لم يخضعوا للتوجه الاقتصادي الجديد وحولوا بلدياتهم إلى مسارح للاحتجاجات, أميار ينشئون دولتهم من أموال المواطنين… 57 رئيس بلدية بالعاصمة لم يستطيعوا تسييرالأغلفة المالية التي قدمت لهم

elmaouid

قاربت العهدة المحلية للمجالس البلدية على نهايتها دون أن يتمكن أميار العاصمة -الذين عول عليهم الكثير – من تنفيذ قرارات الحكومة لمجابهة شبح الإفلاس على خلفية تهاوي أسعار النفط، وعجزوا عن تخفيف العبء على الدولة مقابل فشلهم في السيطرة على الغضب الشعبي تنديدا بغياب أدنى الضروريات.

 

57 مناجير خارج الإطار الاقتصادي

بعد أكثر من 8 أشهر من تكليفهم بخلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة تخفف مسؤولية الأعباء المالية على خزينة الدولة، وتحديدها بـ 50 مؤسسة كتجربة أولى قبل تعميمها والرفع من عددها لتستجيب لاحتياجات مواطنيها، اكتشفت الحكومة أن المجالس البلدية الحالية التي لم يتبق لها من الوقت أكثر من 3 أشهر لا تقوى على خوض غمار الحرب الاقتصادية التي أضحت أكثر من ضرورة خاصة في عاصمة البلاد التي تزداد فيها المطالب بسبب ارتفاع الكثافة السكانية مقابل تراجع مجالات التنمية متأثرة بهذا العامل الذي ساهم بشكل كبير في تدني الخدمات، وتبين أن 57 رئيس بلدية لا يمكن لهم أن يكونوا كما وصفهم وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية نور الدين بدوي، ولن يتحولوا إلى مناجير لتسيير بلدياتهم باعتبارهم لم ينجحوا حتى في تسيير الأغلفة المالية التي قدمت لهم زمن البحبوحة المالية، فلا الطرقات استفادت من التهيئة ولا معضلة النقل تم التحكم فيها ولا بنيت مؤسسات تربوية جديدة -إلا نادرا- ولا استجيبت مطالب غالبية السكان الذين لا يزالون يعيشون أزمة سكن ومشاكل التزود بالضروريات من ماء وكهرباء وغيرها من أساسيات العيش التي لم ينالوها رغم الوفرة المالية، فكيف بالحديث عن مهمة أعقد منها وهي ايجاد مصادر ثروة جديدة وخلق مؤسسات اقتصادية؟، وهو الأمر الذي جعل وزير الداخلية والجماعات المحلية يصدر تعليمتين مستعجلتين لتوفير الحد الأدنى من الضروريات على الأقل باعتبار أن التعليمات التي وجهتها الحكومة بعد اجتماعها بالولاة العام الماضي سقطت في الماء.

وأمر بدوي بتوفير دائم للماء الشروب والكهرباء والعمل على تفادي انقطاعهما مهما كانت الأسباب، كما أمر في تعليمة أخرى بتعجيل توفير المرافق الترفيهية من ملاعب جوارية، حدائق، مساحات خضراء وغيرها لامتصاص الضغط المسجل على المواطن البسيط الذي أضحى في كل مرة ينقل احتجاجاته للشارع.

 

البلديات تفشل في جرد ممتلكاتها و15 ألف ملك مسجل غير مستغل

عولت الحكومة كثيرا على بلديات العاصمة لتسيير  15 ألف ملك غير مستغل والتي من شأنها خلق ثروة حقيقية لو أحسن استغلالها وطي صفحة كرائها بالدينار الرمزي، خاصة وأن هذه الأملاك التي استفاد منها أصحابها لعقود لم يدفعوا نظير ذلك قيمة المستحقات اللازمة، وهو ما يتناقض مع الممتلكات الخاصة التي يضطر مستأجروها إلى دفع ما معدله 100 مرة ما يدفع إلى أملاك الدولة.

وكان القرار الذي اتخذته الحكومة قبل قرابة العام يرمي إلى التحضير لبداية تطبيق قرار الرفع من الجباية المحلية التي كانت تقتصر على 17 بالمائة فقط كضرائب، وهي نسبة ضئيلة جدا لا تستجيب للسياسة الاقتصادية الجديدة التي تقوم على الرفع من الضرائب بمجرد اتمام اصدار قانون الجباية المحلية الجديد الذي سيحدد الفضاءات التي يمكن تحصيل الضرائب منها.

كما عولت الحكومة على نجاح البلديات في توفير العقار الصناعي اللازم لتسهيل العمل على المستثمرين الذين أُدرجت مساهماتهم كتعويض للمجالس البلدية، ومسؤولية تأمين المرافق التجارية، خاصة وأن الدولة ستكتفي مستقبلا بتمويل المشاريع ذات الطابع الاجتماعي فقط وتترك مهمة المرافق التجارية لرجال الأعمال، إلا أن كل هذه المخططات لم تعرف لها طريقا، ولم تتغير الحسابات السابقة، إذ تعذر على البلديات مجرد القيام بجرد ممتلكاتها التي ما تزال غير مستغلة إلى يومنا هذا.

