مع اندلاع الثورة التحريرية جعلت الإدارة الفرنسية الاستعمارية من أرض الجزائر منظومة واسعة من السجون، المحتشدات، المعتقلات، مكاتب ضباط الشؤون الأهلية، الثكنات العسكرية، ومراكز التعذيب.
وهذه الأنماط من المعتقلات لا تحكمها أية قوانين أو لوائح أو تشريعات، والعاملون بها لا يخضعون لأية رقابة قضائية أو مساءلة قانونية، بحيث مورست فيها أبشع جرائم التعذيب وتنتهك فيها كرامة الإنسان وحقوقه.
ومن أبرز المعتقلات التي شيدها الاستعمار الفرنسي معتقل قصر الأبطال (قصر الطير سابقا) بسطيف سنة 1956 والمسمى بـ “معتقل الموت البطيء”، فكان بمثابة الشاهد الحي على صمود شعب عانى أبشع أنواع التعذيب من أجل نيل حريته واستقلاله.
تم تشييد “معتقل الطير” سنة 1956 بموقع استراتيجي، بحيث يطل على الاتجاهات الأربعة ليكشف كل حركة تقع في المنطقة حيث قسم إلى 9 أقسام للتطويع والترويض والتعذيب والأشغال الشاقة وغسل المخ وغيرها.
وممن مكثوا بهذا المعتقل المجاهد سواسي الذي قال في أحد تصريحاته: “قبعت في سجون فرنسية مدنية وعسكرية عديدة شيدها المستعمر الفرنسي بولايات شرق البلد على غرار تبسة وقسنطينة وعنابة وباتنة، غير أن التعذيب الذي مورس عليّ بمعتقل قصر الطير كان بمثابة الموت البطيء”.
وأضاف قائلا: “كنت أقوم رفقة سجناء آخرين بالأعمال الشاقة بحفر الأرض واستخراج التراب وعجنه بالأقدام الحافية ثم قولبته ونقله على الأكتاف لمسافة 1كم قبل إعادته إلى مكانه الأول، بحيث يستمر هذا الكابوس لأيام، كما كان يتم تجويعنا لمدة 4 أيام وإبقائنا في الزنزانة في جو بارد بعد أن يتم تجريدنا من ملابسنا”.
وأردف بالقول: “أبقيت في إحدى تلك الزنزانات المظلمة والباردة والمرعبة مجردا من ثيابي لمدة 9 أيام كاملة في طقس بارد جدا ودون طعام كوسيلة لإرغامي على الانضمام إلى سياسة ديغول”، مضيفا: “عشت حياة جهنمية لا يمكن وصفها مهما عبرت عن ذلك، وعانيت رفقة هؤلاء الأبطال الذين تسلحوا بالشجاعة وتغذوا بالإيمان داخل هذا المعتقل أبشع أنواع التعذيب الجسدي إلى جانب المعاناة النفسية الرهيبة في انتظار الموت”.
هذا، ويُعد معتقل قصر الطير واحدا من بين الشواهد على بشاعة الاستعمار، والتي تلعب دورا هاما في التعريف بالجرائم التي اقترفت إبان الثورة التحريرية في حق الجزائريين.