في اليوم العالمي ليتامى الإيدز… الجزائر تحصي الكبار والبراءة في طي النسيان

elmaouid

قلب وباء فيروس الإيدز موازين العالم، رأسا على عقب، خاصة بعد إصابة الملايين من البشر، بمن فيهم البراءة، حيث أصبح المجتمع الدولي ينظر بقلق إلى تفشي الظاهرة خصوصاً وأن الإصابات أكثر انتشاراً بين أوساط

الشباب والقوى العاملة والحيوية في المجتمعات، وفي العديد من المرات، تنتقل مخلفات هذا الوباء القاتل إلى الطفولة التي لم يكن لها ذنب، سوى أنها ابن لأحد الجنسين الحاملين للفيروس.

ولعل اهتمام العالم بهذه الفئة من الأطفال الضحايا، يرجع أساسا إلى دمارها أمام مرأى الكبار، دون تحريك أي ساكن منهم، وهو ما دفع بالعالم إلى تخصيص يوم عالمي ليتامى الإيدز، في الـ 7 من ماي من كل سنة، بهدف تحسيس الرأي العام بأخطار الوباء وانعكاساته ليس على صحة الفرد فحسب، بل يمتد إلى صغار ما كان لهم دخل، سوى أن القدر اختارهم ليكونوا أبناء لحاملي الفيروس.

وإذا كانت الشفافية والمصارحة تشكل أساساً عالمياً لمواجهة المرض، فإن اعتبارات دينية وأخرى أخلاقية واجتماعية تحول دون ذلك في بعض البلدان العربية والإسلامية، بما فيها الجزائر، ولهذا السبب فإن الحديث عن ذلك عبر وسائل الإعلام وفي المدارس والمؤسسات الثقافية والعلمية وكذلك الدينية، أصبح أمرا ضرورياً لا غنى عنه، بهدف التوعية وحماية الصحة العامة وذلك عن طريق مكافحة انتشار العدوى واتخاذ التدابير الفعالة، بغية حماية حقوق أضعف قوم في المجتمع.

 

الجزائر… تدق ناقوس الخطر

صنّفت منظمة الأمم المتحدة للسيدا، الجزائر، من ضمن الدول التي تعرف انتشارا كبيرا للوباء، وعليه، بادرت جمعية “إيدز الجزائر” في 2010 إلى تفعيل مخطط مكافحة الداء الذي نص على دعم الاستفادة من العلاج في أوساط المهاجرين، المموّل من قبل لجنة الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع ذات الجمعية ومنظمة الأمم المتحدة للسيدا، والذي يهدف إلى تطوير وضمان أكبر كمّ من المعلومات عن فئة المهاجرين والجماعات المتنقلة، مع تقوية معلومات هؤلاء عن الداء، والمساهمة في تطوير الاستفادة من خدمات أقسام الوقاية والتكفل بعلاج السيدا.

وقد مكّن تفعيل المخطط على أرضية الواقع من خلال معاينة ثـلاث ولايات، تم اعتمادها والممثـلة في الجزائر العاصمة، وهران وتمنراست، من تحسيس وإعلام 2180 مهاجر و40560 شاب ضمن فئة المهاجرين، وتكوين 15 زوجا من المربين، مع توزيع 208800 وحدة من أدوات الوقاية من الداء.

 

111 طفلا مصابا بالفيروس في الجزائر حسب إحصائيات 2011

من جهة أخرى، ورغم نقص المعلومات عن الأطفال الحاملين للفيروس، إلا أنه وحسب آخر الإحصائيات المقدمة لسنة 2011، والتي قدرت 111 طفلا مصابا بالإيدز في الجزائر، وهذا، حسب الدكتورة أوران صليحة، المشرفة على علاج صغار مرضى السيدا بمستشفى القطّار بالجزائر العاصمة، والحصيلة في تزايد مستمر.

وقالت الدكتورة أوران، بأن 50 بالمائة من هؤلاء الأطفال المصابين هم يتامى الأب أو الأم أو كليهما معا، وتتكفل بهم عائلات آبائهم في كثـير من الأحيان، غير أنه في أحيان أخرى يتم التخلي عنهم تماما وتركهم في المستشفى.

وحول طريقة انتقال الفيروس إلى الأطفال المصابين به، تحدثت الدكتورة أوران أنه عادة ما يتعرّضون للداء عن طريق الأب الذي نقل العدوى لزوجته، أو من الأم عن طريق السوائل العضوية وبخاصة الدم البشري والسائل المنوي والإفرازات المهبلية وحليب الأم أثناء الحمل أو عند الولادة وأخيرا عن طريق الرضاعة إلى الطفل.

