أنوار من جامع الجزائر

في ذكرى يوم الهجرة – الجزء الثاني –

في ذكرى يوم الهجرة – الجزء الثاني –

إنه يوم الهجرة الأليم: وصمة عار في جبين المستدمر الغاشم الذي نكل بإخواننا وقتلهم شر قتلة في تلك المظاهرات، لا لذنب اجترحوه أو قبيح ارتكبوه، وما كان من ذنبهم سوى أنهم قالوا “ربنا الله” وديننا الإسلام، ونبينا رسول السلام عليه الصلاة والسلام، فدعونا نحيا في أوطاننا بأمن وسلام. يا أحرار العالم: أأذنب شعبنا الأبي حينما تمسك بإسلامه وتربة أرضه، ورفض المعتدين؟ أأذنب شعبنا حينما أراد استرداد حريته وكرامته المهدورة؟ أأذنب شعبنا حينما طالب بالحياة الكريمة العزيزة؟ أأذنب شعبنا حينما قال: لا للظلم والقهر، لا للجهل والفقر؟ أأذنب شعبنا؟ أأذنب شعبنا؟.. أمة الصبر والابتلاء: ومن جرائم الاستعمار البشعة المتعلقة بالمهجر أيضا، ما وقعته يداه الآثمتان في حق الهوية الوطنية؛ والانتماء إلى الأرض الأم، حينما هجر شريحة واسعة من إخواننا إلى قاصي المعمورة حيث مستعمرتها –كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادي -، في حدود الفترة ما بين عامي 1864 و1921م، وخصوصا بعد ثورتي الشيخين المقراني والحداد سنة 1871م، ليسلخهم من أصالتهم وانتمائهم، ولعمري: إن هذا التهجير الظالم؛ والنفي التعسفي ليذكرنا بهجرة سيد الورى محمد – عليه الصلاة والسلام -، وصحبه مصابيح الدجى، من أحب بقاع الأرض إلى الله وإلى قلب المجتبى، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. إن المرارة التي تركها تهجير المستعمر لآبائنا وأجدادنا تضاهي تلك المرارة التي كانت في قلب النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، والتي عبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام وعيناه تنهمران دمعا كما جاء في المستدرك للحاكم من حديث ابن عباس  رضي الله عنهما، وصحح إسناده بقوله: “ما أطيبك من بلدة، وأحبك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك”. أي امرئ يرضى بأن يهجر أرض وطنه، وتربة مولده بمحض إرادته، فيقطع جزءا من جسده؟ إن إخواننا الذين عاشوا في أرض المهجر مكرهين هم قطعة منا، وعضو من جسد أمتنا، لم يتنكروا لبلدهم الأم، عاشوا آلام الشعب الجزائري، وأحسوا بما أحس به إخوانهم في الضفة الأخرى، فليحتسبوا غربتهم وألمهم عند الله تعالى. أمة الإسلام: وإذ نستحضر اليوم الوطني للهجرة، ونستذكر جريمة التهجير القسري لأجدادنا وآبائنا إلى أرض المنفى –كاليدونيا الجديدة- نزداد يقينا بأن الإجرام الهمجي لأي محتل أو مستعمر، هو نفسه؛ ولو تغيرت الأدوات والوسائل؛ فها نحن ذا نرى الصهاينة المعتدين قد أبادوا عائلات عن بكرة أبيها؛ فمحيت من السجلات المدنية، وسعوا بكل وسيلة لتهجير الغزاويين إلى خارج غزة، ولكن الله سلم، وأرجع كيد المجرمين إلى نحورهم، وثبت أصحاب الأرض برباطهم، فكان هذا بحق نصرا مؤزرا، بالرغم من الآلام والأحزان التي نزلت بهم، وموعدنا بإذن الله يوم يعود الأقصى المكلوم إلى أرض الإسلام، ويطلق سجنه من قبضة أهل الإجرام، ويبسم الأطفال الحالمون، ويرفرف غصن الزيتون، ويتحقق وعد الله.

الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر