الجزائر- أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ترشحه رسميا لرئاسيات أفريل 2019 في رسالة وجهها، الأحد للأمة نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية.
وقال الرئيس بوتفليقة في رسالته ” …استجابة لكل المناشدات والدعوات، ولأجل الاستمرار في أداء الواجب الأسمى، أعلن اليوم ترشحي للانتخابات الرئاسية لشهر أفريل المقبل…”.
وأضاف الرئيس بوتفليقة في رسالته يقول: “إن أشواط التقدم، التي أحرزتها بلادُنا، ووعي المواطنين بالرهانات والتحديات المحدقة بها، هي التي أدَّتْ دون شكٍّ، في الأشهر الأخيرة، بالعديد من الأصوات لدى الطبقة السياسية والـمجتمع الـمدني، إلى مناشدتي مَرّةً أخرى لـمواصلة مهمّتي في خدمة البلاد. وهنا، أودُّ أن أغتنم هذه الـمناسبة لأعبّر عن عميق عرفاني وامتناني لهذه النداءات التي أتفهَّمُ تَطَلُّعاتها؛ إذ تُشعرني بارتياح كبير لكونِها تبعثُ لديَّ الإحساس بالاطمئنان بأنني لم أُخيِّبْ أمل أغلبية شعبنا، حتى وإن لم أجسِّد التزاماتي كلَّها إزاءه، ولم أستجِب لكافة تَطلعاته وطموحاته الكبيرة. وفـي الوقت نفسه، فأنا أُدرك تمامًا بأن بلادنا ما تزالُ لديها وَرَشاتٌ هامة يَتعَيَّنُ التكفُّل بها واستكمالها، وتحديات كبيرة ينبغي رفعُها”. ولم يخف الرئيس بوتفليقة في رسالته تقدمه للاستحقاق القادم في ظل وضعيته الصحية التي يمر بها، حيث قال “بطبيعة الحال لم أعد بنفس القوة البدنية التي كنتُ عليها، ولم أخف هذا يوما على شعبنا، إلاّ أنّ الإرادة الراسخة لخدمة وطني لم تغادرني قَطُّ، بل وستُمكنُني من اجتياز الصعاب المرتبطة بالمرض، وكل امرئ يمكنه التعرض له في يوم من الأيام”. وتابع رئيس البلاد يقول: ” إن إرادتي هذه، فضلاً عن التزامي بخدمة الوطن، استَمِدُّهما من تمسُّكي الراسخ بالوفاء بالعهد الذي كنتُ قد قطعته مع الشهداء الأبرار وتقاسمتُه مع الـمجاهدين الأخيار، رفقائي فـي ثورة التحرير الوطني”.
هذا ما قدمته لبلدي…وأطمح إلى المزيد
وعاد السيد الرئيس في رسالته يذكر بالإنجازات التي حققتها الجزائر طيلة فترة حكمه، حيث قال “…ومنذ العهدة الأولى على رأس البلاد، كرستُ كل طاقاتي لإخماد نار الفتنة، ولَـمْلَمة الشَتَاتِ من جديد، لأمةٍ جريحةٍ جراءَ الـمأساة الوطنية، ثم الانطلاق في إعادة بناء البلاد التي كادتْ أن تَعصِفَ بها أزمةٌ متعددة الأشكال. وقد تم رفع هذا الرهان أولاً بفضل الوئام الـمدني، قبل أن يتعزّز بالـمصالحة الوطنية التي قرّرْتموها بكل سيادة. وبفضل هذه الخيارات التاريخية، استُتِبَّ الأمن والسكينة في بلادنا، والتـأمتِ الجراحُ وعادتِ الأخُوةُ تلف قلوب مواطنينا. زيادة على ذلك، صار صوتُ الجزائر يَعْلو من جديدٍ وبقوةٍ في الساحة الدولية، وأصبحت الـمصالحةُ الوطنيةُ مثالاً يُحتذى بالنسبة للعديدِ من الأمم فـي العالم. وفـي ظل السلم الـمُستعادْ، أصبحتِ البلادُ ورشةً كبيرةً، بعد أن مَرّتْ بمرحلةٍ صعبة طَبِعَها تعديلٌ هيكليٌ اقتصاديٌ واجتماعيْ مرير”.
