* الاضرابات في القطاعات الهامة كالتعليم “غير بريئة”
* المستثمر لا يغامر بمليارات الدولارات أمام إدارة متسلطة”.
* الرشوة مهما كان حجمها سرطان يصيب جسد الدولة
* الحدّ من تضخيم الفواتير يوفّر للخزينة ثلث المداخيل الحالية للبلاد
أجاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الخميس، في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية، عن عدة أسئلة تهم المواطن الجزائري على غرار استمرارية الحراك والاضرابات التي تعرفها عدة قطاعات وادماج عقود ما قبل التشغيل والتنمية في الولايات والمدن، كما تحدث بصراحة وعلانية عن بعد المواضيع وفتح عدة ملفات على غرارالفساد ونهب المال العام المستشري في البلاد، كما عاد الى مواضيع تحدث عنها سابقا وأعطى مزيدامن التوضيحات على غرار الدستور المقبل وطبيعة نظام الحكم القادم والسياسة الخارجية للجزائر خاصة في الملف الليبي.
وقال رئيس الجمهورية في رده على سؤال حول النظام الأمثل لتسيير الدولة، أنه يفضل نظام يمزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني بحيث يمنح صلاحيات قوية للمنتخبين ويكرس الرقابة، غير أنه شدد بالمقابل على أنه سيكون مع النظام الذي يختاره الشعب في إطار التعديل الدستوري المرتقب. و قال بهذا الخصوص “أنا مع نمط النظام الذي يختاره الجزائريون”.
وأوضح الرئيس سلبيات تطبيق النظام البرلماني في الوقت الحالي في الجزائر واستدل في ذلك بصعود اليمين المتطرف إلى دواليب الحكم في العديد من الدول الديمقراطية أو تلك التي “تدعي الديمقراطية”، الأمر الذي جعلها في “حالة غليان”.
أما بالنسبة للنظام الرئاسي، فقد أشار رئيس الجمهورية إلى أن مختلف التجارب أبانت عدم جدوى هذا النمط من الحكم الذي “يكون فيه انفراد وتسلط في الرأي”.
ولهذا أقول – يضيف الرئيس – “من الأفضل المزج بين النظامين من أجل الخروج بنظام البعض يسميه شبه رئاسي والبعض شبه برلماني”، ليبقى الأهم بالنسبة له الخروج بـ”دستور توافقي بين كل الجزائريين”.و بخصوص مسألة الفصل بين السلطات, أشار رئيس الجمهورية إلى أنها مكرسة في الدستور الحالي لكنها “لا تحترم”, متوقفا عند المجلس الدستوري الحالي،الذي “لا يمكنه العمل لكونه معينا”، ما دفعه إلى التفكير في إنشاء محكمة دستورية منتخبة و وضع ميكانيزمات تضمن لها حرية القرار في فصلها في النزاعات التي قد تحدث بين السلطات الثلاث.وذكر بأن مسودة التعديل الدستوري ستوزع ، حال انتهاء لجنة الخبراء من إعدادها، على “ما يقارب 700 نقابة وحزب وجمعية”, سيقومون على مدار شهر بتقديم مقترحاتهم لإثراء الوثيقة التي ستعود للجنة الصياغة قبل عرضها على البرلمان
حراك مبارك أنقذ الدولة
تحدث رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن الحراك الشعبي الذي أحيى الجزائريون أمس الجمعة ذكراه الأولى وأكد بخصوصه أنه “ظاهرة صحية” غير أنه جدد تحذيره من محاولات اختراقه من الداخل والخارج وقال “أوصي أبنائي الذين يتظاهرون يوم الجمعة بالحذر من الاختراق لأن هناك بوادر اختراق من الداخل والخارج”.
وأوضح الرئيس تبون في هذا الصدد “الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي…الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحل مشاكلها”، وأضاف “انهيار الدولة الوطنية يعني انهيار كل مؤسساتها… لكن الحمد لله، أن الشعب كان واعيا وأوقف المؤامرة كما نجح في تحقيق الكثير من مطالبه”.
