تعد قرية العقبية واحدة من القرى الأكثر عزلة ببلدية السطارة على الحدود الشرقية لولاية جيجل، والتي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي أكثر من السبعين كيلومترا، هذا رغم قربها من مركز البلدية إلا أن التهمش أضحى
يؤرق حياة السكان.
بعد اتصال “عمي محمود” بنا، الذي حدثنا كثيرا عن المنطقة برمتها، وعن البساتين المبعثرة بها من مختلف الأشجار وأغلبها بساتين أشجار الزيتون، التي تعيد وتجمع سكان المنطقة المتواجدين بها لغاية اليوم والسكان الأصليين الذين هجروها منذ عقود لأسباب مختلفة أكبرها العزلة الخانقة ثم تردي الوضع الأمني وتعرض أهالي المنطقة للخوف، حدثنا عمي محمود عن ضرورة إيصال انشغاله للسلطات المعنية عبر الجريدة لضرورة النظر في متاعب سكان العقبية، خاصة أنها تفتفر إلى أبسط الظروف التي يمكن أن تساعدهم في الإستقرار بها.
حماسة “عمي محمود” أرغمتنا على زيارة المنطقة والوقوف على واقعها الحقيقي، والمشاكل التي تعترض حياة السكان، حيث سلكنا الطريق المؤدي إليها والذي يبدأ من مدخل حي بوشارف، كان الطريق بل المسلك الترابي منذ بدايته فيه الكثير من الأخاديد، وبرغم جمال الطبيعة الذي يزيد من روعة المكان وارتياح الزائر لها، بقدر ما تسجل زيادة مظاهر العزلة عن العالم الخارجي، بدأنا في توغل المنطقة، وكان لنا الفضول لإيقاف السيارة وقطف فاكهة التوت البري الأسود اللون والأروع في المذاق، التي يختلف حجمها من مكان لآخر، ثم أكملنا صعودنا في المسلك الترابي وسط بساتين أشجار الزيتون المترامية رغم أن المنطقة جبلية، بساتين تخفي الكثير من قصص الأهالي، حتى التي أشار إليها البعض من محدثينا في الثورة التحريرية المباركة، توغلنا قليلا وسط تلك البساتين والمرتفعات، لنصادف على يميننا وفي قمة تلة “الجامع ذي لزعار” وهو الذي كان مسجدا في القديم، وكان مفعما بالحيوية فيرفع فيه الآذان وتؤدى فيه الصلوات الخمسة، وكان مدرسة لتعليم القرآن الكريم حتى إلى سنوات السبعينيات، لكنه اليوم أصبح في وضعية كارثية بسبب هجران أهله له، فبدأت جدرانه المبنية من الطين تتهدم وتتآكل، وسقفه ينهار، فيخيل لك أنه يطلب النجدة، ثم توغلنا مرة أخرى لنصادف من حين لآخر شابا يقطع المسلك الترابي، لكننا ما زلنا وسط بساتين أشجار الزيتون، لنصل إلى القمة، وفي منطقة “الهبطة انتاع الحفرة” وعلى الطريق تساءلنا عن زاوية مسيجة ويغمرها ظل الأشجار وبها صناديق يبدو أنها مملوءة بأنواع الخضر والفواكه، تساءلنا وقيل لنا أن المكان يسمى “لعوينة” وهي مكان تجمع الأهالي خاصة في الصباح، وكل منهم يقوم بإحضار ما سيبيع في اليوم الموالي بالميلية أو بالسطارة ليتركه في هذا المكان الآمن، ومنه صعدنا إلى أعالي المنطقة لنجد أنفسنا تحت قمة الجبل بعشرات الأمتار فقط، فقد أصبحت تلك المناظر من تحتنا، وأصبحنا وسط روعة الطبيعة الخلابة، ووسط نشاطات فلاحية مختلفة يقوم بها الأهالي الساكنون بها أو حتى الذين هجروها من قبل لكنهم ما زالوا مرتبطين بها وجدانيا.
العزلة بسبب عدم صلاحية الطريق
خلال هذه الرحلة بين الخضرة والأشجار الكثيفة والمختلفة الأنواع، والبساتين المبعثرة، ومن خلال مقابلتنا لبعض الأهالي كانت أغلبية ملاحظاتهم بالحديث عن معاناتهم جراء العزلة المضروبة على المنطقة، فأخبرنا البعض عن التهميش الذي ساهم كثيرا في عزلة منطقة العقبية، وما يؤكد ذلك غياب أي مشروع تنموي على مستوى المنطقة ما أدى إلى هجرة أهلها منها، وأول معاناتهم تتمثل في اهتراء الطريق الترابي في كثير من المحاور، والذي يحتاج على الأقل كما يطالب السكان إلى وضع “التوفنة” على الأقل قبل التدخل لتهيئته بصفة نهائية، وهو الأمل المنشود لديهم وحتى للذين انتقلوا للسكن خارج المنطقة فأملهم الكبير في إصلاح الطريق لتسهيل عودتهم إليها ولإحياء كل مظاهر الحياة فيها، بما فيها النشاطات الفلاحية كالخضر التي تعتبر من أجود أنواع الخضر في المنطقة، بالإضافة إلى الإهتمام بالأشجار المثمرة غير أشجار الزيتون كالرمان والتين التي تشتهر بها العقبية.
إضافة إلى ذلك ورغم توفر المياه في المنطقة إلا أنهم يأملون في إيصالها إلى بيوتهم بشبكة تضمن لهم الحصول على مياه الشرب في بيوتهم وليس انتظار الدور في العين العمومية المشتركة، وقد عبر البعض أيضا عن أملهم في إنجاز مدرسة لتفادي تنقل الأطفال في الصف الإبتدائي إلى مدارس مركز البلدية.
وبين جمال المنطقة الطبيعي وفسيفسائها الذي يسحر الأنظار من جهة؛ ومن جهة أخرى معاناة سببها نقائص كبيرة تؤرق حياة سكان المنطقة، وحلم العودة للبعض الآخر من المغادرين منه، تبقى المعادلة بين يدي السلطات المحلية وذلك بتوجيه مشاريع جادة لإحياء المنطقة، أولها الطريق الذي سيساهم في القضاء على عزلة المنطقة، وتسهيل تنقل الأشخاص إليها وإحياء كل مظاهر الحياة.