التخلُّصِ من الـمديونية، وجَمعِ احتياطات الصرف
ففي الـمجال الإقتصادي – يقول السيد الرئيس – “عَزَّزَت الجزائر سيادتَها بفضلِ التخلُّصِ من الـمديونية، وجَمعِ احتياطات الصرف، وتكوينِ ادّخارٍ عموميٍ مُعتبر؛ وهي العواملُ التي مكَّنتْنا من الصمودِ أمام انهيار أسعار البترول في السنوات الأخيرة، وسمحت لنا بالاستمرار في مسار التنمية، كما باشرت الجزائر برامِج مكثفة لبناء الـمنشآت القاعدية؛ وسمحت الإصلاحات والحوافز العمومية، موازاةً مع ذلك، بتحقيق تقدُّمٍ لا ريب فيه في تنويع الاقتصاد والشروعِ فـي التصدير خارج الـمحروقات”.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أضاف رئيس الجمهورية يقول “فقد تَحَسَّنَ الوضعُ بشكلٍ ملحوظ. ويتجلى ذلك من خلال التراجع المسجّل في معدل البطالة، والتكفل الجدي والمحسوس لإسكان أهلنا في كل أرجاء الوطن، والتلبية الواسعة لاحتياجات الـمواطنين في مجال الـمياه والطاقة، إلى جانب تزايد عدد بناتنا وأبنائنا الذين يرتادون الـمدارس، ومراكز التكوين والمعاهد والجامعات، بمعدل ثلاثة أضعاف. وبفضل ذلك بلغ مؤشر التنمية البشرية مستويات ملحوظة في الـمقارنات الدولية. وقد كان التقدّم في التنمية مصحوبًا بتطور نوعيّ في أُسُس الـمُجتمع، فتَعزَّزت إذّاك الوحدةُ الوطنية من خلال ترقية الأمازيغية، بصفتها إحدى ركائز هويتنا الوطنية إلى جانب الإسلام واللغة العربية. مثلما شَهدت الـمرأةُ مكانتها ودورها يرتقيان، في السياسة أو في عالم الشغل، إلى مستوى مساهمتها في تحرير البلاد والبناء الوطني. كما حرصنا دوما على تزايد اهتمام شبابنا بضمان مستقبله عبر التحصيل العلمي والمعرفي المكثَّف، وكذا عن طريق وُلوجه المُستمِر في المجالات الإنتاجية والقيادية، في شتى الميادين”. ولم تستثن رسالة الرئيس بوتفليقة الجالية الوطنية المقيمة بالخارج، حيث أكد اهتمامه الكبير بها “نظرا لدورها التاريخي المشهود أثناء ثورة التحرير المباركة ولارتباطها العميق بالبلاد”.
وفيما يخص ضمان أمن البلاد وشعبها، فقد أكد بوتفليقة حرصه على “عصرنةِ الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، بما يُمكِّنُ بلادنا من ضمان أمنها فـي خِضَمِّ الأزمات والصراعات التي تهز مِنْطَقَتَنَا”، كما عبر على “عرفان الأمة وامتنانها من جديد لكافة أفراد قواتنا المسلحة التي أحييها قيادةً وضباطًا وصفَّ ضباطٍ وجنودا، وكل الذين خدموا الجزائر من خلال هذه المؤسسة المجيدة بكل إخلاص ووفاء ونكران الذات. كما أغتنم هذه السانحة لأعبر كذلك على مشاعر التقدير والفخر التي تنتابنا تجاه كل الأسلاك الأمنية والنظامية”.
وتطرق رئيس الجمهورية إلى مكانة الجزائر دوليا، أين “أصبحت وستبقى شريكًا استراتيجيًا للعديدِ من القوى الفاعلة في العالم، وهي التي أمْسَتِ اليوم تضْطلعُ بدور رائدٍ في فضاءات انتمائها برصيدها الثري ومواقفها الثابتة”.
صعاب جمّة وتحديات تنتظر البلاد في المرحلة القادمة
وجدد الرئيس بوتفليقة في رسالته التذكير بالصعاب التي يستوجب على البلاد مواجهتها والتحديات التي تنتظرها في المرحلة القادمة حيث قال: “يتعيَّن علينا اليومَ أن نُجابِهَ كمًّا من القيود، وأخصّ منها الذكر تلكَ المتعلقة بالنمُو الديمغرافي، وتعدُّد الاحتياجات الواجب تلبِيَتها، وتآكل مواردنا المالية الخارجية، وعدم استقرار الاقتصاد العالمي، والاضطرابات الإقليمية والعالمية، وكذا بروزُ بعض السلوكات المنافية لـمبادئ النزاهة والمناقضة للأبعاد الاخلاقية التي تُقدِّسُ قيمةَ العمل وبذْل المجهود. وللتكفُل بهذه المتطلبات والتحديات والصعاب، فإنَّ الأمر يتطلّب بدء ذي بدء تحقيق المزيد من التقدُّم في مختلف ميادين الحكامة والنمو الاقتصادي، فضلاً عن التنمية الاجتماعية والتربوية والثقافية”.
وبغية الوصول إلى توافق وطني شامل أكد رئيس الجمهورية أنه في حالة فوزه في الاستحقاقات القادمة “سأدعو في غضون هذه السنة كل قُوى الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى عقدِ ندوةٍ وطنيةٍ ستُكرِّسُ تحقيق التوافق حول الإصلاحات والتحولات التي ينبغي أن تباشرها بلادنا بغرض الـمُضيِّ أبعدَ من ذي قبلٍ في بناء مصيرها، ولأجل تمكين مواطنينا من الاستمرار بالعيش معًا، أفضل وأفضل، في كنف السلم والازدهار”.، وأضاف “يُمكن أن تقترح الندوة الوطنية أيضًا إثراءً عميقا للدستور، في ظل احترام أحكامه الـمتعلقة بالثوابت الوطنية، والهوية الوطنية والطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة”.
وأوضح الرئيس بوتفليقة دوافع هذه الندوة التي تأتي لإتمام ما تم إنجازه من قبل “منجزاتٍ يظلُ من الواجب تحسينها، وذلكم بالأخَصّ من أجل استرجاع وتعزيز ثقة الـمواطنين في مؤسساتهم، وتوطيد أركان دولة القانون والحكم الراشد، ودعم تنميةٍ اقتصاديةٍ مبنيّة على العدالة الاجتماعية، مع التمكين لاقتصادٍ وطني يتّسم بالمبادرة والإنتاجية والتنافسية”.
وتابع يقول “إن الإصلاحات السياسية التي باشرتها منذ عام 2011 تهدف إلى تعزيز ثقة الـمواطنين في مؤسساتهم، من خلال، أولاً وقبل كل شيء ضمان شفافية ونزاهة الاقتراع، وترقية ديمقراطيتنا اليافعةِ التعدديّة لكي تُفرزَ بدائل ذات مصداقية للناخبين، مثلما يعني تعزيز رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية، وتكريس واجب تقديم الحسابات بالنسبة لجميع الـمسؤولين، بمختلف مستوياتهم، كما يعني أيضًا تمكين الـمعارضة من تجسيد الدور الذي أقرّه لها الدستور، والذي يجبُ أن تؤديه بالفعالية المطلوبة داخل البرلـمان. بل إن تعزيز ثقة الـمواطنين في مؤسساتهم، يقتضي أيضًا أجوبة أكثر تكيُّفًا مع تطلُعات شبابنا، إذ ينأى أحيانًا أغلبهم بنفسه عن الـمشاركة في الحياة السياسية، بل ووصلَ الأمرُ بالبعض منهم بأن اختاروا الجنوح إلى محاولات اغتراب مفرطةٍ وانتحارية. لذا، يتوجَّبُ علينا ضمان حضورٍ أقوى للشباب في الهيئات التنفيذية وفي الـمجالس الـمنتَخَبة، من أجل تحديد أجوبةٍ لتطلعاتهم ووضعها حيز التنفيذ”.
أما توطيد أركان دولة القانون والحكم الراشد – يقول رئيس الجمهورية – “فإنهُ ينبغي علينا أولاً القضاء على آفة البيروقراطية بفضلِ عصرنة ولامركزية الإدارة العمومية بصفة فعالة، كما يلزَمُنا أيضًا تعزيز مساهمة الـمواطن في تسيير الشؤون الـمحلية من خلال وضع ميكانزمات قوية للديمقراطية التشاركية، لتحقيق نجاعة أفضل في تسيير المرفق العام وضمان ديمومته. إلاّ أن ترسيخ دولة القانون، يعني خاصة دعم استقلالية العدالة وضمان تنفيذ أكبر قدر ممكن من قراراتها. كما يعني تحقيق مزيد من التقدم في مكافحة الفساد عن طريق تعزيز الهيئات الـمُكلَّفة بهذه الـمهمة، إلى جانب مشاركة أكبر للمجتمع الـمدني في هذه الـمعركة”.
وفـي الـميدان الاقتصادي، “يتعيّن علينا أن نعمّق الإصلاحات الهيكلية والمالية، وهذا لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الحالية والعمل على فرض ديناميكية تنموية جديدة، ذات حجم وتنافسية أكبر. ولبلوغ هذه الغاية، يجب أن يتم إدخال التغييرات الضرورية دون أي تَعنُّت أو دوغماتية، بمساهمة القطاع العام ورأس الـمال الخاص الوطني والشراكة الأجنبية، على أن يكون الـمرجعُ الوحيد هو النجاعة والفعالية، فضلا عن خلق مناصب الشغل ورفع مداخيل البلاد” يؤكد رئيس البلاد.
“وفي الـمجال الاجتماعي، فإننا نعتبرُ مبادئنا بالنسبة للعدالة والمساواة، من الثوابت الوطنية التي يتَطلّب تجسيدها إجراء عمليات تَحْيين مستمرةٍ ترمي إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ومن أجل ضمان استدامة منظومتنا للحماية الاجتماعية”.
وأكد رئيس الجمهورية أن ذلك لا يمكن تحقيقه “إلا إذا عَمِلنا جاهدين على تحسين الحكامة الراشدة، على مستوى هيئات الدّولة كما على مستوى الإدارة، مرورًا بقطاع المؤسسات العمومية والخاصة. ومن هنا تتجلى الأهمية القصوى التي تستوجب أن يتولى مناصب المسؤولية والتسيير موردٍ بشري نوعي ومكوَّن أحسن تكوين، يتعين علينا تشجيعه وحمايته”.
مصطفى/ع