وتابع الرئيس تبون يؤكد أن ما تبقى من مطالب الحراك “نحن بصدد تحقيقه لأنني التزمت شخصيا بتحقيق كل مطالب الحراك”, مشيرا إلى أن “هناك مطالب كانت مطروحة في البداية لا يمكن لشخص غير منتخب ولا يملك السلطة والشرعية الكافية تحقيقها, أما اليوم فنحن بصدد تنفيذها بداية بالدستور وقانون الانتخابات وإعادة تنظيم المؤسسات التي نحاول أن نجعلها جوارية تمكن المواطن من أن يشارك فيها من خلال مشاركته في التفكير والحل والتسيير والرقابة”.وفي رده على سؤال بخصوص المواطنين الذين لا يزالون يشاركون في الحراك كل أسبوع، أكد رئيس الجمهورية أن ذلك “من حقهم، لأن هذا الأمر هو أساس الديمقراطية، سيما حينما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يتظاهرون بنظام ودون تكسير أو فوضى”,
اضرابات غير بريئة
وفي إجابته عن سؤال بخصوص تزامن الذكرى الأولى للحراك الشعبي مع بروز حركات احتجاجية في بعض القطاعات، أكد الرئيس تبون أن “تسلسل الإضرابات في قطاعات هامة وفي وقت معين ليست ظاهرة سليمة وليست ممارسة نقابية، وتحدث عن اضرابات قطاع التربية وقال عنها “لطالما عبرت عن تبجيلي للأساتذة والمعلمين، سيما خلال حملتي الانتخابية، كما طالبت بمراجعة كل ما يتعلق بالأساتذة لإعطائهم مكانتهم في المجتمع”، معتبرا أن “الإعلان عن إضراب وطني في الوقت الذي لم تكن فيه الحكومة منصبة ولم يعطها البرلمان الإشارة الخضراء أمر لا يحل المشكل الذي يتطلب وقتا وإمكانيات مادية ومالية وتنظيمية”، خاصة أن الأساتذة لديهم “الأولوية في الحلول للمشاكل المطروحة”، مشددا على أن هذه الإضرابات “غير بريئة”.
كما تحدث رئيس الجمهورية عن إضرابات “تمس بسمعة البلاد وتضر بالمواطنين وتعطل مشاغلهم” في إشارة إلى إضراب مستخدمي الملاحة في الجوية الجزائرية, وأشار إلى أن “القانون ينص على وجوب الإعلان عن الإضراب وذكر مبرراته، بما يمكن من مباشرة مفاوضات وإيجاد حلول..أما الإضراب العشوائي فهو ممنوع في بعض المرافق العمومية”. وفي هذا الشأن، انتقد رئيس الجمهورية دفع هذه الوضعية بالمواطنين وخاصة المرضى منهم إلى افتراش أرضيات المطارات بسبب إلغاء رحلاتهم.وبشأن أصحاب عقود الإدماج، فأكد الرئيس تبون أن هذا الملف “ورثناه ويجب الوفاء بالعهد، وسيتم حله قبل نهاية السنة الحالية، لأن هذا التزام للدولة”.
تنمية كل مناطق الوطن
وعاد رئيس الجمهورية الى المشاكل التي يعاني منها المواطنون في مناطق الظل وأكد أنه لا بد من تنمية هذه المناطق حتى لا نشهد نزوح هؤلاء المواطنين نحو المدن هذه الاخيرة هي أيا تعاني بما فيه الكفاية.
واعتبر الرئيس تبون أن هذه الوضعية “تنجر عنها إيجابيات والكثير من السلبيات التي تتعلق بالتصرفات”، فتوسع المدن -مثلما قال- يتطلب “الاستثمار اليوم وغدا وبعد غد ويتطلب إمكانيات مالية كبيرة، مستدلا بالعاصمة التي كان يقطنها غداة الاستقلال “455 ألف نسمة, فيما تضاعف العدد بأكثر من عشر مرات وهو ما يعني وجوب مضاعفة بعشر مرات عدد قنوات الصرف والطرق والمدارس والسكن.., وحينما لا يتوقف العدد عن الازدياد تكون هناك كارثة أخرى كظهور المدن الموازية على غرار ما يحدث في البرازيل”.
