كيف ترزقون كالطير ؟

  كيف ترزقون كالطير ؟

التفكر في خلق الله، والتأمل في بديع صنعه وإحكام تدبيره من أجلِّ مغذِّيات الإيمان ومقوياته؛ حين يكون ذلك العالَمُ المحسوسُ المشهودُ دالًا على الغيب الموعود. ومن بديع خلق الله الذي حث على التأمل فيه الطيرُ المسبحةُ بحمده؛ ففي خلْقها وتدبيرها عجائب تدل على وحدانية خالقها وإحكام تدبيره. ومن القضايا الجديرة بطول التأمل والتفكر والاعتبار هدايةُ الله الطيرَ في طلب رزقه ” الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ” طه: 50؛ إذ غدت الطيرُ مضربَ المثل على هناء الرزق، وتيسره، وبركته؛ إذ لم يُر طيرٌ مُطْلَقٌ قد هلك جوعًا، أو لم يصب رزقه يومًا؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانًا، وللضعفة منها شأن عجيب!. إن من الهداية الربانية للطير في رزقها أنها لا تخشى الفاقة والفقر؛ إذ هي لا تحمل إلا همّ رزقها اليومي، وللمستقبل رزقه الذي تكفل الله به. وذلك سبب من أسباب هناء العيش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا “؛ أي: جمعت له الدنيا. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

ولا يعني ذلك ترك الاحتياط للمستقبل، كلا، بل الشأن في حمل الهمّ، لا بذل السبب. والتوكل الحقُّ الذي وقر في قلب الطير يقينُه ألا رازق له إلا الله، وإفلاسُه مما سواه؛ وذاك سبب لا يخيب معه طلب الرزق أبدًا. سئل الإمام أحمد: أي شيء صدق المتوكل على الله عز وجل ؟ قال: أن يتوكل على الله، ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذلك؛ كان الله يرزقه، وكان متوكلًا. والسعي في طلب الرزق بصدق التوكل دون ضجر أو كسل من هداية الله الطيرَ في طلب رزقها، وذلك السعي لا يكاد يخيب معه أمل أو عمل، وإن فات فإنما فات لما هو خير وأبرك. قال الأحنف بن قيس لرجل أوصاه: ” إياك والكسل والضجر! فإنك إذا كسلت لم تؤد حقًا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق “. وبالصبر والصدق الذي تمثّله الطير يُساق الرزق ويبارك، والتبكير في طلب الرزق من هداية الله الطير، وهو من أسباب بركة الرزق، روى عن صخر الغامدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم بارك لأمتي في بكورها “، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار “، وكان صخر تاجرًا، فكان لا يبعث غلمانه إلا من أول النهار؛ فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه. رواه أحمد والترمذي وحسنه. إن في هداية الله الطيرَ في رزقه عبرةً بالغةً للناس في أرزاقهم التي باتت أكثرَ اهتمامهم وحديثِ نفوسهم ومجالسهم وسببِ نزاعهم؛ ليأخذوا من تلك الهداية الربانية ما تطيب به الأرزاق، ويهنأ به العيش كما هو حال الطير في رزقه؛ إذ لفّه العيشُ بهمِّ الرزق اليومي، وصدقُ التوكل على الله، والسعيُ الذي لا يعتريه ضجر أو كسل، واهتبالُ أوقات البكور، ولزومُ القناعة، والقيامُ بشأن الضعيف. وجمالُ ذلك وواسطة عقده حسن الظن بالله جل شأنه، قال العُمَري: ” يا ابن آدم، الطير لا يأكل رغدًا، ولا يخبئ لغد، وأنت تأكل رغدًا، وتخبئ لغد؛ فأحسنت الطيرُ الظنَّ بالله، وأسأت ظنَّك بالله “.