 

الأميار يتورطون في تأجيج الشارع

يشار بأصابع الاتهام دائما في الفوضى المسجلة بالبلديات إلى الأميار الذين فشلوا في نقل انشغالاتهم وحلها إن لزم الأمر وعجزوا عن تحمل مسؤولياتهم تجاه من انتخبهم، إذ وعلى امتداد خمس سنوات كانت عهدتهم في أغلبها مجابهة للاحتقان

والغليان الشعبي الذي زاد في آخر سنة لها، ومنهم من استعان بمصالح الأمن لحمايته من الغضب الشعبي الذي اكتشف أن ممثله “بزنس” في معاناته، ومن لم يفعل لم يستطع في المقابل إيجاد منفذ لحل مشاكل الناس لتمضي سنوات عجاف على المواطنين الذين لم يستفيدوا حتى من إنارة عمومية أو تعبيد للطريق دون الحديث عن المشاريع التنموية الكبيرة، والنتيجة أن العاصمة ومنذ أشهر عديدة تمتد لسنة أو أكثر تشهد إحتقانا كبيرا وغليانا شعبيا مكبوتا ينفجر بين الحين والآخر في مظاهر إعتصامات والخروج في إحتجاجات وغلق للطرق بمختلف الأشكال، حيث لم تمر العهدة الحالية للمجالس المحلية لبلديات العاصمة في ظروف هادئة، ولم تخل من مهازل وفضائح عبر الكثير من المناطق، التي لطالما انفجرت بين الحين والآخر، ما استدعى تجميد مهام “أميار” تارة وتوقيف مسؤولين تارة أخرى.

 

خدمات تحت المستوى وغياب شبه كلي للتنمية

ما يزال المواطن العاصمي يعاني الأمرين في الاستفادة من أي خدمة يرمي إليها سواء على مستوى القطاعات الثلاث المهمة كالسكن، الصحة والتعليم أو الخدمات الأخرى كتلبية احتياجاته بالأسواق أو المراكز البريدية أو التنقل وغيرها من الخدمات الأساسية التي تشكل جوهر الحياة الكريمة، فهو مجبر على تحمل معاناة الطوابير، والحصول على خدمات تحت المستوى وأحيانا لا تتوفر أصلا، فلا تزال أحياء عاصمية دون أهم المرافق وما يزال تلاميذ يواجهون أخطارا للتنقل إلى مدارسهم، كما لا يزال الكثيرون يبيتون في أكواخ أقرب إلى الاسطبلات منها إلى مساكن بشرية، ونابت كثير من الجمعيات عن دور البلديات، آخرها كان في رمضان عندما سحب المجتمع المدني مهمة تنظيم قفة رمضان من المجالس البلدية التي ما تزال تحتكم في منحتها إلى الوثائق التي لا تعكس الواقع في كثير من المرات، كما نابت عنها في تنظيف الأحياء باعتبار أن الأخيرة عجزت عن التحكم في الملف حتى أضحى دورها هامشيا يكاد يرتبط باستخراج الوثائق وكفى، وحمّلها الكثيرون مسؤولية التدهور المسجل في نوعية الخدمات، باعتبار أن رؤسائها الحاليين عايشوا فترة البحبوحة دون أن تستثمر تلك الأموال فيما يخدم الصالح العام وهدرت الأموال فيما لا ينفع وأحيانا نهبت لصالح زمرة من خلال التلاعب.

 

أميار ينشئون دولتهم من أموال المواطنين

اغترف كثير من أميار العاصمة من الأموال التي كانت مخصصة للتنمية، وتورطوا في قضايا قادت البعض منهم إلى أروقة العدالة بعدما تجاهلوا العمل على خدمة من انتخبوهم في سبيل الحصول على بعض الخيرات بطريقة غير شرعية، واقتصر تفكيرهم في كيفية الحصول عليها دون أن تمتد إليهم أيادي الردع خاصة مع الصلاحيات التي كانت تتوفر لديهم والتي مكنتهم من نهب الأموال قبل أن تتحرك القوة الشعبية تنديدا بالتجاوزات حينها وتأخذ العدالة مجراها عبر لجان تفتيش وتدقيق أطاحت بعدد منهم وتابعتهم بجرم سوء استغلال الوظيفة وغيرها من التهم، لينتهي بهم المطاف بين أروقة العدالة قبل أشهر عن نهاية عهدتهم التي كانت مخيبة ولم ترتق إلى مستوى البديل الاقتصادي الذي تغنت به الحكومة بتحول الأميار إلى مناجير يجلب الأموال بخلق مصادر الثروة.