واستطرد السيد تبون بالقول, أن “الأحسن في هذه الحالة هو تنمية كل مناطق الوطن حتى يسترجع المواطن كرامته في الريف ولا يغره السكن في المدن لأنه يتمتع في الريف بميزات لا توجد في المدينة”.
ولأجل ذلك أكد الرئيس أنه “ينبغي تجسيد اللامركزية..التي من شأنها “حل عدة مشاكل”, متحدثا عن “المداولات التي تتم على مستوى بعض البلديات وتتعلق بمشكل محلي غير أنها ترفع إلى الدائرة والولاية وحتى إلى وزارة الداخلية”. وأشار إلى أن هناك “1541 بلدية، في انتظار تقسيم آخر، وهي تتسبب في اكتظاظ كبير”.
وتابع بالقول أنه “قد آن الأوان لاتخاذ قرارات لإعادة تنظيم البلديات الفقيرة, فمن بين 1541 بلدية هناك 850 بلدية فقيرة جدا وليس لها إمكانيات حتى لتوظيف ساعي بريد”, في مقابل “بلديات كحاسي مسعود أو باب الزوار أو أرزيو التي تتمتع بإمكانيات مالية كبيرة بفضل النشاط الصناعي وعائدات الضرائب”, مشيرا إلى أن “صندوق التضامن بين الجماعات المحلية لم يعد يكفي”..
تضخيم الفواتير والرشوة
ولدى رده على سؤال يخص تقليص فاتورة الاستيراد، وظاهرة تضخيم الفواتير والرشوة، قال رئيس الجمهورية أن “ظاهرة الرشوة هي سرطان ..الرشوة الصغيرة أكثر إضرارا بالمواطن من الرشوة الكبيرة التي تضر بخزينة الدولة، لأن الرشوة الأولى تصيب مباشرة جيب المواطن الذي يعاني أصلا من انخفاض قدرته الشرائية ويدفعها طلبا لحقه”.
أما بالنسبة لتضخيم الفواتير، فاعتبر أنها “ظاهرة موجودة في الدول التي فتحت اقتصادها لكن ليس بالشكل الذي هي عليه حاليا في الجزائر”، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة “دامت أكثر من 10 سنوات وهناك وسائل رقابة لم تستعمل”.
وتحدث تبون عن التضخيم في الفواتير وقال أنه لا يريد “صدم المواطن”، بذكر النسبة المئوية “المفزعة” للتضخيم، وقيمة الأموال “الخيالية” التي هربت إلى الخارج، مستطردا بالقول “نستطيع حماية أنفسنا من تضخيم الفواتير، من خلال محاسبة المستوردين الذين يضخمون فواتيرهم في الحين واعتبار فعلهم جريمة اقتصادية وعدم تركهم ينشطون لعدة سنوات ثم يتم محاسبتهم”.وكشف الرئيس تبون أن مراقبة الفواتير المضخمة “تمكن من ربح أكثر من 20 إلى 25 بالمائة من العملة الصعبة، ما يعني أن مداخيل برميل النفط الذي تبلغ قيمته اليوم 60 دولارا تصبح بقيمة 80 دولارا وتسمح بسد فراغات أخرى, دون الحديث عن نوعية السلع المستوردة”.
وذكر رئيس الجمهورية بحادثة وقعت له حين كان وزيرا للتجارة وظهور ما سمي بأزمة الثوم الذي كان يتم استيراده من الصين “بفواتير خيالية”, حيث طلب من سفير الصين بالتقرب من السلطات الصينية لمعرفة الأسعار الحقيقة واكتشف أن هناك 7 أنواع من الثوم حسب النوعية في حين أن كل فواتير الجزائر “كانت باسم أجودنوع وهي في الحقيقة لأدنى نوع, وهذا نوع آخر من الغش”.كما أكد أن التحكم في تضخيم فواتير الاستيراد “ضروري” ويمكن من الحفاظ على “ثلث مداخيلنا من العملة الصعبة”.
