شهدت الجزائر يوم 28 يناير 1957 واحدة من أهم المحطات النضالية في تاريخ الثورة التحريرية، حيث خاض الجزائريون إضرابًا شاملاً استمر ثمانية أيام، كان بمثابة صفعة مدوية للسلطات الاستعمارية الفرنسية. هذا الإضراب الذي امتد داخل الجزائر وخارجها، وخصوصًا بين الجالية الجزائرية في فرنسا، جسد وحدة الشعب الجزائري وإصراره على تحرير وطنه.
الإضراب قرار استراتيجي وإرادة حديدية
وفي هذا السياق كشف أحد أبطال هذه الملحمة التاريخية، المجاهد غفير محمد المدعو “موح الكليشي” في تصريح خص به الموعد اليومي، أن إضراب الثمانية أيام لم يكن عشوائيًا، بل كان قرارا استراتيجيا اتخذته قيادة الثورة للتأكيد على عدالة القضية الجزائرية، وإظهار مدى تلاحم الشعب مع جبهة التحرير الوطني وتم التخطيط بعناية لضمان مشاركة واسعة من مختلف شرائح المجتمع الجزائري، سواء داخل الوطن أو في قلب العدو في فرنسا. كما أكد المجاهد غفير، أن الإضراب كان ناجحًا بكل المقاييس. فقد أُبلغ الجزائريون في فرنسا بضرورة التوقف عن العمل لمدة ثمانية أيام، ونجحوا في تنفيذ القرار بحزم وإصرار. ويروي موح كليشي قائلا: “كنا حوالي 500 ألف جزائري في فرنسا، وعندما قررنا الإضراب، توقف الاقتصاد الفرنسي بالكامل وفشلوا في السيطرة على الوضع”.
شهادة المجاهد محمد غفير..
وأشار المجاهد غفير، إلى أنه أشرف على آلاف المناضلين وقام بتوجيههم بشكل دقيق لتحقيق أهداف الإضراب، حيث يعكس هذا الأمر دور القادة الثوريين في توحيد الصفوف وتعبئة الشعب لتحقيق الاستقلال. كما شدد على أن التنظيم الدقيق والإرادة الصلبة للجزائريين كانا عاملين أساسيين في إنجاح الإضراب، حيث مثّل هذا الحدث رسالة واضحة للعالم بأن الشعب الجزائري متحد ومستعد لتقديم التضحيات الجسيمة من أجل نيل حريته. وعلى حد قوله: “قلنا للجزائريين أن يوقفوا العمل واستجابوا جميعا”، ما يظهر مدى استجابة الشعب للنداء الوطني، وهو دليل على وعيهم العميق بأهمية هذا التحرك الجماعي كوسيلة ضغط على المستعمر. مؤكدا أن الإضراب لم يكن مجرد توقف عن العمل، بل كان بمثابة أداة للضغط السياسي على الاستعمار الفرنسي. وقال غفير، أن “هذا التحرك الجماعي حمل رسالة واضحة للعالم مفادها أن الجزائر موحدة في هدفها ولن تتراجع عن مطالبها، ما جعله حجر الزاوية في حركة التحرير الوطني” مبرزا أن الإضراب كان تجسيدا لفكرة التضحية من أجل الحرية، وجعل من الجزائر قضية عالمية تتجاوز حدودها المحلية لتصبح جزءًا من معركة التحرر الإقليمي والدولي.
تداعيات الإضراب على الاقتصاد الفرنسي
وفي هذا الشأن، أوضح المجاهد محمد غفير أنه كان لهذا الإضراب تأثير مدمر على الاقتصاد الفرنسي، حيث شُلَّت العديد من القطاعات الحيوية، مما أثار غضب السلطات الاستعمارية التي وجدت نفسها عاجزة عن كسر وحدة الجزائريين. لقد أثبت الإضراب، أن القضية الجزائرية ليست مجرد قضية محلية، بل مسألة عالمية تستحق الاهتمام والدعم.
إرث تاريخي لا يُنسى
كما أكد غفير، أن إضراب الثمانية أيام هو درس في التضحية والوحدة، ويعكس مدى وعي الشعب الجزائري بقضيته وقدرته على النضال حتى في أصعب الظروف. إن شهادات المجاهدين، مثل موح كليشي، تذكرنا بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بإرادة الشعوب. مشددا أن هذا الإضراب التاريخي يُعد علامة فارقة في مسيرة الثورة الجزائرية. لقد أظهر قوة التنظيم الشعبي وفضح زيف الدعاية الفرنسية التي حاولت إخفاء عدالة القضية الجزائرية. وتبقى اليوم هذه الذكرى، مصدر فخر وإلهام للأجيال الصاعدة، ودرسًا في أن الإيمان بالقضية هو مفتاح النصر.
تغطية: إيمان عبروس