ما زال محل اهتمام الباحثين

قصر تماسخت.. نموذج متكامل للقصور الطينية الصحراوية

قصر تماسخت.. نموذج متكامل للقصور الطينية الصحراوية
  • خلفية تاريخية أسالت الكثير من الحبر

يتبع تصميم قصر تماسخت تموجات الهضبة المرتفعة التي شيد فوقها، حيث أن أسواره تتخذ شكل القلعة المحصنة التي يحيطها سور مشيد بمادة الحجارة، فهو يتخذ موقع مميز واستراتيجي ومناسب لدفع أي خطر أو هجوم الأعداء والغزو وفي مأمن من فياضانات الوديان وقريبة من طرق القوافل التجارية الصحراوية وبالقرب من منابع المياه المختلفة مثل الفقارة، فقد استغل السكان الموقع للبقاء في حالة إنذار مستمر.

يعد قصر تماسخت من أعرق القصور الصحراوية وأكثرها تميزا وسحرا وجلبا للزوار، فهو نموذج متكامل من نمط القصور الطينية الصحراوية التي تتميز بالشكل الدائري الشبيه بالقلاع ذات الأسوار العالية المشيدة من الحجارة.

 

موقع استراتيجي وتصميم مميز

يتميز قصر تماسخت بموقعه المميز الاستراتيجي بحيث يظهر لكل شخص يسلك الطريق الوطني رقم 06، حيث يستحيل أن تمر من هناك دون أن يلفت انتباهك القصر بشكل تصميمه المميز وتحصيناته الضخمة ومغارته الكبيرة، المشيدة فوق ربوات وهضبات صخرية التي مازالت محل بحث حول تاريخ تأسيسها بسب نقص المصادر والدراسات الأثرية والتاريخية حولها.

 

موقع هام وتسمية عريقة

تعني تماسخت في اللهجة الزناتية القديمة “الفجوة” أو “مدخل الجنان”، أما موقعه فهو يقع جنوب مقاطعة تاسفاوت وفنوغيل على حافة انجراف مقابل لوادي مسعود الذي لا يبعد عنه سوى بـ 20 كلم، ويبعد عن مقر بلدية تامست بحوالي 5 كلم وعن مدينة أدرار بما يقارب 60 كلم.

 

خلفيته التاريخية أسالت الكثير من الحبر

يشير بعض الباحثين إلى أن أقدم الأقوام التي سكنت القصر تنحدر من قبائل عربية جاءت إليه من منطقة الساحل، كما وصل إليه مرابطون من مدينة مليانة، وفي الأخير جاءت قبيلة من نواحي تلمسان. فيما يرى آخرون من بينهم “عبد الرحمن سلكة” أن هناك أصول أخرى لسكان تماسخت بقدوم قوم استقروا في القصر من أحفاد سيدي أحمد بن يوسف الملياني، الذي كان له الفضل في إبراز القصر على مسرح الأحداث، حيث أعطى للقصر أهميته ومكانته بين قصور الناحية كلها، ويرجع نسب الشيخ إلى أحمد بن علي بن الحسين بن الحسن بن موسى بن معزوز التنلاني الذي ولد ونشأ بأولاد ونقال سنة 1002ه/1593م وتوفى بتنيلان عام 1078ه/1667م وعمره 76 سنة.

بحوث تناولت تاريخ القصر

أجمع كل من “أ.ج.ب .مارتان” في كتابه الواحات الصحراوية في سنة 1904م، ومن بعده “ج .اشالييه” في دراسته حول قصور منطقة توات  في سنة 1972م أن تماسخت يمكن تصنيفها  في سياق القلاع الدائرية ،حيث يشير الى نمط تشيدها على شاكلة تصميم القصور القديمة المنتشرة بمناطق توات وقورارة وتيدكلت، التي تعود تاريخيا واثريا الى المجتمعات القديمة التي عاشت في الصحراء الذين أشارت إليهم المصادر التاريخية والجغرافية الإغريقية والرومانية وعرفوا بالجيتول”، وحسب دوفيريه “فإن هذه القصور كانت مأهولة في الأزمنة القديمة من طرف شعوب الجرامنت”، وظهروا على مسرح الحياة وعرفوا منذ القرن الثامن قبل الميلاد.