وأن هؤلاء اليتامى عادة ما يتم استرجاعهم مع متابعتهم للعلاج من قبل العائلة، سواء الجدين أو الأعمام والأخوال، مع أن هناك حالات أطفال يتم التخلي عنهم من قبل العائلة بعد وفاة الأبوين المصابين، أو حتى من قبل الوالد بعد وفاة الأم.

 

تناقضات في الأرقام… والوباء ينتشر!

ذكر رئيس جمعية التضامن مع مرضى الايدز أحسن بوفنيسة، أنه تم إحصاء ما يقارب أربعة آلاف حالة إصابة بداء الإيدز بالجزائر منذ ظهوره أول مرة في البلاد سنة 1985، بيد أنّ هذا الرقم بعيد جدا عن معطى رئيس جمعية مرضى الإيدز في الجزائر، وهو الأمر الذي يثير استفهامات حول العدد الحقيقي للداء، خصوصا مع تأكيد مختصين بأنّ المُعلن عنه رسميا لا يعكس الحقيقة الميدانية، كما أنّ عملية التشخيص بالجزائر ليست جد متقدمة، مثلما يبقى عدد الجزائريين الذين أجروا عملية التشخيص مجهولا.

ويدعم جمهور الأطباء في الجزائر، أنّ الأرقام المعطاة حول داء السيدا في الجزائر، بعيدة عن الحقيقة، في غياب ما يسمونه “إستراتيجية الكشف الطوعي”، ويشيرون إلى أنّ هناك عملاً كبيرًا منتظرًا لمكافحة الداء الفتّاك على أصعدة تعزيز التوعية والوقاية والعلاج بشقيه النفسي والطبي، في وقت تتغنى الحكومة الجزائرية بامتلاكها تجربة رائدة في مجال معالجة المصابين بداء الإيدز.

 

فايزة مداد: “اندماج الأشخاص المصابين بالسيدا ما يزال صعبا”

أكدت المختصة “فايزة مداد” أنّ اندماج الأشخاص المصابين بالسيدا في المجتمع الجزائري ما يزال صعبا، معللة السبب، بتطلب الوضع تكفل مبكر بالأشخاص المصابين، مشيرة إلى أنّ كثيرا من هؤلاء، في حالة نفسية حرجة، بفعل انتقال هذا الورم الخبيث إليهم عن طريق الحقن بدماء ملوثة، بجانب إصابة آخرين به رغم عدم ممارستهم علاقات جنسية غير شرعية، حيث انتقل إليهم عن طريق شريكهم في مؤسسة الزواج.

 

تفعيل المخطط الوطني الاستراتيجي

أكد بيان للجمعية الجزائرية للإعلام حول المخدرات والسيدا “إيدز الجزائر”، أن الإحصائيات المضبوطة إلى غاية 31 مارس 2011 تؤكد أن عدد حالات السيدا المعلن عنها منذ 1985 قدّرت بـ 1198 حالة مؤكدة، إلى جانب تسجيل 5087 حامل للفيروس. وقد دفع هذا الأمر بالجمعية إلى وضع مشروع يحث على تدعيم الاستفادة من الوقاية اللازمة من داء السيدا لصالح الأشخاص المهاجرين بالجزائر.

وتسعى الجمعية في إطار تفعيل المخطط الوطني الاستراتيجي لمكافحة السيدا، إلى تطوير تدخلاتها الوقائية لصالح الجماعات المرشحة للإصابة بالداء، وبصفة خاصة المهاجرين والأشخاص المتنقلين باستمرار من جهة إلى أخرى، علما أن مختلف أنواع الهجرة وعدم الاستقرار وعلاقتها بالسيدا من أهم الآفات التي عرفتها العشرية الأخيرة.

فرغم التباين بشأن مرضى السيدا في الجزائر، والجهود التي تبذلها الدولة من خلال تأكيد أكثر من طرف رسمي وغير رسمي على وجوب إزالة الهالة التي يصطنعها الكثير لدى خوضهم في انتشار الإيدز، إلا أنّ الطابع نفسه بقي مسيطرًا وألقى بظلاله على حقيقة إجمالي حاملي الفيروس في بلد، تشهد معدلات الايدز فيه ارتفاعًا مقلقًا على مدار السنوات الأخيرة، لا سيما في المناطق التي تستوعب أعدادًا هائلة من الأفارقة على غرار ولاية تمنراست من جهة، ومن جهة أخرى، يبقى عدد يتامى الإيدز في الجزائر وظروف تحسين أوضاعهم شبه غائبة، على أمل أن يُنظر إليهم.