ترقية الاستثمار
وبشأن ترقية الاستثمار، أكد رئيس الجمهورية أنه اقترح سنة 2001 مشروع “الشباك الموحد الذي يشمل كل ما يحتاجه المستثمر في مكان واحد”، مشددا على “إلزامية توفير وسائل الطعن والتظلم..لأن المستثمر لا يغامر بمليارات الدولارات أمام إدارة متسلطة”.
وقال الرئيس تبون أنه لا بد أن يمر الاستثمار إلى مرحلة جديدة، مستطردا بالقول “لا نستطيع القبول بأي استثمار كان، فالاستثمار الذي يربطنا بالخارج مدى الحياة ينبغي اجتنابه لأن مصائبه أكثر من فوائده، وربما سيأتي وقت لن تملك الدولة إمكانيات مالية بالعملة الصعبة لاستيراد المادة الأولية ولن يفيد هذا الاستثمار لأن هدفه التصدير”.
وأكد الرئيس تبون أن الهدف حاليا هو خلق صناعة وطنية بوسائلنا لتقليص الاستيراد”, والجزائر “لن تسمح باستيراد منتجات تصنع محليا ما يؤدي لقتل الانتاج الوطني، بل ينبغي اعتماد استيراد تكميلي للإنتاج الوطني”.وأكدر الرئيس أن “الكثير من المستثمرين الجزائريين نزهاء وكانوا مظلومين وتم منعهم من العمل وهم اليوم مرحب بهم”.
حل الأزمة الليبية
ولدى تطرقه إلى الشأن الدولي، أعرب رئيس الجمهورية عن “تفاؤله” حيال إيجاد حل للأزمة الليبية, قائلا: “أنا متفائل بحل الأزمة الليبية لبعض الأسباب التي أبداها الليبيون أنفسهم وعبروا من خلالها بأن لديهم ثقة في الجزائر”, لافتا الى أن هذا الأمر نابع من موقف الجزائر “المعروف تجاه هذه الازمة”.وأرجع تفاؤله بحل الازمة في ليبيا إلى كون كل المتدخلين في ليبيا “أشقاء أو أصدقاء”، مؤكدا بأن الجزائر تمتلك علاقات طيبة مع مصر والامارات العربية المتحدة و روسيا وتركيا وهي بالتالي قادرة على الجمع ما بين الفرقاء وأن تكون حكما “نزيها”.
كما أكد الرئيس تبون أن الجزائر تريد أن “يستفيد الليبيون من تجربتنا التي عشنا فيها مرارة التفرقة والمآسي والدم في فترة معينة”، مشددا على أنه لا وجود لحل أخر بعيدا عن “التحاور والتسامح والوئام ما بين الفرقاء”.وأضاف رئيس الجمهورية بأن ” تدخلنا بخصوص الازمة في ليبيا نزيه وليس لديه خلفيات توسعية ولا اقتصادية أو تجارية”، مشيرا الى أن “ما يهم الجزائر أيضا هو ارجاع الجميل للشعب الليبي الذي ساعد الجزائريين اثناء الثورة التحريرية و (…) حماية حدودنا من انزلاقات خطيرة والرجوع بعدها لنبني المغرب العربي مع بعض”.
كما أكد الرئيس تبون بأن الفرقاء الليبيين “قابلوا كلهم” بتدخل الجزائر في مسعى حل الازمة في ليبيا، كاشفا بالمناسبة بأن البعض منهم ومن الطرفين قالوا بأنه من “غير الجزائر لا يثقون في أحد”.وأضاف رئيس الجمهورية أنه من “الصعب اليوم توقيف حرب بالوكالة” لان ثمة -كما قال- خلفيات “صعبة” بالنظر الى أن المشكل ليس بين الليبيين بل يكمن في التواجد الاجنبي في ليبيا.











