصد أي تغيرات قد تُخبرهم أن الطفل يتعرَّض للإيذاء. إن ظهور تغيرات سلوكية مفاجئة على الطفل لا بد أن يكون لها سبب ما، وأيًّا كان هذا السبب فإن مهمة الأبوين هي محاولة اكتشافه والتعامل معه.
تشمل القائمة هنا أي تغييرات طارئة على سلوك الطفل، مثل وجود ألعاب أو نقود مع الطفل دون معرفة مصدرها، وشعوره بالخوف من الذهاب لمكان اعتاد أن يحبه، وإصابته بالتوتر عند سماع اسم معين، كما تشمل أيضا اضطرابات النوم والشهية، وعدم الانتباه، والتشتت لفترات طويلة، والتدني المفاجئ في الأداء الأكاديمي، ونوبات البكاء المتكرر أو الاكتئاب، وربما أيضا الأفكار الانتحارية والميل إلى إيذاء الذات أو إحداث جروح متعمَّدة في الجسد.
هناك علامات أخرى أكثر ارتباطا، مثل ظهور رموز جنسية في رسوم الطفل وأحلامه، ورفضه خلع ملابسه عند الاستحمام، أو تغيير الحفاض، وممارسته ألعابا ذات توجُّه جنسي مع الأطفال الآخرين أو باستخدام الدمى. ربما تظهر إشارات أخرى مثل الميل إلى الغسل المتكرر لليدين أو الاستحمام أكثر من المعتاد، والشعور بالحكة أو وجود روائح كريهة في الأعضاء التناسلية أو ظهور إفرازات غير طبيعية في الملابس الداخلية. وفي كثير من الأحيان، يُصاب الطفل الذي يتعرَّض للاعتداء الجنسي بالنكوص، ويُظهِر سلوكيات وإشارات غير مناسبة لعمره مثل مص الأصابع أو حتى التبول اللاإرادي.
كيف نحمي أطفالنا؟
وبينما نحاول حماية أطفالنا، نحتاج إلى أن نمنحهم الأدوات التي تساعدهم على الإدراك، وأن ندعمهم دون إرباكهم، ودون أن نغرس فيهم الرهبة والتخوُّف من الآخرين، ويبدأ ذلك بتعليمهم حدودهم الجسدية منذ سن مبكرة، وتوعيتهم بالمناطق المحظورة في أجسادهم بألفاظ بسيطة وواضحة. من المهم أيضا أن يتعلَّم الطفل أسماء أعضاء جسده، فعندما يكون لدى الأطفال الكلمات لوصف أجزاء أجسامهم، يجدون أنه من الأسهل طرح الأسئلة والتعبير عن مخاوفهم بشأنها.
إلى جانب ذلك، من المهم ألا يشعر الطفل بالحرج أو الخجل من قول لا لأي لمسة تجعله غير مرتاح. يُركِّز الكثير من الآباء على أن يتعلَّم الطفل طاعة الأوامر أكثر من تركيزهم على تعلُّم رفض ما يكرهونه. ادعم طفلك إذا قال لا، حتى لو وضعك في موقف غير مريح. على سبيل المثال، إذا كان طفلك لا يريد معانقة شخص ما في تجمُّع عائلي، فاحترم قراره، وعلِّمه أن جسده له وحده وليس من حق أي شخص أن يلمسه رغما عن إرادته.
ولأن الجُناة غالبا ما يستخدمون حيلة كتمان السر للتلاعب بالأطفال، دع الأطفال يعرفون أنه يمكنهم دائما التحدُّث إليك، خاصة إذا طُلب منهم الحفاظ على السر. إذا رأوا شخصا يلمس طفلا آخر، فلا يجب عليهم إخفاء هذا الأمر أيضا.
القانون الجزائري “صارم جدا”
أكد حقوقيون أن القانون الجزائري صارم جداً فيما يتعلق بحماية الأطفال، خاصة في حالات الاعتداءات الجنسية والاختطافات، التي تصل عقوباتها إلى الإعدام الذي يبقى من دون تنفيذ على الرغم من المطالب الشعبية المتكررة بضرورة تطبيقه عندما يتعلق الأمر بجرائم ضد الأطفال، مشدداً على أن الجزائر بحاجة إلى آليات اجتماعية سريعة وقوية تضمن التدخل في أي وقت لحماية الطفل من أي انتهاكات بما فيها داخل العائلة، من أجل ردع من تسول له نفسه المساس بـ “حرمة وبراءة” الأطفال.
إشادة أممية بإنجازات الجزائر في مجال حماية الطفولة
في الجهة المقابلة، أشاد ممثل مكتب الأمم المتحدة للطفولة بالجزائر، إسلام بوخاري، بإنجازات الجزائر في مجال حماية الطفولة، والتي شهدت تقدماً ملحوظاً استناداً إلى عملية مسح قام بها مكتب الأمم المتحدة للطفولة، لا سيما في مجالي الصحة والتربية، مشدداً على أهمية إشراك الطفل وتمكينه من الدفاع عن حقوقه.
ل. ب