باءت جميع محاولات المواطنين والسلطات لتخليص بلدية باش جراح من النفايات بالفشل لدرجة أنها أضحت معلما لها أطاحت ببورصة الحياة بها، والتي هي في تراجع مستمر صانعة هوة بينها وبين البلديات الراقية التي
تزداد فيها أسعار العقارات وتنتعش فيها الأعمال والاستثمارات، في حين أن التواجد بالبلدية ذات الكثافة السكانية الأكبر يعد نوعا من العقاب المفروض على الجميع، فلا مكان سلم من القاذورات التي بلغت ذروتها خلال أيام العيد.
ضاق سكان بلدية باش جراح ذرعا من صور القاذورات التي تشمئز لها الأنفس والتي أضحت ترافق يومياتهم لسنوات دون أن تنجح الحملات التحسيسية وجهود الكثيرين من مواطنين وسلطات في وضع حد لها، رغم البرنامج الضخم الذي تبنته مصالح ولاية العاصمة لإعادة الوجه الجمالي النظيف لجميع أحياء وبلديات العاصمة التي صنفت مؤخرا في ذيل القائمة في صعوبة العيش بها، بعدما أصبحت هذه النفايات تهدد صحتهم بفعل الحشرات التي تقتات على الفضلات وبقايا الطعام، وتثير حفيظتهم بفعل تطايرها في كل مكان وتمركزها في كل ركن وزاوية تكبر أكوامها يوما بعد يوم في مشاهد أفقدتهم طعم الحياة دون أن ننسى ما تقوم به القوارض والحيوانات الضالة بها رافعة احتمالات انتشار الأمراض أكثر، فلا يمكن لأحد أن تطأ قدمه مساحة نظيفة خاصة خلال أيام العيد التي أخرجت السكان عن صمتهم، فروائح بقايا أحشاء الأضاحي التي تمتد حتى نوافذ السكان، أزكمت الأنوف وحرمتهم من التمتع بالمناسبة الدينية التي من المفروض أن ترفق بالنظافة وآداب التعامل مع بقايا دماء الأضاحي وأحشائها.
هذه الصور الكارثية التي لم تختص بها بلدية باش جراح فقط ليست بجديدة، وقد تعوّد السكان على التصادم معها رغم الهبات المتكررة لإيجاد حل لها، ولكن الأمر يبقى على حاله و يواصل السكان مقاساة معاناة واحدة كل يوم.
وربط كثير من السكان الظاهرة بغياب ثقافة متحضرة في مجال التخلص من النفايات تورط فيها الجميع بمن في ذلك المواطنون الذين لا يجدون حرجا في إلقاء قاذوراتهم في كل مكان، وعائلات لا تحترم مواعيد جمع القمامة وتتعنت في اخراج نفاياتها دون التغاضي عن الكثافة السكانية العالية التي تعرفها البلدية التي تتوسط كل من المقرية والقبة، حسين داي والحراش والتي من المفروض أن تولي لها السلطات أهمية أكبر، غير أنها تكتفي بعتاد محدود لمجابهة أكوام من النفايات، في حين يستحيل على أعداد صغيرة من عمال النظافة السيطرة على الوضع الذي يتطلب متابعة مبدئية حتى تعويد الناس على ضرورة التنسيق مع الأعوان ومساعدتهم على تأدية مهمتهم الشاقة، ضف إليها ضرورة تمديد أيام جمع القمامة لضمان عدم تراكمها مجددا ومضاعفة العتاد المخصص لتنقية الأحياء منها، خاصة وأن الجميع يعرف أن حاويات القمامة تصبح مملوءة عن آخرها في ظرف أقل من ساعتين.
وشدد الكثيرون على السلطات المحلية التحرك الجدي لتسوية المعضلة، وإنقاذ سمعة البلدية التي تستقطب المئات يوميا لاقتناء حاجياتهم من المحلات التجارية التي تجاوز صداها حدود العاصمة بفعل أسعارها المعقولة وتلبيتها لأذواق الكثيرين خاصة النساء المقبلات على الزواج وأضحى الجميع يقصدها، وفي كل مرة يعلق الزوار على الأوضاع الكارثية لطرقاتها وأزقتها ومحيط المحلات، وما زاد الطين بلة سوق الخضر والفواكه الذي لا يخضع لأي معيار تسويقي، كما دعوا إلى إيجاد حل سريع للباعة الفوضويين الذين عقدوا الحياة بالبلدية بفعل تجوالهم في كل مكان مخلفين بقاياهم التي لم تزد الوضع إلا كارثية.