 

خصائص عمرانية ومعمارية تناسب البيئة

يحتل قصر تماساخت موقع مميز واستراتيجي ومناسب لدفع أي خطر أو هجوم الأعداء والغزو وفي مأمن من فياضانات الوديان وقريب من طرق القوافل التجارية الصحراوية وبالقرب من منابع المياه المختلفة مثل الفقارة، كل هذه المعطيات دفعت السكان لاستغلال الموقع لبناء القصر الذي بقي في حالة إنذار مستمر. كما يتميز التصميم العام لقصر تماسخت بتتبع تموجات الهضبة المرتفعة التي شُيد فوقها، كما اتخذت أسواره شكل القلعة المحصنة التي يحيط بها سور مشيد بالحجارة التي زادت القصر تميزا.

 

القصبة المحصنة.. وجه آخر لتميز القصر

كما يرتكز تصميم القصبة المحصنة في قصر تماسخت خارجه ولكنها في نفس الوقت قريبة منه وملتصقة به وتسمى عادة بالقصبة المحصنة وبالزناتية أو الأمازيغية “أغرم” وعادة هذه البنايات عبرة عن دور كبيرة تسكنها عائلات ميسورة أو ذات نفوذ ومشيدة على شكل قلعة تحتل أركانها الأربعة أبراج شامخة.

 

المغارة ميزة القصر وسره

يتميز قصر تماسخت عن القصور المجاورة له، بوجود مغارة طبيعية غامضة حفرت أسفله، استخدمها السكان منذ فترة قديمة. وهذا من طبيعة هذا النوع من القصور التي تقع على مرتفعات على قاعدة طبيعية من الكالكير، كما استغل السكان هذه المغارة في الأيام العسيرة خاصة أثناء فصل الحرارة حيث انها توفر مناخ معتدل ورطب.

 

المسجد ودار الشيخ

صمم مسجد قصر تماسخت، على شكل بناء مربع صغير الحجم مقابل لمسكن الشيخ له مدخل وحيد وله أهمية قصوى بالنسبة للسكان اعتبارا لمركزه في الحياة القصورية ووظيفته مما يفسر وجود أقواس دائرية وللمسجد محراب يبين اتجاه القبلة على شكل نصف اسطواني، أما دار الشيخ فهي  بمثابة الدار الكبيرة التي كان يقيم فيها الشيخ وكبير القوم وصاحب السلطة على الجماعة فضلا على أنه بمثابة المكان الذي كان يحتضن مختلف النشاطات في المناسبات العامة مثل لأفراح وحفظ القرآن، وكما نلاحظ أن موقع المسكن كان له أهمية لتسهيل انتقال شيخ القصر من مسكنه الى المسجد. ويتميز المسكن بالظلمة وقلة ضوء الشمس النافذة إلى داخله لأن الفتحات قليلة باستثناء بعض النوافذ الصغيرة في السقف. والإضاءة الوحيدة تأتي من خلال الفناء الصغير الغير مسقوف في الركن الشمالي الشرقي الذي يوجد فيه سلم.

 

الضريح.. جزء من الذاكرة الشعبية

يوجد الضريح في الجهة الشرقية في مدخل القصر ويتميز بشكله المخروطي وبفتحاته وبلونه الأبيض الناصع وهو يمثل جزء من الذاكرة الشعبية، ومن المرجح أن الأقواس والقباب الموجودة على الضريح ترجع إلى تأثير المعمار الإسلامي القديم على المنطقة.

 

مواد بناء مناسبة لطبيعة المنطقة

يعتبر الطين من بين أهم المواد المستخدمة في تشييد قصر تماسخت، الذي يمثل مادة البناء الرئيسية حيث استخدم كمادة انشائية منذ مراحل مبكرة، ولهذه المادة بطبيعة الحال علاقة وطيدة مع المناخ المحلي، وبخاصة أن مناخ المنطقة قاري حار وجاف والصيف فيه طويل وشديد الحرارة ويصنع الطين على شكل طوب التي تخفف من ارتفاع درجات الحرارة، كما أن البناء بهذه المادة لها خصائص تتمثل في قدرتها على تقليل التوصيل الحراري الجيدو يعود سبب ذلك أن الجدران تمنع مرور كميات كبيرة من الحرارة الى الداخل وفي نفس الوقت تمنع تسرب البرودة المتولدة في الداخل إلى الخارج. أما المادة الأخرى المستعملة في بناء قصر تماسخت فهي الحجارة وهي من مواد البناء التي لا تقل أهمية عن الطين، ذلك أن الحجارة تكون كأساس للجدران الخارجية وأحيانا الداخلية وذلك لتقويتها وتدعيمها وصيانتها أيضا، وتكون الحجارة المستخدمة في البناء بأحجام متفاوتة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وغالبا ما تستخدم الحجارة الكبيرة للأسوار، وأما المتوسطة تستخدم في تشييد البيوت والمرافق الأخرى.

لمياء. ب