سفر لمحطات تغيب فيها عن لحظتك الراهنة

متحف الآثار القديمة والفنون الإسلامية.. أيقونة التنوع الحضاري وتعايش الأديان

متحف الآثار القديمة والفنون الإسلامية.. أيقونة التنوع الحضاري وتعايش الأديان

تحيي الجزائر على غرار بقية الدول اليوم العالمي للمتاحف الذي يأتي هذه السنة تحت شعار “قوة المتاحف” حسب مجلس المتاحف العالمي .

ويوجد بالجزائر عدد من المتاحف تتميز بالتنوع من حيث الحقب الزمنية والمحتوى، إلا أن المتاحف التاريخية لها أهمية متميزة، إذ يقول مراد وزناجي مدير المتحف الوطني للمجاهد “إن متاحف التاريخ يقصدها الزوار بشكل كبير لأنها تعيد رسم الصورة وتعيد إحياء الذاكرة وتحيّن اللحظة التاريخية”.

 

ملتقى للديانات ومحراب للتسامح

يعتبر متحف الآثار القديمة والفنون الإسلامية في الجزائر من أقدم المتاحف في إفريقيا، فإذا أردت أن تعرف الجزائر عبر التاريخ، فعليك بزيارة هذا المتحف، ففيه أواني الرومان من الفخار وفيها تماثيل ملوك موريتانيا القيصرية رأس “يوبا الأول والثاني”، ورأسا “الملكة كليوباترا سيليني” وابنها “بطليموس”.

وإن سألوك عن الجزائر كملتقى للديانات ومحراب للتسامح، ففي متحفها هذا قاعة “الفنون المسيحية” وتضم معروضات عن الديانة المسيحية، تعتبر شاهداً على تعايش الأديان في العالم.

كما تجد قاعة “العبادات الوثنية”، وفيها تماثيل ورسومات فسيفسائية، ولوحات جدارية تصوّر المعتقدات والأساطير القديمة المتأثرة بالحضارة اليونانية، والعبادات الشرقية خاصة من مصر وسوريا، والتي انتشرت في منطقة شمال إفريقيا، ما بين القرنين الثاني والثالث الميلاديين..

 

جولة في أقدم متحف إفريقي

يتربع متحف الآثار القديمة والفنون الإسلامية على حديقة الحرية بشارع كريم بلقاسم بالعاصمة الجزائر ليزيده رونقا وجمالا وسط الديكور الطبيعي الخلاب الذي امتزج بالهندسة المعمارية المغاربية الأصيلة، إضافة إلى تميزه بكونه من أقدم المتاحف في الجزائر وإفريقيا.

أنشئ المتحف سنة 1838 بعد ثماني سنوات من سقوط العاصمة بيد المستعمر الفرنسي، وهو من هذه الناحية يعتبر من أقدم المتاحف الجزائرية والإفريقية. ودشن رسميا بعد ذلك بستين سنة أي 1897. ومنذ تأسيسه عُرف المتحف رغم محافظته على وظيفته بعدة أسماء منها متحف الآثار الجزائرية، المتحف الجزائري للآثار القديمة والفنون الإسلامية، متحف ستيفان قزال نسبة لأحد أشهر علماء الآثار الفرنسيين، المتحف القومي للآثار، وأخيرا اصطلح على تسميته بالمتحف الوطني للآثار القديمة وأضيفت إليه كلمة الفنون الإسلامية.

ورغم تغير التسميات إلا أنه حافظ على وظيفته المتحفية كونه يقدم نظرة عامة وصورة شاملة لمختلف الحضارات التي تعاقبت على الجزائر منذ فجر التاريخ إلى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي.

 

قاعة إيكوزيوم تروي عراقة العاصمة

عند ولوج قاعة إيكوزيوم وهو الاسم الروماني للعاصمة فيما سماها الفينيقيون ايكوسيم، نجد مجموعة من التحف والآثار التي عثر عليها خلال عمليات التنقيب أو الأشغال ضمن حدود مدينة الجزائر، ومن هذه الآثار نجد أواني فخارية تعود للعصرين الروماني والإسلامي والبوني.

من جهة أخرى، نجد مجموعة اتروسكية ويونانية ورؤوس تماثيل لملوك مملكة موريتانيا القيصرية والتي كانت شرشال أو ايول عاصمة لها، ومن هؤلاء نجد رؤوس يوبا الأول والثاني والملكة كليوباترا سيليني وابنها بطليموس .

بالإضافة لما سبق نجد في المتحف أقساما أخرى منها قاعة المسكوكات ونجد بها مجموعة من النقود التي ترجع لمختلف العصور القديمة وقاعة البرونز وبها أدوات برونزية من بينها تماثيل صغيرة تمثل خوذة، قناع وتمثال رائع لطفل يحمل نسرا، أدوات للاستعمال الفلاحي كالميزان والصنج وأداة لسحق الزيتون وسكة المحراث.

 

قاعة الفن المسيحي شاهد على تعايش الأديان

ترتبط معروضات هذه القاعة في معظمها بالديانة المسيحية، حيث سيتمكن الزائر لهذه القاعة من مشاهدة مجموعة من الصناديق لقسس رفعوا لواء التبشير بالمسيحية في أوائل عهدها وقتلوا بأمر من الأباطرة الرومان الذين كانوا على وثنيتهم، كما نجد على أرضية القاعة والجدران لوحات فسيفسائية تحمل كتابات في معظمها باللغة اللاتينية وتمجد من خلالها المسيحية ورموزها، كما توجد صور لأعمدة وتيجان القسس والمذابح الكنسية دون نسيان وجود نقوش وكتابات أخرى جنائزية وكتابية.

 

قسم الفنون الإسلامية…. شاهد على الثراء والتنوع الحضاري

اُفتتح قسم الفنون الإسلامية بالمتحف سنة 2004 بمناسبة الاحتفالات باليوم العالمي للمتاحف تحت مسمى جناح الفنون الإسلامية بالجزائر، فيما تعود أقدم مجموعة أثرية ضمن هذا الجناح أو القسم إلى سنة 1846 ومع الوقت تم إثراؤها.

ويشمل هذا القسم عدة قاعات منها القاعة الأولى التي ضمت أثارا تبرز تشكل الجزائر الإسلامية، فالزائر لهذه القاعة يجد تحفا يعود تاريخها بين التاسع حتى الخامس عشر ميلادي ومنها نسيج مطرز بعبارات دينية من اليمن ومصر وبعض التحف التي عثر عليها في قلعة بني حماد ومنبر الجامع الكبير للجزائر الذي يعود للفترة المرابطية .

أما القاعة الثانية فتحمل في ثناياها عبق تمازج الحضارتين العثمانية والأندلسية، حيث تحوي تحفا تعود للقرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، ومن هذه التحف نجد صحونا خزفية ذات البريق المعدني من الأندلس ولوحة من البلاطات الخزفية ومجموعة فناجين وأظرفة مذهبة وفضية من تركيا، مصحف الجامع الكبير، سيوف ومسدسات، عدة فرس، تحف معدنية من الجزائر، وفي القاعة الثالثة التي احتوت ثناياها تحفا تعود للقرن التاسع عشر ميلادي.

ق. م